غزة ستغسل قلب البشرية.. كما فعل دم المسيح ودم الحسين .. ويل للأمم

بقلم نارام سرجون

صرت أخشى أن أكتب .. لأن لا جديد فيما نكتب .. وفي الحقيقة فقد انتهى الكلام الذي يجب ان يقال .. واذا أردت ان تقتل الكلام فما عليك الا ان تعيده وتكرره حتى يمل نفسه حتى لو كان عظيما ومقدسا .. ويصبح مثل لحن عظيم مقدس تمل من تكراره وتنهك أعصابك وهي تعيد الاصغاء وانت تعرف كل حركة فيه .. فالكلام مثل الماء اذا لم يتجدد يصبح بطعم كريه .. وعندما يعاد الكلام في نفس المقال كأنها قتل للكلام ..
لذلك لم يعد هناك من جدوى في ان نقول بأن غزة كشفت ان العالم اليوم لايزال في مرحلة رجل الكهف .. وان العالم كله لايزال بدائيا .. وان كل الحضارة وكل الديانات لم تهذب هذا الكائن الذي يسمى انسانا .. واننا في أعماقنا قرود وذئاب حتى لو كنا نملك الذرات والكوانتوم ونسافر الى المريخ ونخترع النظريات طالما اننا نتصرف كالحيوانات كما يتصرف الغرب وكأنه لم يخرج بعد من كهف الانسان القديم .. بل يبدو ان الانسان القديم الذي كان يقتل بالهراوات كان أرقى من هذا الغرب الذي صارت هراواته ذرية ..
ان الأوان لأن تعيد الامة النظر في بعض المسلمات والمقولات في ظل حرب غزة .. فحرب غزة ليست حرب الشيعة والسنة
وليست حرب القوميين والاسلاميين .. وليست حرب ايران على العرب .. وليست حرب الاسلام على المسيحية او حرب المسيحية على الاسلام .. وليست حرب الحريات الديمقراطية والديكتاتوريات .. بل هي عكس كل ذلك ؟؟ هي حرب الغرب على العرب .. وحرب الغرب على الاسلام وحرب الغرب على المسيحية المشرقية .. وحرب الاغنياء على الفقراء وحرب المتوحشين البدائيين على الاحرار الذين نشؤوا على الفطرة وولدتهم أمهاتهم أحرارا .. وحرب الاعراق على الأعراق .. وحرب العنصرية على الاحرار .. وحرب الشذوذ في المبادئ والقيم على المبادئ والقيم .. وحرب الآلة على اللحم البشري .. وحرب الروبوت على الانسان .. وحرب القوانين الوضعية على القوانين الطبيعية ..
أنا اليوم لا أنتظر من الغوغاء والدهماء والضعفاء في الامة ان يبدؤوا المراجعات عما اقترفت أيديهم وما فعلوه في فترة الربيع العربي وما قبل الربيع العربي ولا اتوقع ممن ارتكب فجور التواطؤ على وطنه ان يعترف انه سرق أمه وأباه .. ولكني ابحث في الزحام عن الاقلام .. وعن الكتب وعن النخب التي يجب ان تحاكم يجب ان تستقيل لأنها فشلت في ان تعصم الامة من هذا الذي يجري في غزة …
فما حدث في غزة امر شنيع تسببت به نخب العرب جميعا التي بقيت تحقننا عقودا بعقدة النقص تجاه الديمقراطية والحرية والحضارة الغربية التي لا تقبل ان تتخلى عن حق الانسان الذي هو غايتها وثمرتها .. فقررت الدهماء ان تحطم الشرق من أجل ان تنسخ الحلم الذهبي وتبني الالدورادو الديمقراطية .. فسقوط العراق وليبيا واليمن وسورية … كانه هذه الفوضى بسبب نخبنا التي أضعفت مناعتنا تجاه الامراض والدعايات .. حتى مصر كانت لحقت انور السادات لأن كامب ديفيد هي حلم مثقفين مصريين كانوا يريدون علاقة مع الغرب مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهما .. كي نصبح مجتمعا صديقا للبيئة الحضارية الغربية بدل الصراع معها .. وتبعهم في هذا الميل مثقفون لبنانيون وعراقيون وسوريون .. كل في زمن مختلف .. وكل كان يريد نسخة كامب ديفيد وتطبيعا مع الغرب .. كان جميع هؤلاء مبهورين بالغرب والثقافات الغربية ويتحدثون عن السوبرمان الاوروبي الذي يفكر في البيئة وحق الذباب في الحياة والاسماك في ماء نظيف .. ويركب الدراجات الهوائية ويسن القوانين البيئية كي لا يزعج الطبيعة بالضجيج ولا يلوث أنف الارض برائحة عوادم السيارات .. وكانوا يعيبون علينا أننا لا نفكر مثلهم بالانسان كقيمة عليا .. وبالحرية .. وبالضمير .. والبيئة .. وبشجاعة حرية الرأي … ولكن بعد عدة حروب كبيرة شهدناها منذ عاصفة الصحراء الى حرب غزة .. تبين ان الانسان الغربي أضعف من الشرقي .. فهو عاجز عن تغيير أي شيء او ايقاف اي حرب .. تمر به السياسات ولايقدر الا ان ينبح عليها .. فالقافلة السياسية العنصرية والعنيفة تسير وكل الجماهير كلاب تنبح .. ولم يوقف صياح الجماهير اي قافلة عسكرية ولم يوقف شحنة قنابل ولم ينقذ طفلا .. منذ مظاهرات اوروبة صد حصار العراق وضرب العراق الى ضرب ليبيا وسورية واليمن .. لم تفعل جماهير اوروبة شيئا وبقيت قوافل اللموت والدمار والبشاعة مستمرة ..
أنا أبحث عن أولئك الذين كانوا يسمون أنفسهم بالنخب العربية .. ويستخفون بما لدينا من انتقادات للغرب .. وكانوا يضحكون عندما كنا نقول ان ديمقراطية الغرب لعبة للاثرياء لان الاعلام هو من يقولب الحريات .. وأن لا حاجة لنا بها لانها خدعة .. كان من الصعب ان تدخل أي نقاش مع اي من المنومين مغناطيسا وخاصة ممن يعتبرون انفسهم نخبويين يقرؤون العقد الاجتماعي لروسو ويقرؤون فولتير .. ويتسلحون بأقوال برتراند راسل .. وصاروا يقلدون كل شيء في الغرب دون تفكير .. أين هم الأن ؟ هل يمكنهم ان يفسروا لنا هذا العنف المجنون الغربي في انكار حق الأطفال في الحياة .. وهذه النشوة في القتل واللامبالاة بالدم ؟؟
واذا ما تركت النخب .. ويممت وجهي شطر المؤمنين .. أعرف انني لن أجد أحدا من الاسلاميين الذين نبشوا الصحابة من قبورهم وجاؤوا بهم ليقتلونا لأن الاسلام هو الحل .. وكانوا يؤجرون سيف خالد بن الوليد للناتو كي يعيد لنا زمن ابن الوليد على يد من قاتلهم ابن الوليد في اليرموك .. وكانوا يعطون درة عمر للأتراك .. ويبيعون غضب النبي في معلبات الفتوى .. ولما جاء الربيع العربي انخرطوا جميعا في حملة الجنون دون تفكير .. وهرولوا الى التطبيع مع فكرة الاستغناء عن الوطن والاستقلال وتسليم الوطن بالمفتاح للناتو بعد تخريبه لأن صندوق الاقتراع اهم من الوطن وأهم من الاستقلال .. ورفع الأذان من القصور أهم من رفع الأمم .. سأبحث عنهم كي أشنع عليهم وأحتقرهم وأحتقر لحاهم وألقي بصلواتهم في البحر لتأكلها الأسماك ..
اليوم ابحث عنهم جميعا وألتفت اليهم .. عجبا أين اختفوا؟؟ .. اين الذين كانوا يكتبون لنا كل تلك المعلقات والاطروحات .. وأين الذين كانوا يقولون لنا الاسلام هو الحل ؟؟ اين هو كل هذا الاسلام؟ ولم لم يحل مشكلة غزة ؟ ولم يحل وجع طفل جائع في غزة .. لماذا يتكئ هذا الاسلام على الارائك في تركيا وقطر ويسترخي بسلاحه في ليبيا وادلب .. حتى ان من يرى الجولاني وقد خلع ثياب الجهاد وصار أنيقا مهذبا ويرتدي الثياب النظيفة في عز أزمة حرب غزة يستغرب ان كان الاسلام دينا او سلعة أو دار أزياء .. مرة يرتدي أزياء الحرب والجهاد ومرة يختار ان يكون مع فيرزاتشي ومعارض الاناقة والديبلوماسية الانيقة ..
تعبت عنقي وهي تتلفت يمينا عن الاسلام ويسارا عن النخب بحثا عنهم .. وزاغ بصري في الافق .. حتى أن أذني سمعت حديث النمل كما فعل سليمان ولكن لم أسمع أيا منهم … ولكن فعلا أين هم؟؟
أنا صراحة صرت استحي من توجيه الاسئلة التي تعفنت وهي ترى الاجوبة .. مثل الظمآن الذي يرى كأس الماء في يديه ولا يشرب .. وصرت أرى انه من سوء الادب ان نعيد توجيه الاسئلة التي صارت مكررة لدرجة الغثيان من مثل: أين العرب واين المسلمون وأين الشعوب .. وأين النخب .. وأين .. وأين .. ألا تستحق غزة من قطر مليارا واحدا من 137 مليار دولار مما أعطي لثوار سورية؟؟ ألا تستحق غزة من أردوغان ان يغضب مثل غضب اليمنيين ويمنع اسرائيل من الحصول على الخضار والوقود الذي يتدفق بسخاء من تركيا الى حيفا حتى ان الميزان التجاري التركي تحسن من كثرة التبادلات مع اسرائيل في الأشهر الثلاثة الاخيرة .. ألا تستحق غزة انتحاريا واحدا من انتحاريي الجولاني يتبرع بجسده لغزة بعد كان الانتحاريون يتوافدون الى شوارع بغداد ودمشق بأعداد تفوق أسراب سمك السردين؟ .. وكانوا يجولون في كل الشوارع ويقفون على أبواب المدارس ولم يتركوا حتى باصات الحضانة الا ونسفوها بأجسادهم في سورية؟؟ ..
الغريب والفظيع والمفجع والقبيح والحقير والدنيء ان بعض الثورجيين السوريين الذين لطالما كتبوا عن الثورات والحرية رأى في غزة فرصة للتعاقد مع الاسرائيليين والامريكيين من أجل مقايضة غزة في صفقة حقيرة .. اي خذوا غزة وسنسكت ولكن اعطونا مقابلها حكم سورية ووجهوا ضربة للجيش السوري وحزب الله ضمن سياق الحرب على غزة .. اي اضربوا الجميع في سلة واحدة واخفقوهم خفقا بالقنابل .. في غزة وسورية وحزب الله .. وبالتالي انتم تتخلصون من غزة ونحن نتخلص من سورية وحزب الله .. وبدأت ترجمة ذلك في تحريك ثورجيي سورية في الجنوب والشمال حيث اردوغان ينصر غزة باشغال الجيش السوري في ادلب وشمال حلب بدلا ان يرسل المقاتلين الذين قاتلوا في ليبيا وناكورني كاراباخ الى غزة او عرض ان يرسلهم الى اي جبهة تساند غزة ..
السؤال الذي يجب ان يوجهه اليوم كل المثقفين النخبويين الذين قادوا الثورة السورية بأقلامهم ومن محطات الفضاء في العالم الحر وأتباع العالم الحر .. جاء بهم تيار الفيضان الامريكي وقذف بهم في حياتنا مثل العلب البلاستيكية والعبوات الفارغة التي تطفو في الأنهار .. كلهم سكتوا لأن من الممنوع ان يمارسوا هذا النشاط التحرري لمصلحة الحرية في غزة .. ويمنع عليهم منعا باتا ان ينظموا وقفات واعتصامات وخطابات .. لأن دورهم انتهى ويتوقف هنا .. وهم من صناعة الاعلام ولم يكونوا يوما ابطالا ولا منظرين ولا أصحاب نظريات في التاريخ .. ولكن انتهى كل هذا الاعداد وهم مجرد عبوات فارغة حملها التيار .. واليوم جرفها تيار آخر وألقى بها في الأبعاد البعيدة حيث اللانهاية ..
اذا لم تحرك غزة هذا المستنقع الآسن .. ولم تكنس الربيع العربي وشعارات وشخصياته .. ولم تسقط الوهم الذي يعيشه المشرقي عن التفوق الغربي في الأخلاق والحريات .. فان دم أهل غزة سيضيع هدرا .. فليست مهمة هذا الدم السخي ان تهزم اسرائيل فقط .. فللدماء مهمة لا تقل عن مهمات الرسل .. بل ان الدماء هي التي تحمل كلام الرسل .. فدم السيد المسيح هو الذي حمل رسالته وكنس الاوهام وتجار المعبد .. ودم الحسين هو الذي أتم رسالة جده وأكمل دينه .. فاكتملت به .. فالدماء لا تغير التاريخ الا عندما تغير العقائد والقناعات وتغسل الاوهام وتكشف المستور وتبقى مثل النجوم الابدية تضي الى نهاية الزمان .. وتغير وجه الامم ..
دم غزة هو القاضي .. وهو رسول يوم القيامة .. ويوم الحساب .. ويجب على كل من يحترم رسالة الدم السخي ان يقول ان دم غزة يجب ان يحرك فينا دمنا الراكد .. المتجمد في العروق ..ويخرج منها ذنوبنا .. ذنوبنا هي في نخبة تافهة تباع وتشرى .. فالويل ليس لأمة تأكل مما لا تزرع و تشرب مما لا تعصر وتلبس مما لا تنسج .. بل الويل لأمة لا تصنع أفكارها ولا تعصر ايمانها .. ولا تنسج قيمها .. بل تستورد الافكار والقيم وتستهلكها .. وهذه هي غزة هي نتيجة ما ارتكبت ايدينا وأقلامنا … طوال عقود ..

شاهد أيضاً

وبدأت مرحلة العمل المخلص والإمتحان الصعب ..

__كتب /سعيد فارس السعيد : ٦/ ٥/ ٢٠٢٤ _ منذ أن بدأت التحضيرات للإنتحابات الحزبية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *