لِمَ النِسّيانُ صعب

علي كعور، لبنان

  بين جُدرانٍ شاهقة، وسقفٍ متين يحجُبُ السماء، وأبوابٍ صلبةٍ تمنعُ دخولَ الهواء، أصبحنا سُجناء ونحنُ أبرياء!. لم يتبقى شيءٌ على حاله، وحّدنَا القدر، وأصبحنا في حالٍ واحِد، لم يترُك أحد.

    أهي فُرصة؟ أيجِبُ علينا إستغلالِها؟ أم علينا بذل أقصى جُهد للمحافظة على قلبنا مما نعيشُه؟. في كونٍ واسع، أصبحت مساحتهُ عبارةً عن بعضِ سنتيمترات، أمام النافذةِ، في ليلةٍ مُمطرة، سماءٌ سوداءٌ يُضيئها القمر، بدأ عرضُ شريطِ الجريمة. أبي القلق، أُمي الخائِفة، أخي اللامُبالي، البيت الّذي كان يمليه الشِجار و الضجيج، الفرح والحزن، القلق والخوف… ذهب كلَّ شيءٍ دونَ سابقِ إنذار. نظرتُ إلى القاتِلِ، وهو مُستعِدٌ بكُلِّ ما لديهِ للإكمال عليّ، لا يمنعهُ سِوى زُجاجِ النافذةِ الهش، قال لي مُبتسِمًا: أتظنُ أنّ لي ذنبٌ بِمَا حصل؟ الجميعُ يعلمُ كم أنّي خطِر، هم من أرادوا مواجهتي. وقفْتُ مُهتزًا، أُحاوِل بكلِ ما تبقى لدي من قوةٍ أن أنتقِمَ منهُ. قُلتُ لهُ متعجِبًا: ألم تسأم من قتلِ ملايينِ الأبرياء؟ ، ردّ عليّ مُستغرِبًا: أيسأمُ المرءُ من آداءِ مهنتْه؟!، رددتُ وأنا مُغتاظًا: أتظنُ أنّ نسيانِهم سهل؟، أهُم مجردِ صُورٍ مجموعةٍ في مقطعٍ لا يتخطى الثانيتين؟ ألن يمُّرْ على مُخيلَتي مرةً أُخرى؟، فقال مُستهزِءً: لِما لا تمسَحه؟، قُلتُ: إنه ليس مُشابِهًا  لحذفِ مقطعٍ من الهاتف، الأمرُ أصعبُ من ذلك.
    ثم سألتُهُ حائِرًا وأنا في حالةِ إختناق: ما المؤلم أكثر؟ الذكرياتُ السعيدة؟ أم الحزينة الّتي دمّْرَتْها؟، وفجأةً دوى البرقُ أمامَ عيناي، ضوءهُ حجبَ عني رؤية القاتل، وإذ بزُجاجِ النافذة يتطايرُ من حولي. الحاجِزُ الوحيدُ الّذي يمنعهُ عني، تدمر!، أصبحتُ عُرضةً له. آتاني والشرُ في عينيه، نسيتُ كل ما يجب عليّ فعلُه لِحِماية  نفسي منه،  لم يخطر في ذهني إلا ﷲ، لم أتذكر إلا إسمه الحفيظ، الوكيل، القويّ. قُمتُ مُسرعًا، ألتقِطُ آخِرَ أنفاسي، أُحاوِلُ جمعَ أيّ آملٍ لأنجو من ذاك الخبيثِ. 
    وبعدها، إستيقظتُ صارخًا، 
كابوسًا؟، أين الجميع؟، لِمَ لم يُسمع صُراخي؟!. 
إلى متى؟، 
متى نستفيق؟،
متى نتحمل المسؤولية ، 
متى نتوقف عن مُساعدت ذاك الخبيثُ لفتكِهٍ أجسامِ أحبائِنا؟،
لقد صدقَ!، الذنبُ ليس ذنبه! ، بل نحنُ من إختارَ المواجهة. 
ألم يحن الوقت، لنعمل بقولهِ تعالى ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) 
كورونا، اللانهاية… |

شاهد أيضاً

دراسة تكشف فوائد الوظائف المرهقة على الدماغ !

أولئك الذين عملوا في وظائف ذات متطلبات معرفية أعلى، شُخّص إصابة 27% منهم بضعف إدراكي …