زاهر العريضي يحاول اكتشاف الذات في “شيفرة لعوالم أخرى”

اجرت الحوار ميشلين مبارك

الميادين الثقافية” تحاور الشاعر والكاتب اللبناني زاهر العريضي حول مجموعته الجديدة “شيفرة لعوالم أخرى”، وهنا نص الحوار:

شيفرة لعوالم أخرى” هي المجموعة الجديدة للكاتب اللبناني زاهر العريضي، وقد صدرت حديثاً عن دار “نلسن” في بيروت. تتصدر غلاف المجموعة لوحة ملفتة للفنان إيهاب أحمد، ذات أشكال هندسية ووجوه متعددة بألوان متنوعة، ولعلّ التعامل المتكرر للعريضي مع الفنان أحمد يشير إلى الانسجام الحاصل بين النص واللوحة، وقدرة هذه الأخيرة على ترجمة أفكار الكاتب.

يسيطر القلق على نصّ العريضي، ربما هو قلق جيل بأكمله عاش تبعات الحرب اللبنانية بأشكالها وأنواعها. قلق يحوّله الكاتب إلى أسئلة وجودية يطرحها على القارىء كأنّما يطرحها على نفسه، في محاولة منه لمهادنة الذات، إذ يقول: “سنبقى نبحث عن ذواتنا في سراديب الماضي، حتّى نعثر على المرآة التي نرى عبرها صورتنا المكتملة”. فهل بالكتابة تنجح في فكّ ألغاز الذات الوجودية؟ يعرف العريضي كيفية التنقّل من كوكب إلى آخر، حاملاً قلمه وتجاربه. لكن، هل يستطيع القارئ من خلال تجارب الكاتب نفسه الولوج إلى عوالم أخرى؟

حول هذه الأسئلة وغيرها حاورت “الميادين الثقافية” زاهر العريضي، وهنا نص الحوار.

***

قبل ديوانك الجديد، كانت لك نصوص تجريبية عديدة، خصوصاً في “ربما” (دار أبعاد 2018)، تتكلّم فيها عن “القصص التي نخاف أن نكتبها، التي كتبناها في مخيلتنا”. بدايةً، لِمَن يكتب زاهر العريضي؟ وما هي القصة التي يخاف أن يكتبها؟

كنتُ دائماً أتساءل لمن نكتب؟ ولماذا؟ هذه الأسئلة ما زالت بلا أجوبة جاهزة ومنجزة، هي دوافع داخلية لأنجو من الحزن، كالذي يضع الملح على الجرح. أكتب لأتصالح مع الأشياء، كفعل ولادة جديدة. أكتب لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفه. أن أرى وأقول الأشياء بطريقة مختلفة، عبر العبور بالآخر، لأفهم هذا العالم. وأشارك الآخر في هذه التجربة الإنسانية عبر توثيقها والبوح بها.

وتبقى هناك قصص كثيرة لا نملك الجرأة لكتابتها، ونخشى أن نقوم بذلك، لأن العقل محدود بوظيفته، وبالتالي المعرفة محدودة هي أيضاً، ويشكّل الخيال اللامحدودية في ابتكار وإبداع المتخّيل واللامفكَّر فيه، وهذا اللامفكَّر فيه أخاف في أكثر الأحيان أن أكتبه.

 أنتَ تسأل في إحدى كتاباتك “كيف تحرر نصك وأنت مسجون فيه”؟ فما نوع النص الذي يسجن زاهر العريضي فيه؟ 

أحياناً نكون تحت سطوة الواقع، نتكبّل في النص، فيصبح النص هو جزء من القيود التي تسجننا، كفعل صراع مستمر مع الموروث والسلطة اللامرئية والنمطية المكرسة، فالكتابة بحاجة إلى بذور الحريّة وإلى جرعة زائدة من خلايا التمردّ. الكتابة مخاض لتناقضات وأسرار ومكنونات بشريّة، والتحرّر كفعل انتصار الضوء على العتمة.

في “شيفرة لعوالم أخرى” تحاول فك ألغاز هذا الوجود وأشياء أخرى، هل هي محاولة للتعبير عن الغامض في عالمك الخاص؟

هي محاولة لمحاكاة الوجود، الاتصال مع هذا الكلّ، إذا كنت جزءاً من هذا الكلّ، وإذا كان كلّ شيءٍ نسبياً، فالإبداع والفنّ والجمال والكلمة مظاهر وأشكال تعبير وفيض من هذا الكلّ… هي ألغاز وشيفرة لنحاول أن نفكِّكها ونفهمها ونتصّل بها، نتصّل مع هذا الكون، مع الطبيعة الأم، عبر الموجات والحركة والطاقة، عبر الحبّ والامتنان والتأمّل… كيف يمكن أن نفهم الماء، وتاريخ البشريّة، وتاريخ الأرض، وجارنا القمر، والنجوم، وكلّ هذا المدّ والجزر في دواخلنا، أن نفهم هذه الحياة الموجودة فقط على كوكبنا، نفهم الفيزياء والإيمان، الوعي والغريزة… كلّها شيفرات وكلّها عوالم وكلّها طاقة وحركة، لذلك ربما تكون محاولة للتعبير عن الغامض في عالمي الخاص وفي عالمنا جميعاً. أعتقد أنّ كلّ ذلك بحاجة إلى طرح الأسئلة الجديدة، عوضاً عن الإجابات الجديدة لأسئلة قديمة.

 من الملاحظ أنّك كثير الأسفار والتنقّل بين عواصم العالم، وطبعاً لكلِّ مدينة قصة مختلفة، كيف أغنت هذه القصص مضمون الكتابة لديك؟

“يموت ببطء من لا يسافر، من لا يقرأ، من لا يسمع الموسيقى”، يقول بابلو نيرودا في قصيدة “يموت ببطء”.

هذه القصيدة بالنسبة لي هي درسٌ في الحياة، نتعلّم من أشخاص ويمكن أن نتعلّم من قصيدة، أحياناً قصيدة ملهمة تختصر لنا نظريات كبيرة. في هذا السياق، كان لي الفرصة أن أتعرف على مدن وشعوب وعادات وأنماط حياة وطبيعة وألوان. كانت معرفة غنيّة، وتجربة روحيّة في المقام الأول. نحن بحاجة إلى أن نتعرّف على المختلف والغريب والجديد. كيف يمكن معرفة أنفسنا من دون معرفة العالم؟ من دون المشي في المدن، وزيارة أماكن لها بُعدها الإنساني والحضاري والثقافي، إضافة إلى طابعها الايماني والعرفاني؟

 أنتَ شاعر وصحافي في آن معاً، كيف تُحسن التنقل بأداوتك الكتابية من كوكب إلى آخر؟

يوجد أرضية مشتركة لحقول مختلفة، وكل تجربة تضيف الى التجربة الأخرى، لكنّ الأهمية تكمن في حسن توظيف المعرفة والفكر والأدوات في مكانها المفيد.

تبوح قائلاً: “لن يستقيم هذا العالم إلاّ بكثير من الحبّ والجنون”. ألا تعتقد بأنّه في عالمنا الكثير من الجنون والقليل من الحبّ؟

بتقديري أنّ الحبّ حاجة كما النوم والأكل، وأحياناً يكون لدينا جوع إلى الحبّ. الحبّ برأيي هو سرّ من أسرار هذه الحياة، لما فيه من قوّة ومقدرة وطاقة. بفعل الحبّ نربح معارك كثيرة، نتغلّب على مصائب كبيرة، نهزم الكثير من الأحقاد. هو انتصار في نهاية المطاف. هذه ليست دعوة للسلام، إنّما علينا نحن البشّر أن نحبّ، أن نعترف بأنّنا لسنا وحدنا في هذا الكوكب لندمِّر كل شيء، ندمّر الطبيعة فيقتل الإنسان أخاه الإنسان، ونقترف كلّ أشكال التخريب.

علينا أن نعترف بأنّنا لسنا وحدنا في هذا الكوكب، الحيوانات كما النباتات تشاركنا هذا المكان. ومن جانب آخر، فإن مفهوم أي صراع مرتبط بالحب بالمقام الأول. نحن نحبّ الأرض، نتفاعل معها، نبني، ندافع عنها ونفديها بأرواحنا ودمائنا. حتى مفهوم المقاومة مرتبط بالحبّ، نقاوم وندافع عن حبنّا، عن أحبتنا، عن أهلنا وعوائلنا وأرضنا. لذلك لن يستقيم العالم إلاّ بكثير من الحبّ.

كيف تتخيل الذات الوجودية، وبالتالي مشهد هذا العالم، إن لم نكتب؟

بدأ التدوين بالرموز والصور، أي أنّ تاريخ الانسان بدأ مع التدوين، مع الكتابة، ولولا الكتابة ما كانت الإنسانية موجودة، وما كانت الأديان، لذلك كانت الملاحم التي أتت لتُعبِّر عن تاريخ الإنسان. وكان التدوين والتوثيق، وتطورت الكتابة، وتطور المعنى ومفهوم الدلالة، وهذه الذات الوجودية أو الفرديّة تتناغم وتتواصل مع الذات الكليّة، والكتابة أداة، واللغة أداة تفكير قبل أن تكون أداة تعبير. لذلك نحن بحاجة يوميّة إلى التفاعل وصناعة اللغة كما نصنع رغيف خبزنا اليومي. لنضيف الى هذا العالم المعنى.

سيصدر لك قريباً ترجمة ألمانية لأحد أعمالك، كيف ترى حركة الترجمة من وإلى اللّغات الأجنبية؟ وهل يحتاج الكاتب العربي دائماً إلى ترجمة أعماله؟

صحيح، بعد تجارب عديدة سابقة لترجمات ضمن مجموعة من الشعراء إلى اللغة الألمانيّة، سيصدر قريباً ترجمة لكتابي كعمل منفرد الى اللغة الألمانية، وبصراحة هذه جهود يقوم بها الدكتور سرجون كرم، في جامعة بون، له الشكر بالإضافة إلى المشاركين معه في هذه الأعمال، لما يقدمونه من تبادل ثقافي مهم عبر حركة الترجمة.

أحياناً نعم، يحتاج أي كاتب وخصوصاً العربي، إلى أن نقرأه في لغة أخرى، وعين أخرى، وعقلية مختلفة. بالنسبة لي يهمني أن يرى جرحي ويذوق ملحي ويلاحق مخيلتي ويقف أمام روحي، ويكتشفني ويبحث عني ويسأل وينتقد ويبتسم ويحزن… أيّ إنسان في أيّ مكان على الأرض، لأنني أكتب للبشريّة جمعاء، وأصرخ ليصل صوت ترابي ولغة أطفالي ومجتمعي إلى العالم كلّه.

كتابك الجديد “شيفرة لعوالم أخرى” أبصر النور بالتزامن مع “معرض الكتاب العربي” في بيروت، فلماذا لم تدعُ قراءك وأصدقاءك إلى حفل توقيع الكتاب؟

الظروف لم تكن مساعدة. أتمنى أن يحدث ذلك في وقت مناسب أكثر، ومعرض الكتاب محطة، لكنّ التواصل مع القراء والأصدقاء مسار. آمل أن نلتقي ونتفاعل بحركة ثقافية، لأنّ بيروت مدينة تولد من خلال ناسها ومحبيها وساكنيها والحياة الثقافية فيها.

كيف تنعكس الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان على الكُتّاب، وبالتالي أيّ أفق للإنتاج الأدبي والفكري في ظلّ هذه الأوضاع؟

بصراحة، إنّ أساس الموضوع ثقافيٌّ قبل أن يكون اقتصادياً أو اجتماعياً. الأزمات أنتجت إبداعاً، أنتجت أغنية وطنية، وأنتجت فكراً وموسيقى وأشكالاً فنيّة متنوعة. الأزمة هي أزمة ثقافية أولاً، وأزمة إنتاج فكر ومعرفة، فنحن بحاجة إلى استبدال المعرفة بمعرفة جديدة، لنفتح آفاقاً جديدة تحمل إلينا الأمل.

شاهد أيضاً

سلطه المعكرونه بدون مايونيز

معكرونه اي نوع تحبوه /طماطا مقطعه ناعم /حمص/خيارمقطع ناعم /جزر مبروش /فلفل اخضر مقطع ناعم …