محمد فوزي.. من الموالد والأفراح إلى التربع على عرش السينما الغنائية (٢/٢)

زياد سامي عيتاني*

•مزج النغمات الشرقية بالغربية:


برع محمد فوزي في تنوع ألحانه، حيث كان موهوباً في وضع لحن مميز لأي كلمات تسند إليه لتلحينها، لدرجة أن خبراء الموسيقا قالوا: “إنه يستطيع أن يلحن أي كلمات حتى فاتورة البقال”! الأمر الذي جعل ألحانه تتميز بالخفة والحفاظ على رونقها وشبابها حتى يومنا هذا.
أما كونه فناناً يفكر “خارج الصندوق”، فقد قرر أن يحقق نقلة جديدة في الموسيقى المصرية من خلال المزج بين نغمات مصرية أصيلة بغيرها من الأجنبية، فتجده يلحن أغنية ويغنيها معتمداً على كورال دون الحاجة لآلات موسيقية، وهي “كلمني طمني”.
كما يقدم فكراً جديداً غير مألوف، من خلال تقديم أغنية قصيرة يصاحبها “كورال” إسمها «يا نور جديد فى يوم سعيد».
وبعد فترة من الزمن قدم فوزي أغنية رائعة من تأليف أبو نواس كتبها وهو يطوف بالكعبة إسمها «إلهنا ما أعدلك». وفى تلك الأثناء فكر فوزي في عمل “أوبريتات” مسرحية، وقد كان يعتبرها من أهم الأعمال الغنائية، حيث فاتح المسؤولين فى الإذاعة برغبته، وكانت “أوبريت” نور الصباح” باكورة هذا النوع الجديد من الفن في مصر.
وواصل محمد فوزى نهجه وأفكاره الجديدة مع بدايات عمله فى السينما بأغنية قصيرة اسمها «آدى المعاد قرب ولا جتش» مدتها أربع دقائق فقط. وعن هذا الفكر الجديد قال فوزى «إنه تغيير وإنه مختلف عن طريقة البراعة الصوتية الحلزونية» فى إشارة إلى الأغنيات الكلاسيكية الطويلة.
غنى محمد فوزي خلال مسيرته الفنية أكثر من 400 أغنية لعل من أشهرها “شحات الغرام”، “ويلك ويلك”، “ماله القمر ماله”، “تعب الهوى قلبى”.
ولغيره من المطربين، لحن فوزي “ساكن فى حى السيدة” لعبد المطلب، و “يا أعز من عيني” و”كل دقة ف قلبي بتسلم عليك” لفايزة أحمد.


• نجيب محفوظ يجيز أغنية “يا مصطفى”:


كان محمد فوزي سباقاً فى تلحين أغانى “الفرانكو آراب” وأشهرها بالطبع “يا مصطفى يا مصطفى”، التي بسببها إصطدم بالرقابة التي كان على رأسها الأديب العالمي نجيب محفوظ، حينما منع أحد الأعضاء ظهور أغنية “يا مصطفى يا مصطفي” (سابقة عصرها)، ظناً منه أن فوزي يقصد مصطفى باشا النحاس، ولكن “محفوظ” أجاز الأغنية، وجعلها تظهر للنور، لتصبح من أهم ما قدم فوزي، ولتقدم بكل لغات العالم في معظم الدول، نقلًا عن الموسيقار الكبير.


•حلم التلحين لأم كلثوم لم يتحقق:


حلم فوزي الذي كان يراوده طيلة حياته، هو بأن يلحن لكوكب الشرق، لكنه لم يتحقق على الرغم من إقترابه، وذلك بسبب رقي ورفعة فوزي وتقديره لزملائه من الملحنين، إنطلاقاً من إيمانه بأن موهبة الآخرين مهما عظمت لن تؤثر على كونه واحداً من أفضل وأهم الملحنين والمطربين.


وهذا ما برز عندما كان فوزي منكب في منزله على تلحين كلمات أغنية “أنساك” لإم كلثوم بوجود زميله بليغ حمدي، فإذا بالأخير بعد الإطلاع على الكلمات، يفاجئ فوزي بطلب رأيه في مطلع الأغنية التي لحنها وهو إلى جانبه، فما كان من محمد فوزي إلا أن إتصل بالست ليبلغها أن بليغ لحنها أحسن منه.


•تأسيس أول مصنع للأسطوانات:


قليلون هم من استطاعوا الجمع بين الموهبة الفذة والعقلية التجارية، ونجحوا في أن يقدموا فناً يقطر إبداعاً وصناعة تدر المال، بحسه الوطني وعقليته التجارية المتميزة، فكر في إنشاء أول مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج وطبع الإسطوانات، وأطلق عليها اسم ” مصر فون “، وتعامل معها كل المطربين والمطربات، منهم ” أم كلثوم ، ليلى مراد ، ومحمد عبدالوهاب”، توفيراً للعملة الصعبة التي تُنفق في إنتاج الاسطوانات، بسبب اضطرار الفنانين للسفر إلى اليونان لطبع الإسطوانات.


•تأميم شركتيه وتعيينه مديراً عليهما:


ومع ظهور قرارات التأميم ، وجد أن اسمه بين من تم تأميم ممتلكاتهم، وقيل أن سبب ذلك هو غضب النظام آنذاك من تأييده لأول رئيس لجمهورية مصر العربية اللواء محمد نجيب، لكنه إرتضى بعد قرار تأميم ممتلكاته أن يكون مديراً لأملاكه يتقاضى أجراً على هذا العمل كأي موظف، لكن سوء المعاملة وضياع حلم السنين أثر عليه سلباً وأصابه بالإكتئاب، وإكتشف أنه مريض بمرض لم يعرفه أطباء العالم وقتها، للدرجة التي جعلتهم يطلقون عليه “مرض محمد فوزي.


•التأميم لم يؤثر على دوره الوطني:


تأميم شركتي فوزي لم تثنيه عن القيام بواجبه الوطني والقومي تجاه وطنه وشعبه، حيث كانت الأغنية الوطنية الشهيرة “بلدي أحببتك يا بلدي” رفيقة المصريين خلال سنوات الألم أثناء حرب الاستنزاف، ورافقت الروح الوطنية المصرية في صعودها لنصر أكتوبر 1973.
كذلك فإن فوزي” كان أول من قاد قوافل جلب التبرعات والمساهمات لمصر عند قيام ثورة يوليو، بداية من عام 1953، ومنها “قطار الرحمة”، ولا ينسى دوره التاريخي في أسبوع التسليح وزيارته للرئيس جمال عبد الناصر كي يقدم مساهمة من ماله، ومعه السيدة بهيجة حافظ وحسين صدقي، وأيضاً أسبوع المستشفيات الذي طالما ساند فيه المرضى والمصابين.


•رائد أغنية الأطفال:


تميز محمد فوزى وتفرد فى الغناء للأطفال وكعادته كان جديداً ومختلفاً ورائعاً وسباقاً.
وعن الغناء للأطفال قال محمد فوزى: «أغنية الطفل تأخذ مجهودا يفوق المجهود الذى تأخذه الأغنية العاطفية بخمسين أو ستين ضعفا، فحينما أفكر فى أغنية للأطفال أفكر كيف يسمعونها ويرددونها ويغنونها، وعندما كنت فى ألمانيا سمعت أسطوانة فيها ضحك وبكاء لطفل وقررت أن أستعين بضحكة وبكاء طفل فى أغنية، وحينما عدت إلى مصر إستعنت بحوالى مائة طفل، وضحكوا وبكوا وإستمعت إليهم جميعاً، لكن ضحكهم وبكاءهم لم يكن مثلما إستمعت إليه فى ألمانيا، وقررت أن آخذ ضحكة وبكاء الأسطوانة التي سمعتها فى ألمانيا فى أغنية «ماما زمانها جاية»، أما أغنية “ذهب الليل” فكانت سهلة وبسيطة وجذابة، وقد إرتبط الأطفال فى مصر والعالم العربى بالأغنيتين إرتباطا وثيقا»…


رحل الفنان محمد فوزي عن عمر ناهز 48 عام، بعد أن ترك خلال مشواره الفني القصير عددا كبيرا من الأعمال الفنية غناءً وتلحينا وتمثيلا وإنتاجا، بعد صراع مع مرضه النادر حيث أصيب بسرطان العظام، والذي لم يكن معروفا وقتها، فأطلق عليه الأطباء اسم “مرض محمد فوزي”.


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

طلاب امريكا يهتفون لتحرير فلسطين في زماننا ونتنياهو يهدد باجتياح رفح…

ماذا عن جبهات الاسناد؟ ميخائيل عوض كم هي عظيمة غزة وشعبها الابدي/ شعب الجبارين/ ومقاومتها …