لمبنى المجهول

الكاتبة ليلى الدسوقى

اذهب كعادتى كل صباح الى العمل بمنطقة المعادى استقلميكروباص من ميدان التحرير ، السائق ينادى فى الطريق معهد . معهد

هو هنا معهد للدراسة ( احدث نفسى ) ، توقف الميكروباص رجل نزل عند المعهد نظرة الى الناحية المقابلة من الشارع وجدت مبنى كبير و صالة استقبال للطوارىء و يافطة كبيرة مكتوب عليها المعهد القومى للاورام بالقصر العينى ( جامعة القاهرة )

ما هذا المبنى ؟ اول مرة آراه ماذا يحدث داخله ؟

أيام قلائل غابت صديقة لى بالعمل عن المكتب سئلت عنها ابلغونىانها محجوزة فى معهد الاورام ، و اخبرنى بعض الزملاء انهم بعد انتهاء العمل سوف يقومون بالذهاب اليها لزيارتها و الاطمئنان عليها بادرة بالموافقة على الذهاب معهم ، و بالفعل تجمعنا و ذهبنا جميعا الى المعهد بعد انتهاء العمل

قال لنا موظف الاستقبال التذكرة ب 5 ج انتم ريحين فين ؟

ردت زميلة لنا : زميلة لنا مريضة هنا

طيب بتشتكى من ايه ؟

بصعوبة فى تناول الطعام

قال لنا خلاص خلاص عرفت اطلعوا الدور الثالث قسم راس و رقبة

اتجهنا ناحية ممر طويل للذهاب الى الايسانسر ، يوجد يافطات معلقة على حائط الممر و اسهم مكتوب عليها الى وحدة الاشعاع …. الى المعمل….  الى عيادة الآلام …….   الى الكيماوى …….

وشاهدت مرضى ترقد على الأرض تتألم لا يوجد أسره فارغة لهم فى القسم المجانى و طبعا القسم الاقتصادى يحتاج الى تكاليف باهظة بالنسبة لهم

صعدنا الى الدور الثالث المبنى كله مكيف تكييف مركزى عالى جداًجميع الأبواب بالداخل  حديدية ثقيلة الفتح ، خضراء اللون رائحة الممرات و العنابر كلها ديتول اتجهنا الى آخر الكريدور أنا و الزملاء تلفت يمينا و يسارا فى ذهول الى العنابر المتراصة شاهدت مرضى بالداخل البعض منهم يرقد و البعض الاخر عندهم زيارات بعض اقاربهم يجلسون على الارض لعدم وجود كراسى

دخلنا عنبر رقم( 5 ) فى القسم المجانى راس و رقبة باب العنبرحديدى اخضر اللون مثبت عليه يافطة بها اسماء خمس اشخاص صدقة جارية على ارواحهم فلان و فلان و فلان …… تحملوا تكلفة العنبر كله من كافة المستلزمات و الاجهزة الطبية

العنبر به ستة أسره و كل سرير يفصل بينه و بين الاخر ستارة و المراتب اسفنجية مغلفة بالجلد الاسود و شاشة تليفزيون و بطانية و كوفرته لكل سرير و دولاب صغير               ( كومودينوا ) ليوضع به المريض مستلزماته الشخصية و الادوية الخاصة به و جهاز التنفس ( النيوبلايزر ) لو الحالة تشعر بصعوبة فى التنفس و لا يوجد ساعة حائط فى العنبر لمعرفة الوقت و لا مرآه ايضا

و جدناها نائمة ايقظناها مدام عفاف . مدام عفاف ، الف سلامة عليكى

اهلا اهلا الحمد لله على كل شىء

عمله ايه النهارده

ردت مريضة بجوارها دى كانت تعبانة اوى امبارح و عندها مغص شديد و طول اليوم نايمه و عندها برد كمان اصل هنا التكييف عالى علشان جروح المرضى بعد العمليات متعفنش

الف سلامة عليكى الدكتور جالك كشف عليكى

ايوه و قال السكر عالى شويه و اعطانى حقنة انسولين و قاس الضغط و مشى ، و انا انتظر عمل اشعة بالصبغة على الحلق اصل شاكين بوجود ورم بالبلعوم و الحنجرة و الغدة و كله ده لازم له استأصال

ليه كده طيب و هتتكلمى ازاى

بالاشارة لحد لما يركبوا لى حنجرة بلاستيك و صفارة

ازيك يا حاجة زكية عامله ايه دلوقتى ( قالت مدام عفاف للمريضة المقابلة لها )

الحمد لله ( تنظر الينا مدام عفاف قائلة )

الحاجة زكية من السويس دخلت تعمل عملية و رم بغضاريف الانف و استأصلوا لها الانف و قالوا لها هنركب لكى انف بلاستيكى بس محدش عمل حاجة لحد دلوقتى اصل بيقولوا قطع الغيار البلاستيكية غير متوفرة و زوجها ينام على الرصيف امام المعهد لحد ميعاد الزيارة ليدخل يطمئن عليها علشان لا يملك أجرة حجرة فى فندق

و ام عمر من الوراق دخلت ايضا لعمل عملية بسقف الحلق به ورم هيخلعوا الاسنان العلوية كلها و يركبوا سقف بلاستيكى جديد و طقم اسنان صناعى بس لسه مشكلة قطع الغيار الصناعية ايضا غير متوفرة اظاهر كده هيتضحكوا علينا و مش هيركبوا لنا حاجة هيستأصلوا و خلاص علشان الطلبة تتعلم  فينا

و ام محمد ابنها عنده سرطان جلدى بالوجه هيشيلوا جلد الوجه كله و يغطوه بضمادات لحد ما الانسجة تبنى جلد جديد مرة اخرى و كلنا منتظرين حضور لجنة من الاطباء تاتى كل يوم ثلاثاء صباحا قبل مواعيد الزيارة اى قبل الساعة الثانية ظهرا لتحدد لكل مريض بالعنبر ميعاد العملية او تطمئن على نجاح العملية لو كان عملها .

شعرت بحزن شديد و كآبة و قلت الحمد لله على نعمة الصحة يكفى اننا نأكل و نشرب بسهولة و نتنفس بسهولة و نضحك بدون معاناة

سمعنا صوت عالى بالعنبر رقم ( 7 ) واحدة تصرخ أمى مش عارفة تتنفس

الجميع بالعنبر بصوت عالى يا حاجة زينب .. يا حاجة زينب أرفع رقبتها و نبى علشان تعرف تتنفس بالشق الحنجرى أصل هى دخلت الطوارىء بالليل و قالوا عملية فوراً لانها لا تعرف تتنفس اصل السرطان بتاعها من نوع الشرس و طلعوها تانى يوم للعنبر ده حتى مدخلتش العناية المركزة و قالوا لنا تروح آخر النهار اصل دخلتالمعهد طوارىء ملهاش مكان هنا

جاء التمرجى و معه الدكتور ابعدوا شويه هاتوا الترولى هنروح العناية المركزة فورا

اخذ التمرجى بنت الحاجة زينب على جانب قائلاً لها بصوت منخفض :

لو سمحتى يا بنتى بلاش الصوت العالى علشان المرضى لا تشعربالخوف هما اصلا منتظرين الموت فى اى لحظة و عارفين ان مفيش فايدة و الداخل هنا مش خارج لان المعهد ده بتاع الحالات الميئوس منها انا جبت لك من الاخر

هناك فى الدنيا بعض البشر لا نعرف عنهم شىء و لا عن معاناتهم مع المرض عالم غامض محظور منتظرين الموت فى كل لحظة هم عارفين انهم سيفارقون الحياة و اقاربهم ايضا بس الامل موجود عندهم جميعا مرضى و اقارب رحمة ربنا بالشفاء مازالت تنبض بداخل كل شخص فيهم

رحمتك يا رب نحن اضعف من اى مرضى و لا نستطيع تحمل الألم أو آلام من نحب يا رب هون

و سلمنا كلنا على مدام عفاف و مشينا صامتين ، ماذا نقول الكلام وقف فى الحلق كالعلقم و كأن على رؤوسنا الطير  و نفسيتى تعبت من المكان و المنظر ، رجعت البيت اغلقت على نفسى الحجرة و انهمرت بالبكاء و لم اتناول الطعام و الشراب حتى الصباح.

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …