من عظمة اللغة العربية

د.حسن عليّ شرارة

ورد في منشور يعمّم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ:
من عظمة اللغة العربية
أَتَى = جاء من مكان قريب
أَقْبَلَ = جاء راغبا متحمسا
حَضَرَ = جاء تلبية لدعوة
زارَ = جاء بقصد التواصل والبر
طَرَق = جاء ليلا
غَشِي = جاء صدفة دون علم
قَدِمَ = جاء من مكان بعيد
وافَى = جاء والتقى بالمقصود في الطريق
وَرَدَ = جاء بقصد التزود بالماء
وَفَدَ = جاء مع جماعة).
هذا الكلامُ غيرُ دقيقٍ البتّة!
أوّلًا ينبغي أن يعلمَ الجميعُ أن لا ترادفَ في اللّغةَ العربيّةِ، وجاءَ لا تعني أبدًا أتى، وأتى لا تعني أبدًا جاءَ، هناكَ فرقٌ كبيرٌ بين جاءَ وأتى:
وهكذا في كلِّ الأفعالِ الواردةِ في المنشورِ آنفًا..
وأنا أقولُ: بضدِّها تُعرفُ الأشياءُ:
أَتَى#إنْصَرَفَ.
جَاءَ#رَحَلَ.
حَضَرَ#غَابَ.
أَقْبَلَ#أَدْبَرَ.
وَافَى#جَافَى.
وَرَدَ#صَدَرَ.
طَرَقَ#أَفَلَ.
غَشَي#أَعْرَضَ.
وَفَدَ#ساَفَرَ.
قَدِمَ#غَادَرَ.
جاء (المجيء): المجيء بالشّيء هو إحضاره. وإحضار الشّيء يكون من خارج دائرة من جاء به لقوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} (مريم 43). فالفرق في الآية واضح بين جاء وأتى، لأنّ العلم جاء لإبراهيم من ربّه أي من خارج دائرته المعرفيّة، وهذا العلم غير موجود داخل الدّائرة المعرفيّة لأبيه.(ملاحظة: أبيه لا تعني البتّة والده!
آتى (إيتاء): إيتاء الشيء هو إعطاؤه. وإيتاء الشيء المعطى يكون من داخل دائرة المعطي، لأنّ إيتاء الشيء يتطلّب أولاً امتلاكه قبل إعطائه لقوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة} (النساء 4)، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (المزمّل 20). فقوله تعالى: {… وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ…} (الحشر 7) يعني ما أعطاكم الرسول من عطاء من عنده، أي ما صدر عنه من اجتهادات إنسانيّة متعلّقة بالتّشريع لمجتمعه.
علما أنّ فعل أتى من نفس جذر فعل آتى لكن يختلف معه في المعنى، بحيث أنّ فعل أتى من الإتيان وهو فعل مجرد يقع على الفاعل بينما فعل آتى فمن الإيتاء وهو فعل مزيد ويقع على المفعول وليس الفاعل، فآتى الإنسان شيئًا بمعنى أعطاه لغيره، بينما أتى الإنسان فمعناها حضر بنفسه كما جاء في قوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء 88-89)
﴿قَالُوۤا۟ أُوذِینَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِیَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف ١٢٩] صدق الله العليّ العظيم
قلتُ إنْ جئتني فديْتُك بالنّفسِ*وإنْ لـم تـجـئْ أمُـتْ بالجـفـاءِ
فعلى الحالتيّن قدْ ذقتُ حتفي*أنتَ إم لم تجئْ وإنْ أنتَ جائي
مع أزكى التّحايا

د.حسن عليّ شرارة