وليد جنبلاط واستقبال كبير في عاصمة الأم الحنون للموارنة

بقلم ناجي أمهز
المقدمة وأتحدث هنا عن زعيمي هما الشهيد رشيد كرامي ووليد جنبلاط
رشيد كرامي كان معادلة وطنية عروبية أصيلة، له احترامه وهيبته العالمية، والجميع يعترف أنه لولا وجود رشيد كرامي في تلك الحقبة خاصة في بداية الحرب الأهلية التي وقف بوجهها حتى استشهاده ربما منذ ذاك الزمن انتهى لبنان، أو اقله تم تكريس تقسيمه،

لكن رشيد كرامي كان سدا منيعا أمام كل الذين تحدثوا عن فكرة التقسيم، كون رشيد يدرك ويعلم أنه بحال تقسم لبنان، لن تمر سنوات قليلة حتى تعلن طرابلس ويعلن البقاع انضمامه إلى الحكومة السورية، اصلا الان ان رفعت اعلام الجمهورية العربية السورية فوق المنازل البقاعية من سيمنع مثل هذا الانضمام بظل دولة عاجزة عن تقديم اقل مقومات الحياة.

قبل إعلان سايكس بيكو وصلت الحكومة الفرنسية إلى خلاصة وقناعة تامة أنه لا يمكن تعايش طوائف بلاد الشام في دولة واحدة فتم طرح الولايات الخمس السورية (المسيحي، الشيعي، العلوي، الدرزي، السني)، ولكن الضغط الإنجليزي أنتج مخطط سايكس بيكو وحدد حدود لبنان وسوريا، وقد لحظ هذا المخطط أن يتم حرمان الشمال والبقاع من الإنماء والازدهار والتطور، من أجل بقائهما في نظام اجتماعي هش غير قابل للحياة والاستمرار والصمود، وبحال تم إعلان التقسيم فإن البقاع سيعلن انضمامه إلى سوريا كما ستعلن طرابلس لحاجتهما للطبابة والتعليم وتكريس الأمن، لذلك البقاع يعيش البطالة وغياب الازدهار وإنشاء المصانع الكبرى، وطرابلس تعيش الفقر المدقع الذي حولها إلى المدينة الأكثر فقرا على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

كما كان هناك نموذج مختلف لسايكس بيكو عندما ضم غالبية القرى الحدودية في الجنوب إلى لبنان، لبنان الكبير كان مكتوبا له أن يمتد من بانياس في الساحل السوري حتى جبل عامل على أن يبقى البقاع من ضمن الأراضي السورية، وأن يحكم لبنان الكبير أمراء طوائف الجبال (الموارنة جبل لبنان والشيعة جبل عامل، على أن يلتحق دروز لبنان بدروز سوريا وتقام دولتهم في جبل العرب، التي رفضها الأمير سلطان الأطرش وقال عبارته الشهيرة لن يكون هناك دولة لبنان الكبير بل دولة سورية الكبرى)، لكن بالختام استجابت فرنسا إلى رغبة البطريرك الماروني بالتوجه نجو جزين من اجل ان تبقى الغلبة العددية للموارنة اكبر من الروم بحال توجه نحو الساحل السوري.

ألقصد من المقدمة أنه وجد في لبنان زعامات كبيرة نجحت بالاعتراض ورفض سياسات الدول الكبرى التي سعت منذ اللحظات الأولى إلى تقسيم وتفتيت لبنان، وآخرها ليس كسينجر ولا فليب حبيب الذي طرح الولايات المتحدة اللبنانية.

بل تقسيم لبنان في فترة من الفترات وصل إلى حد تقسيم الشوارع.

واليوم بظل مطالبة بعض الموارنة بالتقسيم وتجزئة لبنان تماشيا مع الطروحات الغربية السابقة، يظهر دور وليد بيك جنبلاط بالحفاظ على لبنان الكبير، وهو يدرك بان طرح التقسيم غير واقعي، في ظل تقلص دور الموارنة السياسي إلى حده الأدنى، حيث أصبح بعض الموارنة يتباهون ويتحدثون امام الاعلام وبكل فخر واعتزاز ان الامير العربي فلان سلم على فلان، بعد أن كان الماروني يعين ويكرس ملوك الشرق الأوسط.

كما أن التصادم الماروني الشيعي له تداعيات عميقة على مستوى المنطقة، فلا يوجد عاقل شيعي أو ماروني يقبل بمثل هذا التصادم، والكبار يدركون أن كل ماروني يدعوا إلى الانفصال عن الشيعة هو جاهل، كما أن الشيعي الذي يهاجم الموارنة هو أيضا جاهل؟.

وفي النظام العالمي لا يوجد مكان للجهال بعيدا عما يعبدون ومن يتبعون.

أحد الكبار في الطائفة المسيحية قال لي إن الموارنة يناقرون الشيعة لان الماروني يدرك بان العالم يقبل بحكم الشيعة للبنان، ولكن الحقيقة أن الشيعة لا يريدون إلا حقوقهم وأقل.

عام 2000 التقيت مع أحد الدبلوماسيين اللبنانيين قال لي تصور هذه المنطقة (يقصد المنطقة العربية) على مساحتها يحكمها أو يتحكم ويسيطر عليها الفكر السلفي، ستكون نموذجا لباكستان إنما ناطقة باللغة العربية.
واليوم وبعد عقدين من الزمن وصلنا إلى ما حذر منه هذا الدبلوماسي، فالسعودية نفسها ترفض الفكر السلفي، حتى لجنة النهي عن المنكر نكرتها وقامت بإلغائها، لذلك تسعى السعودية لتقديم نموذج معاكس تماما للفكر السلفي، تشجع على الغناء والفن والرقص والتمثيل حتى سمحت ببيع الخمور، وفتح الملاهي ودور السينما، واستقدمت أكبر مشاهير الغناء والرقص في العالم للتسويق بأنها لا تريد الإسلام السلفي.

وفي غالبية دول الخليج نشاهد كيف الكثير من هذه الدول تجاوزت الخطوط الحمراء بالتعري والفن والرقص، بل حتى تجاوزت الغرب.

وجنبلاط بيك يدرك أن ما يدعو إليه بعض الموارنة ليس موجودا بذهن أحد على مستوى العالم، لذلك كان خطابه بالأمس قاسيا اتجاه فريق ماروني،
واليوم يسعى جنبلاط إلى تحييد لبنان تطبيقا للمثل القائل “بس تتحارب الدول الكبرى خبئ راسك”، وحقيقة الصراع الروسي الأمريكي لم يبدأ بعد بل كل ما يجري في أوكرانيا هو مقدمات الصراع.
وجنبلاط يعلم ويعرف أن أصحاب القرار الدولي لا يرفضون الحكم الشيعي للمنطقة، لكن أصحاب القرار العالمي يريدون معرفة ماذا يريد الشيعة من المنطقة.
جنبلاط الكبير استقبل بحفاوة كبيرة وهو يحمل طروحات شيعية قبلها ماكرون ووافق عليها حتى قبل أن يسمعها لان ماكرون يعرف أن جنبلاط يعرف.

كان بامكان الموارنة حمل ما حمله وليد جنبلاط عن الشيعة، وكان يزيد بدورهم العالمي.
وأقول للموارنة أرجو قراءة كيف استقبلت أمكم الحنون وليد بيك جنبلاط واين جلس.

شاهد أيضاً

نصف إنس نصف جن

بقلم السفير الاديب محمد ديب كل ما في الأمر أنّي مخطىءٌ في حسن ظني كلما …