قطرة ماء

الكاتبة أمل زيادة – جمهورية مصر العربية

صباح جميل وهواء منعش وأنا انساب برفقة أخوتي مع أمنا وأبينا الذي يحتك بنا بخفة وهدوء صانعا تموجات متتالية رقيقة .

نظرت لأعلى وجدت المدينة تستيقظ وضوضاءها يتعالى بتزايد وصخب. 

أحب أن أراقب هؤلاء المخلوقات الذين يتوقفون فوق هذا البناء الأسمنتي الضخم وهم يتأملون في الفراغ. مرسلين أبصارهم وأعينهم في البراح شاردين.– ترى ماذا يفكرون؟ 

لم يقف أمامي شخص قط إلا وشرد أولاً.! – هل كلهم يحملون همومًا يتذكرونها هنا؟– هل مشاهدتي تبث فيهم هذا الألم؟

لا يهم ..  لن اهتم..!

فسرعان ما تتبدل ملامحهم وتتغير في لحظة ما بين حب وشجن وانسجام وذعر.

ترى من أول  شخص سيقف ويطلق سراح عينيه اليوم؟

سأترقب ..  ولما لا؟– أليست تلك متعتي؟

ها هو صاحب المركب استيقظ من نومه. أنه ينام في مركبه برفقة عائلته. لماذا لا يملك منزلا في هذه المباني الشاهقة  التي تطل علينا؟.

هل خشب مركبه العتيق أكثر دفئا من جدران هذه المباني؟!– لا اخفي عليكم ائنس  لرفقتهم. 

بالرغم من أنه  تزعجني ضوضاءهم ليًلا. لست ادري ماذا يفعلون؟!

أيعذب هذه السيدة؟

اسمعها تطلق أنات لا تنقطع  ثم يختتم جولته التعذيبية بآهة ألم عميقة صادرة عنه.

وددت لو كان لي القدرة على اختراق خشب هذا المركب لأعرف لماذا وكيف يعذبها؟ هل لو كان من سكان هذه المباني ذات الجدران السميكة لن يعذب سيدته على هذا النحو؟ 

لماذا اشعر  نحوها بكل هذا الاهتمام.  اعتدت مراقبة إطلالتها بكسل من باطن المركب وشعرها الأسود المجعد يغطي وجهها بعبث وعشوائية.. أراها تمد ذراعيها وتملآ كفيها بالماء وتغسل وجهها وتمرر  يديها على رقبتها .. تمنيت أن أكون إحدى هذه القطرات التي سعدت بالقرب منها.

فليكن لأراقب هؤلاء العمالقة الذين يأنسون لقربي ويهنئون لمشاهدتي..

    انتبهت عندما تناهى لمسامعها اقتراب خطوات تمر بتثاقل..

ها هو أول عابر للجسر توقف وألقى نظرة حوله جيدا ثم أخرج ورقة ما طالعها بمزيد من الأسى  وتقلصت قسمات وجهه وهو يعيدها لجيبه .. وعاود النظر إلى والى صفائي ومياهي الرقراقة ..و

ماذا يفعل هذا المجنون ..

تسلق السور الحديدي وقفز ..

اصطدم جسده الثقيل بصفح مائي وغاص لأسفل وعاد للطفو حاول التجديف بذراعيه وعاونته أكثر على الطفو  وملامح وجهه الملتاعة تحزنني تشتتني فما انفك اتركه فيهوى للقاع. 

فأعاود استجماع نفسي وإعادته للسطح بمعاونة أخوتي  حاملين جسده بصعوبة وودت لو اصرخ حتى ينتبه أحد هؤلاء العمالقة الذين لا يجيدون إلا الشرود فينقذوه.

مهلا  ها هو الصياد يقترب سابحًا. التقط الجسد من بين أيدينا وجذبه للشاطئ

تنفست الصعداء وبت أراقب هذا الصياد وهو يسعفه 

ماهرا أيها المُعذب لا تبدو إنساناً سيئاً.– لماذا تعذب سيدتك إذن؟

تابعت عن كثب ما يجري  اصطف العديد من العمالقة عل الجسر وهم يراقبون ما يحدث حاملين في أيديهم أشياء معدنية صغيرة اعتدت أن أراها  بحوزتهم. فتارة يضعونها على أذانهم ويتحدثون وتارة يلتقطون بها الصور برفقتي.

أعدت النظر إلى هذا الغريق لأجده يبصق الماء   هرولت إليه.

نهرت رفاقي لفعلتهم قائلة: مكاننا هنا  وليس داخل  أحشاء هؤلاء العملاقة.. لا تعيدوها 

استرقت السمع  لحديث الصياد مع هذا الناجي

الذي قال بيأس لماذا لم تدعني أموت

تكالبت علي الديون 

والدائنين لا يحرمون

تنهد الصياد بأسى قائلاً:الدين،، يا له من قاتل..!

صدق السابقين عندما قالوا” صبري على نفسي  ولا صبر الجزار عليا.

******

شاهد أيضاً

شباب لبنان …شباب العلم

/ابراهيم ديب أسعد شبابٌ إلى العلياءِ شدّوا وأوثقوا وطاروا بأسبابِ العلومِ وحلّقوا وقد ضمّهم لبنانُ …