عبود وعويدات باقيان… !

ملاك عقيل

لم تَحجب كرة ثلج “المواجهة الكبرى” بين المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار والمدّعى عليهم في انفجار المرفأ الأحاديث المتزايدة عن “تسونامي” آخر قد يجتاح العدلية بأخذ السلطة السياسية القرار بـ “تطيير” الأعضاء الحكميين الثلاثة في مجلس القضاء الأعلى وتعيين بدلاء عنهم بالتزامن مع خطوة ملء الشغور في عضوية  مجلس القضاء الأعلى. والأعضاء الحكميون همّ: رئيس المجلس القاضي سهيل عبود ومدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ورئيس التقتيش المركزي القاضي بركان سعد.

أولًا بالمنطق السياسي يصعب توقّع هكذا سيناريو في ظل اقتراب نهاية عهد الرئيس ميشال عون وما سيسبق ذلك من انتخابات نيابية قد تكون مُبكرة ما يسرّع “تآكل” المهل ويصعّب حصول تغييرات قضائية على هذا المستوى التي عادة ما ترافق بداية العهود وليس نهايتها.

ثانيًا لا يبدو القرار السياسي ناضجًا للسير بهذا الاتّجاه، مع العلم أنّ رئيس الجمهورية يرغب بوضع حدٍ لولاية القاضي سهيل عبود “غير المتعاون” مع خلية عمل قصر بعبدا، وفعليًا “غير الموضوع في جيبة أحد” من المرجعيات السياسية، كما لدى عون مآخذ عدّة على مدّعي عام التمييز ورئيس التقتيش القضائي.

ثالثًا: هذه التركيبة الثلاثية أتت تباعًا بتوافق سياسي لا يلغي مفاعيله سوى توافق آخر غير واضح المعالم حتّى الآن، حتى في ظل رغبة شديدة من رئيس الجمهورية للتخلّص من “عبء” سهيل عبود.

أمّا غسان عويدات وبركان سعد فيشغلان الموقعان السنّيان في تركيبة مجلس القضاء الأعلى حيث ستكون الكلمة الأولى والأخيرة في تغييرهما لرئيس الحكومة الحالي مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب. كما أنّ التعيين بحدّ ذاته يحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس الوزراء الذي قد لا يتوافر لمجرد وجود رغبة من ميشال عون بحدوث ذلك والتي ستُواجَه حكمًا برغبات “رئاسية” أخرى خصوصًا من صوب عين التينة وصولًا إلى بنشعي!!

يُذكر في هذا السياق أنّ تعيين بديل عن رئيس التفتيش القضائي لا يحصل إلا بموافقته، فهذا الموقع هو ( inamovible ) أي غير قابل للعزل إلا بإرادة شاغله حيث يُقدم طلب بذلك، أو يُعرض عليه الأمر ويعطي الموافقة على تعيين بديل عنه. وهنا أيضاً يلعب الايعاز السياسي دوره.

ووفق المعلومات، يعمل وزير العدل هنري خوري  على إعداد مرسوم تعيين أربعة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى في المرحلة الأولى من أصل ستة مراكز شاغرة (1 ينتخب لاحقًا من بين رؤساء غرف التمييز و1 يعيّن لاحقًا بمرسوم).

والمرسوم الحالي المفترض أن ينال موافقة القوى السياسية المعنية به يتضمّن أسماء 2 قضاة من رؤساء محاكم الاستئناف، 1 رئيس محاكم البداية، 1 رئيس وحدة في وزارة العدل، أو رئيس محكمة. وقد تمّ التداول بعدّة اسماء في الأيام الماضية لكن المرسوم بصيغته النهائية لم ير النور بعد.

وهنا لا صلاحية للمجلس بـ “فَحص” أهلية القضاة المقترحين للتعيين، حيث يحمل المرسوم تواقيع وزير العدل ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.

لكن مصادر مطّلعة تجزم لـ “أساس” أنّ “هذا الاستحقاق سيكون مفصليًا في تقرير مصير رئيس مجلس القضاء الأعلى والطاقم الحالي. فإذا كانت الأسماء المقترحة تتمتّع بالمواصفات المطلوبة من جانب “الريّس” عبود لجهة الاستقلالية وعدم التبعية السياسية والكفاءة، سيُكمّل المجلس مهامه برئاسة عبود، أمًا إذا استشعر ألأخير  وجود  قرار سياسي بتكبيله ومحاصرته داخل المجلس فسيكون له موقف واضح يُعلن في حينه”.

وعارفو عبود يقولون في هذا السياق: “الرجل لن يحيد عن قناعاته ولن يساوم عليها، وليس من طينة القضاة الذين يخضعون أمام الضغوطات. وهو لم ييأس ولم يُحبَط. وإذا كان هناك من يسعى لتطييره فعليه أن يقدّم مبرّرات هذه الخطوة”.

ويكتسب دور القاضي عبود أهمية قصوى في المرحلة المقبلة فهو رئيس المجلس العدلي الذي سيحال إليه القرار الظني في قضية انفجار المرفأ، فيما أظهر من موقعه الحالي كرئيس لمجلس القضاء الأعلى بأنّه على مسافة واحدة من الجميع ولا يتدخّل إطلاقًا بعمل القاضي البيطار، وغالبًا ما يردّد أنّه مع المحاكمات العادلة بعيدًا عن المحاكمات الشعبوية والسياسية. كما أنّ عبود هو الرئيس الأول لمحكمة التمييز التي ستبتّ بالدعاوى المرفوعة ضد القاضي البيطار .

وفي حال استمرار عبود في رئاسته للمجلس سينطلق من التشكيلات القضائية السابقة، التي لم تر النور، كنواة أساسية لإعداد تشكيلات جديدة، وذلك بعد إدخال تعديلات حتمية عليها بسبب تخرّج قضاة جدد وإحالة قضاة إلى التقاعد ورصد أداء قضاة عيّنوا في مواقع هامة في التشكيلات الماضية وأثبتوا في المرحلة السابقة أنّهم غير جديرين بتبوئها، والعكس صحيح من حيث إمكانية تصحيح أوضاع قضاة قد يكونوا ظلموا في التشكيلات السابقة.

والأهمّ، ما تقوله مصادر متابعة، عن إمكانية تحرّر القاضي عبود هذه المرة من المعايير الطائفية والمذهبية في توزيع القضاة الذي التزم أعضاء مجلس القضاء الأعلى بـ “شروطها” في التشكيلا ت الماضية منعًا لفتح أبواب “حهنم” ضدّهم!!

وبالعودة إلى مرسوم تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وفي ضوء رفض المجلس سابقًا للمرسوم الذي رفعته وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم في حكومة حسان دياب (في مرحلة تصريف الاعمال) بسبب الاعتراض على بعض الأسماء فيه، قد يتكرّر السيناريو نفسه مع الوزير خوري.

فوزير العدل الذي تجمعه علاقة “أخوة وصداقة” مع القاضي عبود محسوب من حصة رئيس الجمهورية في الحكومة. وسَبق لباسيل إن طَرَح اسم زوجته رئيسة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل القاضية جويل فواز لتعيّن وزيرة للعدل، لكن الخيار رسا أخيرًا على خوري.

وللمفارقة، اقترحت الوزيرة نجم اسمها لعضوية مجلس القضاء الأعلى ضمن المرسوم الذي لم يوقّعه الرئيس دياب في مرحلة تصريف الأعمال، وبالتالي لن يكون واردًا طرح وزير  العدل اسمها مجددًا.

شاهد أيضاً

شباب لبنان …شباب العلم

/ابراهيم ديب أسعد شبابٌ إلى العلياءِ شدّوا وأوثقوا وطاروا بأسبابِ العلومِ وحلّقوا وقد ضمّهم لبنانُ …