هل تمتلك المقاومة مفاجآت عسكرية لدحر الهجوم البري على غزة؟

زياد سامي عيتاني 

يتحدث عدد من التقارير عن احتمالية شن الجيش الاسرائيلي هجوماً برياً على قطاع غزة، ضمن الرد على عملية “طوفان الأقصى” التي ذهب ضحيتها أكثر من ألف إسرائيلي. عندما حددت قيادة “حماس” الساعة صفر لتنفيذ العملية النوعية، كانت تدرك مسبقاً، بعدما باتت تتمتع بخبرات عسكرية عالية، أن إسرائيل سيكون لها رد عنيف وتدميري، نظراً الى النجاح الباهر المتوقع للعملية التي تم التخطيط والتحضير لها بصورة فائقة. وبالتأكيد من بين الاحتمالات التي كانت تضعها الحركة نصب عينيها، عدا القصف التدميري، قيام الجيش الاسرائيلي بهجوم بري على غزة.

وبعدما أثبتت “حماس” قدراتها التكتيكية والاستخباراتية والعملانية على الصعيد العسكري، فان ذلك يدفع ليس الى الاعتقاد، بل التأكيد، أنها تملك خطة مواجهة نوعية للتصدي لأي هجوم بري إسرائيلي متوقع، ربما سيشكل عامل مفاجأة ومباغتة للاسرائيليين، على غرار ما حصل السبت الماضي.

يوكد الخبراء العسكريون، أنه وبمعزل عن القدرات والامكانات العسكرية لدى المقاومة داخل غزة، فإنها باتت تملك قوة مضافة، من شأنها أن تعزز قوتها العسكرية، وتتمثل بالأعداد الكبيرة للأسرى الاسرائيليين.

بالعودة الى الجانب العسكري الميداني لـ “حماس” المعلوم منه، فإن عاملين أساسيين يدعمان قدرات المقاومين على المواجهة والصمود، وشن حرب عصابات، وحرب إستنزاف مع الجيش الإسرائيلي:

– الأنفاق: لم يكشف عن تاريخ بدء حفر الأنفاق داخل غزة، حيث بقيت العملية سرية إلى أن ظهرت للمرة الأولى في العام 2006، عندما استخدمت “حماس” أحدها لأسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط خلال هجوم على موقع حدودي في رفح جنوب القطاع. ولكن مع بدء الحصار الاسرائيلي على القطاع سنة 2007، تكثف حفر الأنفاق على الحدود مع مصر واستخدمت لتهريب مقاتلين وأسلحة. ومنذ العام 2014، حفرت حركة “حماس” أنفاقاً داخل القطاع نفسه، وذلك ضمن إطار خطة المواجهة العسكرية مع العدو الاسرائيلي، حيث يتمركز المقاتلون على عمق يصل إلى 30 أو 40 متراً تحت الأرض، وينتشرون بعيداً عن نطاق الضربات. ويمكن لبطاريات قاذفات الصواريخ المخبأة على عمق بضعة أمتار أن تخرج من خلال نظام الباب المسحور لتطلق النار وتختفي مرة أخرى.

لا شك في أن شبكة الأنفاق هذه تم تطويرها تقنياً وهندسياً، ما يجعلها أكثر سرية وفاعلية وتجهيزاً، الأمر الذي سيعقد حركة مشاة القوات الاسرائيلية إذا ما دخلت غزة، خصوصاً مع المعلومات التي تؤكد أن بعضها مفخخ وملغم لاستدراج الإسرائيليين داخلها وتفجيرها بهم، كما أن البعض الآخر معد ككمين لهم بهدف أسرهم داخلها.

إذاً، إحدى المشكلات الرئيسة التي تواجه إسرائيل في أية محاولة لشن هجوم بري، أنها ستضطر إلى مواجهة مواقع “حماس” المجهّزة، بما في ذلك الأنفاق القتالية التي جرى تطويرها على نطاق واسع على مر السنين، بعدما كانت بدائية ذات يوم، أصبح مهندسوها الآن يتمتعون بخبرة كبيرة في بناء مواقع محصَّنة ومخفية جيداً تحت الأرض، لاستخدامها مراكز قيادة ونشر المقاتلين منها. نشير أخيراً في هذا الاطار، الى أن أهالي القطاع يطلقون على شبكة الأنفاق السرية اسم “المدينة الأرضية”، في حين تسميها إسرائيل “مترو حماس” أو “مترو غزة”.

– الجغرافيا: إذا كانت إسرائيل تتمتع بميزة كبيرة من حيث حجم قواتها العسكرية والتكنولوجيا وأنظمة الأسلحة والخدمات اللوجيستية، فإن “حماس” تكيفت بصورة كبيرة على مرّ السنين، للافادة من البيئة الحضرية الكثيفة في غزة. تحدّ الطبيعة الجغرافية لغزة من العمليات الاسرائيلية، إذ هناك مناطق ريفية من الأراضي الزراعية بجوار مَعبر إيريز في أقصى شمال غزة، وحول البريج جنوب المدينة، حيث خط من التلال يطلّ على وسطها، وإلى الشرق من خان يونس في الجنوب، حيث يمكن للدبابات والمدرّعات التحرك بصورة أكبر وبسهولة. وهناك نقطة وصول أخرى حول طريق فيلادلفيا بالقرب من رفح في أقصى الجنوب.

لقد استخدمت إسرائيل في الماضي المواقع المُطلة على وسط غزة لمحاولة قطع الاتصالات بين المدينة والجنوب وأماكن أخرى لتقسيم المنطقة. وتدرك “حماس” والفصائل الأخرى في غزة أن هذه الطرق يمكن للقوات الاسرائيلية استخدامها، وستكون لها خطوط دفاعية في هذه المناطق التي كانت مسرحاً لقتال عنيف في الماضي. ومع تحول الريف الرملي إلى مناطق حضرية، تصبح التضاريس أكثر صعوبة بالنسبة الى إسرائيل، بحيث تُطل المباني السكنية الشاهقة في أماكن، مثل جباليا وبيت لاهيا، على المداخل الشمالية نحو مدينة غزة، بينما يحدّ الطريق الرئيس بين الشمال والجنوب المناطق الصناعية التي استخدمتها “حماس” نقاطاً دفاعية في الماضي. أما التضاريس في وسط غزة وشرق خان يونس فهي أكثر انفتاحاً، لكن القرى والمباني الشاهقة على طول طرق الوصول وفّرت غطاء لـ “حماس”.

إضافة إلى ذلك، تمتلك “حماس” والفصائل الأخرى ألغاماً مضادة للدبابات وصواريخ موجهة مضادة للدبابات، وقد استخدمتها بفاعلية مع إطلاق قذائف الهاون خلال المواجهات الماضية. ففي إحدى ليالي القتال في منطقة الشجاعية المبنية خلال حرب العام 2014، فقدت إسرائيل 13 جندياً في كمين شمل لغماً مضاداً للدبابات ونيران مدافع رشاشة. وفي حين يتمتع الجيش الاسرائيلي بخبرة القتال بالمدرّعات في المدن الفلسطينية، وليس أقلّها في الضفة الغربية، خلال الانتفاضة الثانية، يُعتقد أن “حماس” تمتلك، الآن، مخزوناً كبيراً من صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، والتي جرى استخدامها بفاعلية، بما في ذلك من “حزب الله” في لبنان ضد الدبابات القتالية الرئيسة الاسرائيلية. كما طوّرت “حماس” طائرات من دون طيار مجهّزة بالذخيرة من النوع المستخدَم على نطاق واسع في أوكرانيا، والتي يمكنها إسقاط قنابل على المركبات والقوات، وهو ما يشكل قوة إضافية في قدراتها القتالية.

إذاً، باتت “حماس” تتمتع بسنوات من الخبرة في محاربة الجيش الاسرائيلي، وقد أصبحت قوة حضرية فاعلة وقابلة للتكيف، ولديها نواة من القادة القتاليين ذوي الخبرة، الذين لديهم معرفة وثيقة بالطريقة الاسرائيلية في القتال، وبعضهم من الناطقين بالعبرية الذين درسوا الجيش الاسرائيلي بعمق.

بناءً على هذه المعطيات، عندما ستتخذ إسرائيل قراراً بغزو غزة سواء ضمن عملية “موضوعية” أو من خلال حرب شاملة، فإن المرجح أن تكون التكلفة باهظة بالنسبة الى الجيش الاسرائيلي، ما سيشكل تحدياً عميقاً له، وربما يتجاوز قدرة إسرائيل على إدارته على المدى الطويل.

 

شاهد أيضاً

وحدة التدخلات الطارئة تدشن مساهمتها لمشاريع المبادرات المجتمعية بمحافظة إب اليمنية من مادتي الاسمنت والديزل ..

تقرير /حميد الطاهري دشنت اليوم وحدة التدخلات المركزية التنموية الطارئة بوزارة المالية بالتنسيق مع السلطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *