« أبو الجماجم».. على درب «الكمال» سائرون..

أخطاء الماضي لن تعود..


لا يختلف إثنان على أن الحرب الأهلية في لبنان أحدثت دمارا شاملا في الحجر والبشر لأكثر من 30 عاما، أمهات أتشحت بالسواد، قدمت أبنائها قرابين على مذابح هذا الوطن، آباء كسرت وهي تقاتل دفاعا عن أحلامها وأملاكها وأعراضها، عائلات هجّرت، شباب تاهت خطاها ما بين المدافع والذخيرة والمقابر، كل ذلك من أجل ماذا..؟! فتنة.. فساد.. خلل سياسي.. قضية بيعت.. و.. و.. و.. ماذا بعد؟!
مقابلتي اليوم تختلف تماما عن كل ما كتبته منذ بدأت العمل الصحافي، حيث التقيت كثيرا من الوزراء والنواب الذين كان لهم يدا خفية في حرب لبنان في السبعينات، لكنني لم أتجرأ يوما على طرح أي سؤال عليهم يخص تلك الحقبة، ليس خوفا وإنما لم يكن الوقت مناسبا للبحث عن المسببات.
لقائي اليوم « بأبو الجماجم»، فتح شهيتي على الحديث عن اتساع دائرة الفساد في لبنان وتفاقم الأزمات التي تتخبط فيها البلاد، من سوء إدارة وخلل سياسي ومحاصصات طائفية وهدر وسرقة ومحسوببات بعيدا عن الحسابات الوطنية وعن العدل والتوازن أو أي معالجة وإصلاح وتغيير..


الحزب التقدمي الإشتراكي حزب التعايش المشترك..


« أبو الجماجم»، هذا المقاتل الذي خسر في الحرب الأهلية رفقاء دربه ومقاتلين أقوياء حسب تشخيصه، بقي صامدا بالرغم من كل شيئ دون أن يستغل غنائم الحرب، حيث عمل جاهدا بكده وتعبه بعد إنتهاء الحرب الأهلية وسافر إلى السعودية ليعود ويعمل في الزراعة ليحيي أرضه ووطنه من جديد.
إقترض المال من أحد البنوك ليفتتح مطعمه الخاص في عاليه من أجل إعالة عائلته.
مقاتل بنى نفسه بنفسه دون الرجوع إلى حزبه أو الإتكاء عليه، بالرغم من أنه مازال باقيا على إنتمائه للحزب التقدمي الإشتراكي عاملا بفكر معلمه «كمال بيك جنبلاط» يدا بيد مع «وليده»، لكن الأهم هو أنه باق على إنتمائه الوطني ممتثلا للبنانه ومؤسساته، مؤمنا بشعبه الواعي الذي لا بد له من أن ينتفض في القريب العاجل على كل الفساد الحاصل..
إلتقيناه مناسبة الذكرى ال 72 لتأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي وهذا أبرز ما جاء فى الحوار..


*منذ 72 عاما في الأول من أيار تم تأسيمس الحزب التقدمي الإشتراكي، ماذا بعني هذا التاريخ ل « أبو الجماجم»؟


وثيقة الحزب التقدمي الإشتراكي بنيت على الوحدة والإشتراكية والتفاهم الوطني، لذا هذا التاريخ يعني الكثير لأهل الجبل الذين عايشوا وخالطوا أبناء هذا الوطن بمذاهبه وطوائفه كافة..

*لكن الحزب التقدمي الإشتراكي شارك في الحرب الأهلية في السبعينات وحمل السلاح ضد أبناء بلده؟


نعم للأسف هذا ما حصل، لكن لكل مرحلة ظروفها، فعندما حمل عناصر الحزب التقدمي الإشتراكي السلاح في تلك الحقبة، كان ذلك دفاعا عن النفس والعرض، ولا يخفى على أحد بأن ما حصل كان بأمر خارجي يهدف إلى شرذمة الوحدة الوطنية التي كانت موجودة بين أبناء هذا الوطن، فأغتيل حينها بأبنائه جميعا بكافة طوائفه ومذاهبه، لكن سياسة الحزب التقدمي الإشتراكي كانت دائما تدعو بفكر معلمها الشهيد الراحل « كمال بيك جنبلاط» إلى المحبة والسلام والأمن والأمان وأن يبقى الخيار الأول والأخير الإمتثال لمؤسسات الدولة فقط لا غير.


*«أبو الجماجم»، ماذا غيرت بك الحرب وما هي الأمور التي تتمنى لو عاد بك الزمن إلى تلك الحقبة كي تتجنبها، أو لا تقوم بها؟


سوف أجيب من نهاية السؤال، حيث أتمنى بأنه لو عاد بي الزمن إلى الخلف لما كنت شاركت في الإقتتال ضد أبناء بلدي، لكن كما ذكرت آنفا بأنه في تلك المرحلة كنا مجبرين على حمل السلاح والدفاع عن أنفسنا، أما فيما يخص القسم الأول من السؤال أقول لك بأن الحرب لم تغير ما كان بداخلي ولا يزال موجودا حتى اليوم، أن لبنان وطناً للجميع هو الحب والخير، كان ولا يزال موجودا حتى اليوم ولا يحق لأحد إلغاء الآخر، لذا أتمنى على سياسيي لبنان بأن يعوا هذا الأمر جيدا ويتركوا الشعب يعيش السلام والأمن والأمان ويكفوا عن توزيع المحاصصات وتقسيم هذا البلد ضاربين بعرض الحائط حاجيات المواطن الملحة.

*جميعنا يعلم بأنه للحرب حسابات خاصة وفيها الربح والخسارة، « أبو الجماجم»، ماذا ربح من الحرب وماذا خسر؟


هذه الحرب لم تربحني شيئا، بل على العكس لقد خسرت رفقاء في النضال والواجب، كما جميع من شاركوا في الحرب الأهلية حينها، بالإضافة إلى أننا خسرنا معلما عادلا كان يدعوا دائما إلى الإخاء والحرية والعدالة، كان دائما إلى جانب القضية الفلسطينية مدافعا عنها ومؤازرا لها، كان « الكمال» الداعم للتوافق الوطني والإنسجام الشامل بين أبناء هذا الوطن مشددا على القانون والشرعة الطبيعية التي هي من حقوقهم جميعا، لذا سرنا معه على هذا النحو، وللأسف أغتيل عام 1977 بسبب مبادئه هذه، لكننا على دربه سائرون يدا بيد مع «الوليد» الذي لم تتغير مبادئه وقوانينه ليورثها إلى نجليه تيمور بيك وأصلان بيك.

*بالمفهوم العام كل من شارك في الحرب الأهلية وقاتل وجرح وقتل وهنا أقصد بسؤالي كل من نفذوا أوامر المسؤول الأعلى وقع عليهم ظلما كبيرا ولم ينالوا تقدير بعض القيادات ومن قطف ثمرة هذه الحرب هم هؤلاء القيادات نفسهم، وحينها كنت معرضا وبأي لحظة لأن تكون شهيدا وبالرغم من ذلك قاتلت، اليوم وبعد أكثر من 40 عاما على إنضمامك لصفوف الحزب التقدمي الإشتراكي، هل وجدت تقديرا لتضحياتك؟


للأسف لم أحصل على ذلك طوال السنوات الماضية التي خلت، لكن ومنذ فترة وجيزة أقيم لي تكريما حزبيا على صعيد وكالة داخلية الغرب وفرع مجدليا وبشخص زاهي الغصيني ومدير فرع بلدتي وطبعا الشكر الكبير لتيمور بيك وأصلان بيك، لكن وبشكل عام هناك عناصر حزبية ظلمت كما ظلمت أنا، لأن تاريخ هذه العناصر ليس مدونا في أرشيف الحزب ويعود السبب لبعض القيادات التي كانت حينها ولم تظهر تضحيات هؤلاء العناصر للقيادات العليا ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد بيك جنبلاط وقتها، لأنه في تلك الحقبة كانت الأمور متفلتة بسبب الحرب، إنما اليوم أعتقد بل أنا متأكد بأن وليد بيك وتيمور بيك أصبحا على علم بكل التفاصيل ليأخذ كل ذي حق حقه.


*هل ستعود لحمل السلاح لو عادت الحرب الأهلية لا سمح الله، وهل تشجع الشباب على حمل البندقية؟


طبعا لا، هذا الأمر لن يعود بالنسبة لي ولا أشجع على هذا الأمر، لانني أرى بأن الكلمة سلاحها أقوى وبإمكانها تغيير عالم بأكمله، إنما الرصاصة لإنهاء حياة فقط، ونحن لا يحق لنا قتل روح إلا دفاعا عن أنفسنا في حال اضطررنا لذلك وأجبرنا عليه دفاعا عن لبنان فقط في مواجهة العدو الصهيوني وليس الإقتتال فيما بيننا، وأعتقد بأن هناك الكثير من الناس في لبنان أصبحوا يعرفون خفايا اللعبة جيدا ولن ينجروا نحو الفتنة مجددا لدرجة أنني أرى بأن هناك الكثير من الأشياء التي ستتغير على صناديق الإقتراع..

*«أبو الجماجم» وما يملك من خبرة الصعاب التي مرت عليه، هل نسي تلك الحقبة أم يفضل عدم نسيانها ليتعلم من أخطائها؟


لا يمكن لتلك المرحلة بأن تنسى، فما حفر في القلب والذاكرة لا ينسى إلا عند الرحيل من هذه الدنيا، طبعا أخطاء الماضي لن تعود مرة أخرى، لأن إرشادات الرئيسين وليد بيك وتيمور بيك لعناصر الحزب وأهل الجبل عموما هو العيش المشترك وتفادي أي تصادم مع أحد، فالوحدة الوطنية قبل كل شيئ ولبنان أولا وأخيرا.


*«أبو الجماجم»، هذا الإسم الذي يعرفك فيه الناس أثناء الحرب الأهلية، من هو اليوم بإسمه الحقيقي؟


سلمان مطر « أبو كفاح» أعيش حياة عادية جدا، أمتلك مطعما في عاليه، أزرع كل شيء في أرضي والمشتل من خضار وفواكه، أب لشابين في الجيش اللبناني، لأنني أمتثل للدولة ومؤسساتها كما نادى بها المعلم كمال بيك جنبلاط وساروا على خطاه وليد بيك وتيمور بيك، كما أنني أب لست فتيات وقد زوجتهم والحمدالله واليوم في العام 2021 أنا جد ّ ل 22 حفيدا.

رانية الأحمدية

شاهد أيضاً

شباب لبنان …شباب العلم

/ابراهيم ديب أسعد شبابٌ إلى العلياءِ شدّوا وأوثقوا وطاروا بأسبابِ العلومِ وحلّقوا وقد ضمّهم لبنانُ …