🔰 ألف سلامة يا حبيب القلب

ليلى رحيل


رسالة محمد.. الكورونا بتوجّع القلب والروح عالضنى والعيلة.. ما حدا يستهتر..

🔰 فاجأني ذاك اليوم بعد منتصف الليل.. قال:عملت فحص وطلع عندي كورونا إيجابي.. عالسريع وباستغراب جاوبتو.. محمد المحتاط المسرسب اللي مش عم يشوف حدا وعامل كل الاحتياطات من أول الكورونا صار معو كورونا.. ايه والله يا عمتو.. هيك طلع.. كيف ومنين مش عم بعرف.. قلتلو خلص صار اللي صار.. المهم انعزلت.. جاوب أكييييد عالسريع سكّرت عا حالي خايف عا مرتي وابني.. وبدأ التواصل مع محمد حبيب القلب ابن خيي.. وكل يوم بيوم شو عم يصير معو بالتفصيل الممل، قضينا ال 14 يوم حتى خلص من العزل وهوي كاتب كل هالنص الوجداني المعبّر، الرسالة لكل الناس.. يا ريت تقروا للآخر شو كتب محمد من أول يوم لآخر يوم بفترة العزل..
✍️ البداية كانت مع مجرد حرارة ووجع في كل الجسم والرأس، كنت مرتاحاً وأعتبر وضعي مستقراً، فالعوارض كأي إنفلونزا كانت تصيبنا.. ولكن الوجع زاد، ما استوجب الاطمئنان، وخصوصاً أن زوجتي حامل في شهرها السادس.. وذهبنا معاً وعملنا ال PCR.

✍️ كان الشك ينتابني، وأنتظر بقلق مرور الساعات كي أعرف النتيجة، وأخيراً رن هاتفي وصوت إمراة تناديني بإسمي وتقول نتيجتك إيجابية.. عليك أن تلزم المنزل (وسلامة قلبك).


✍️ كنت جالساً مع زوجتي عندما سمعت الخبر، زال الشك بعد هذا الاتصال، وتيقّنت أنه عليّ فوراً أن أبدأ حياةً جديدة.. توترت واحترت وتربّطت يداي، ولكن أول ما فعلته أنني بدأت بحبس أنفاسي، خوفاً على زوجتي الحامل كي لا يخرج مني نفسٌ يحمل ذرةً من هذا الفيروس ويصيبها، وبعد أن اطمأنّيت عليها بأن نتيجتها سلبية، أنزل الله سكينته علينا.


✍️ دخلت فوراً إلى غرفة العزل، أغلقت الباب على نفسي وقلت لزوجتي عقّمي المنزل كله، وناوليني عدة التعقيم وميزان الحرارة والأدوية اللازمة، حاجيات لازمتني طيلة فترة العزل. وبدأت الوساوس والتفكير القهري، وأسئلة كثيرة عن الأيام القادمة وهل سأذوق الويلات كما كنت أسمع ؟..وبدأت رحلة البحث على غوغل عن أسئلةٍ لم تكن تخطر في بال متعافٍ.


✍️ في العزل.. تطور الوضع، وبدأت الأعراض تزداد والوجع أيضاً، فقدت حاستي الشم والذوق، وصرت أتناول القليل من الطعام، وأقول لا فرق إن أكلت أم لم آكل.. ومرّت الأيام والتعب يزداد في كامل جسمي، فقررت ممارسة الرياضة يومياً، وتذكّرت وجرّبت كل الحركات التي كنا نقوم بها في المدرسة، وكنت أشعر بتحسن بعد كل نشاط.


✍️ في العزل.. أشد الآلام كانت تحزّ في نفسي، وأنا أرى زوجتي من شق بابٍ لا يتجاوز الخمس سنتيمترات، وأنا جالس على بعد ثلاثة أمتار، ونتحادث ونضحك لكي يمر الوقت بسرعة. وكان يحزّ في نفسي بعدي عن ولدي الأول.. هذا الجنين المحصّن في بطن أمه، والذي كنت أتحسسه وأشعر به وأحادثه كل يوم.. وللحقيقةً آلمني كثيراً هذا الشعور.


✍️ في العزل.. عندما أحسست بشلل في صدري، وبصعوبة في التنفس.. فكرت بكل المدخنين ومحبّي الأراكيل، وأنا منهم، ومن تجربتي أقول: كم هو صعبٌ أن نتركها ليوم واحد فكيف إذا كانوا 14 يوماً؟، ولكنني تركتها، فالضرورات تلغي الملذات.. أشكر الله بأن وضعي لم يتأزم ويدخلني المستشفى.. فمن أجل سلامتكم.. وكي لا تذوقوا الوجع ولا يصيبكم هذا الشلل المؤلم.. كي تتنفسوا الحياة، ابعدوا عنها أو على الأقل خففوها الى أقصى الحدود، كي لا تخسروا حياتكم.


✍️ في العزل.. كلما مرّ يوم أعيد عدّ الأيام من جديد، وأفرح بنقص واحد منها.. تعوّدت على نمط (الحياة الكورونيّة)، وصرت آكل وجبةً كاملةً، وكل يوم أحاول شم روائح مختلفة وأتحسس طعم الأكل، بحثاً عن الحاستين المفقودتين دون جدوى، وأستعرض نِعم الحياة التي قدّرت حلاوتها حين فقدتها.


✍️ في العزل.. كم عشقت الحياة، وكم تاقت نفسي الى الحرية.. كل يوم أجلس وأخطط ماذا سأفعل حين أخرج معافىً، وإلى أي مكانٍ سأذهب أول مرة ومن سأزور و.. و.. ولكن سرعان ما أمسك بحبل أفكاري وأسحبه الى السجن الذي نعيشه منذ الأشهر السبعة الماضية، بقرار ذاتي وقائي لكي لا يصيبنا هذا الوباء..


✍️ في العزل.. وفي اليوم ال 12، عند الظهيرة، وأنا أقوم بالاختبار اليومي لحاستيّ الشم والذوق، أبهرني مذاق حز من الجوافة وكأنني لأول مرة أشعر بهذا الطعم ولم أصدق!، فتناولت حبة عنب، ثم القليل من الملح.. وتأكدت من المذاق.. فرحت كثيراً لأن ما سُلب مني عنوةً عاد إليّ.. فأسرعت وكتبت الى عمّتي التي كانت دائماً على تواصلٍ يومي معي، وقلت لها البشارة البشارة.. فعرفت ما المقصود واتصلت على الفور تسألني هل تذوقت الطعام اليوم.. ومن صوتي أحسّت بسعادتي التي فاضت مني لأني بدأت أتخلص من أعراض هذا الفيروس.. وقالت لي لا تدع هذه الفرصة تذهب سدى. إكتب تجربتك وأنا على استعداد للنشر.. وبالفعل أحضرت ورقة وقلماً وبدأت… أنا محمد رضا رحيّل في 16 تشرين أول سنة 2020 – الساعة 4 و20 دقيقة، أكتب ما حصل معي في (الحياة الكورونيّة). الأحد تنتهي فترة ال 14 يوماً، وأعود الى حياتي المعتادة إن شاء الله.


✍️ في نهاية العزل.. مرةً أخرى راودني القلق، يوم ذهبت لإجراء الفحص مجدداً كي أطمئن ما إذا بقي أي ذرة من هذا الفيروس في جسمي أم لا، ولاعتقادي بأنني أصبحت أشكّل توتراً للبعض عند سماعهم بأن نتيجتي إيجابية.. والنتيجة السلبية اليوم كما شهادة النجاح التي ينتظرها الطالب عند انتهاء دراسته، وهي شهادة البراءة أمام الناس بانتهاء العزل.


✍️ وأنا أنتظر النتيجة.. تكرر مشهد اليوم الأول، ولكن بشكلٍ أصعب وتوترٍ أكثر. نفد صبري وما عدت أحتمل انتظار الإجابة عبر الواتساب.. اتصلت بالمستشفى وسألتهم، فكانت النتيجة سلبية، ودعوني للحضور. وبسرعة البرق ذهبت للتأكد من النتيجة بأمّ العين.. واستلمتها وخرجت من المستشفى، والفرحة تملأ قلبي، وبسماتي تتوزع على جميع الناس، وخطواتي أسرع وكأنني مقبل على دنيا جديدة أو عالمٍ آخر. وحين وصلت الى المنزل كان اللقاء الحميم مع زوجتي التي ابتعدت عنها 14 يوماً.. غمرتها وتحسست ولدي الذي آلمني بعدي عنه طوال هذه المدة.. وكم كنت خائفاً أن يطول بعدي عنهما وعن كل الأحبة… تكلمت معه وأخبرته أنني عدت الى جواره.. وكأنه أحسّ بوجودي، فطوال فترة عزلي كان دائم الحركة في بطن أمه، كأنه كان يؤنسها ويخفف وحدتها، أو يبحث عني.. وعندما أحسّ بوجودي استراح وقال لأمه: ها قد عاد أبي، الآن أريد أن أستريح.. غمرتهما بكل شوقي وحبي كي ننام ثلاثتنا بهدوء عميق بعد كل القلق الذي عشناه معاً.


✍️ في العزل.. كم كنت بحاجة الى كل الاتصالات التي تلقيتها للاطمئنان من الأهل والمحبّين وتدعو لي بالسلامة. شكراً لكم جميعاً، كنتم جزءاً من مناعتي القوية لمواجهة كورونا.. شكراً عمتو لولو(كما كنت ولا زلت أناديها) لهذه اللفتة الجميلة التي لم أكن لأوثّقها لولاكِ. شكراً لكل الذين اتصلوا بي وأبدوا خوفهم وقلقهم.. شكراً لوزارة الصحة التي اتصلت بي مرتين مطمئنةً وساعيةً للرد على الأسئلة التي كنت بحاجة لإيجاد أجوبة عنها..


✍️ رسالتي للجميع… “ما حدا يستهتر بالكورونا” .. ظلمني الذي نقل لي الإصابة.. لا أعلم هل كان يتخذ إجراءات الحماية أم لا.. أعرف فقط أنني أنا التزمت بها ومع ذلك أصبت.. لا أعرف أين وكيف.. أعرف أنني كما كنت حريصاً على زوجتي وابني كنت حريصاً على كل الناس.. على كل الكبار في العائلة.. عزلت نفسي كي لا أسبّب الوجع والعزل لأي كان.. “ما حدا يستهتر.. مش هيّن العزل.. ولا هيّن الوجع حتى لو كان بأدنى الدرجات وما وصل للأصعب اللي عم يوصّل للموت… انتبهوا لحالكن… ما بدها استهتار” …

شاهد أيضاً

المرصد الأوروبي: القاضية غادة عون لعبت دورا بمكافحة الفساد وهناك من يحاول اسكاتها

اشار المرصد الاوروبي للنزاهة في لبنان عبر حسابه الخاص على مصنة “اكس” الى ان القاضية …