السهرة… المجنونة

منيرة أحمد نفحات القلم- سوريا

اضطرت للسهر حتى الثالثة صباحا لتنجز بعض المهام
أنهت القسم الأكبر منها
اغرتها الحالة وهي التي اعتادت النوم باكرا تحاول جاهدة تطبيق القواعد الصحية في النوم باكرا
حركة وضجيج في الأمعاء يشبه صوت موسيقى الدبكة في ساعات الصباح الأولى
اسكتت ذلك الصخب الوافد إليها ببعض لقيمات باقية من وجبة الغداء
اتجهت الى الشرفة وكأنها للمرة الأولى تجلس مع سيجارتها ورفيقهما فنجان القهوة
ازداد إغراء الحالة
ما أجمل السكون قالت لنفسها
تلحفت لكن لسعات البرد كانت الذم وجهها. ودموع متكاسلة تنهمر من عينيها وكأنه اعتراض على تلك المغامرة المجنونة في ليل كانون
يا دبة هكذا قال لها صوتها الداخلي في كانون تخبى بلينك يا مجنون
نسيت الأمر حين اتجه بصرها عاليا والقمر يتربع مختالا وسط السماء
يا إلهي
الكاميرا هي رفيقة تلك اللحظات ستكون صورة رائعة لحالة مجنونة
السكون يخيم حولها
قررت توثيق ذلك
وهي تتخيل كم ستكون سعيدة وهي تروي لصديقاتها قصتها من الشرفة والقمر والقهوة والسيجارة

كم تمنت ان يراها آخرون ويكتبون عنها بل يسالونها عن سبب سهرها
ربما سيقول البعض هي عاشقة تغب الليالي بانتظار الحبيب أو تعيش مشكلة عاطفية منعتها من النوم
أو ترتب موعدا
إي جنون ان ترافق ليل كانون البارد
هل يعقل أنها مجرد حالة إعجاب بنفسها ومديح لها إذ استطاعت مقاومة النعاس
ستدفعين الثمن قالت لنفسها تقضين نهارك تحاولين لملمة نفسك وإكمال مهامك الوظيفية وتعالجين الأم المفاصل بعد أن ابتعلت كل هذا البرد الذي بدأ معركته في جسدك الضعيف
لابأس هي حالة تأتيني ربما كل سنة مرة وقفة اتضامن فيها مع المجانين

نسيت الأمر عادت ترقب الشارع وقد بدأت تدب فيه حركة بعض السيارات
كادت تكمل جنونها وتنطلق إلى مكان عملها
أمر مغر جدا ستصل تشرب الشاي
ترتب أوراقها
ريثما يصل الآخرون
لكن كيف ستدخل وماذا سيقول عنها الحراس
طبعا إما مجنونة أو أتت تدبر أمرا غير محمود
وتخيلت موقفها وهي تجيب على أسئلة مديرها عن سبب قدومها بهذا الوقت
قهقهت دون صوت كي لا توقظ الآخرين حين تذكرت حالة زميلاتها في المدرسة وجلسة التحقيق معها
يومها ارتدت ملابسها وجهده نفسها وكأنها تنطلق حالا وجلست في سريرها تريد أن تنهي الرواية لتعيدها في الموعد المتفق عليه بقي لتنهيها عشر صفحات فقط لم تعد تميز الحروف أغلقت الرواية ولفت لنصف ساعة وإذ والدتها توقظها ألن تذهبي للدوام
لقد صارت الساعة السابعة والنصف صباحا
نهضت كالمجنونة دون أن تغسل وجهها وضعت قدميها في الحذاء تناولت حقيبتها والرواية ومسرعة فهي اعتادت أن تصل قبل الموعد
دخلت الصف اعتذرت من طلابها. بدأت بالتسميع والشرح للدرس الجديد
قرع الجرس
في غرفة المعلمات كلهن بانتظارها
أو ما بك كان السؤال جماعيا والنظرات كذلك
يبدو أنك لم تنامي
نعم نعم
خيرا ان شاء الله ما السبب
نعرفك بتنامي قبل الجيجات
صحيح
وكي تزيد في التشويق أجابت وسط دهشتهن
كنت في سهرة مع أحدهم
اوووووو
حلو. من هو
ماذا يعمل
ألف مبارك
إنها مفاجئة
تستحقين والله
ومتى الفرحة الكبرى
بقيت صامتة تنظر إليهن وابتسامة باردة ترافق صمتها
ما اسمه لم تخبرينا سألت إحداهن
وهنا أخرجت الرواية قائلة هذا هو من سهرت معه ولاجله
توقعت بغباء أن تلتقطه إحداهن
إن تطلب مني اعارتها إياه عن ما يحتويه
ملخص سريع عن مضمونه
ابدأ
وكانهن رتبن للكلام منذ ساعات
بصوت واحد رشقنها بكلمة
مجنونة فعلا أنت مجنونة
مع بعض توابل الكلام
أجابت قلت لكم مجنونة
ومعجبة جدا بجنوني
انتهت الفرصة دخلت قاعة الصف وهي سعيدة بجنونها الذي جعلها مميزة
يا إلهي سرد طويل بدت ملامح الفجر تبهج روحي
إحساس رائع
نظرت إلى جهاز الهاتف المحمول الذي توثق عليه تلك الحالة الجنونية الجميلة
وقالت حسنا لقد أطلت
يكفي
ثوان قليلة ويغمض الهاتف عينيه انتهى الشحن
وسيتركني أكمل صباحي وحيدة
إلا من ربما لاعيد شحن مخيلتي بصور فريدة
ارتبها حين ترتب ساعة جنوني موعدا آخر

شاهد أيضاً

إمرأةٌ طاعِنة في ٱلشّعر.

مي الحلّاني مُفعَمة بالتّفاصيل، تأسرُني ألكلمة وحركة اليدّ، نبرة ألصّوْت، لمعة ٱلعيْن، ٱلإبتسامة، ٱلدّمعة ومعالم …