زيارة محبة لمعرض الكتاب العربي


د. نزار دندش

 

قصدتُ امس ومنذ الصباح معرض الكتاب العربي في واجهة بيروت البحرية في زيارة محبة ووفاء للكتب والكُتّاب ودور النشر والقرّاء ، بعد مرور سنين عجاف أصاب خلالها الشلل كل مرافقنا وكلَّ مفصلٍ من مفاصل لبناننا الحبيب . وقد سجلت ملاحظاتٍ لن أنساها ولن ينساها قلمي في منشوراتي اللاحقة :
المعرض ضاق لكنه اتَّسع! ضاقت مساحته لكنه اكتظَّ براغبيه القدامى وراغبيه الجدد . الحركة نشيطة واحترام الكتاب واضح في حركات الأيدي التي تُقلِّب الصفحات في كل جناح من اجنحة المعرض ، وواضحٌ ايضاً في عيون الراغبين في القراءة التي رأيتها تقرأ عناوين الكتب عنواناً عنوانا … وحدها جيوبهم كانت تشكو بصمتٍ احياناً واحياناً اخرى بشكوى صامتة !
أما أصحاب دور النشر فأيديهم على قلوبهم لأن بدل الايجارات باهظٌ نسبياً ، وكتبهم تطبع بالعملة الصعبة وتباع بالعملة السهلة جداً جداً !
المؤلفون غير المدعومين قد بدوا اكثر الفةً وتواضعاً وتضامنا ، بعد ان عجنت مزاجهم الدهشة ، حتى ان بعضهم راح يوزع مؤلفاته القديمة والجديدة مجاناً على الاصدقاء الذين يعرف سلفاً انهم عاجزون عن دفع ثمنها ، وبعضهم اقترح مقايضةً للكتب بحيث يُقدِّمُ كل مؤلفٍ نُسَخَ كتابه هديةً منه للمؤلفين الآخرين ويحصل على كتبهم هدايا مقابلة .
أما المؤلفون المدعومون ، المنتسبون الى أحزاب او مراكز او جمعياتٍ مُموَّلة ومموِّلة فبدتْ معنوياتهم مرتفعة وكادت مؤلفاتهم ان تنفد !
الانضباط لم يعد على اشدِّه ودور النشر غير اللبنانية شبه مفقودة . أما عناوين الإصدارات الجديدة فتحاكي بمعظمها أزمة السياسة والسياسيين ، والاقتصاد والاقتصاديين . اما الكتب المعرفية فلم اجد منها الا القليل مع انني أرصد لها في كل زيارة معرض مبلغاً يساوي أقصى ما أستطيع .
وأكثر ما لفتني تلك الطبقية الجديدة في صفوف المثقفين من كُتّابٍ وقرّاء ومتعلمين ،فالموظفون هم اليوم افقر سكان لبنان لأن البنك الدولي يشترط افقارهم وتخفيض عددهم ، والقادة يسعون الى إفقارهم لإسكاتهم وتحجيم أمانيهم وحصر تطلعاتهم تمهيداً لإخراجهم من حقل حرية إبداء الرأي والنطق بما يمليه الضمير .
أما أغنياء المثقفين فهم اليوم أولئك الذين يقبضون معاشاتهم بالعملة الصعبة ومن يفوق معاشهم معاش العاملة الاثيوبية بمئة دولار او أكثر ، والموظفون في سفارات او جمعيات او شركات اجنبية أو أحزاب غنية او … ، وأولئك الذين يقفون بالمرصاد “لهجمات الامبريالية الثقافية” وأولئك الذين ورثوا مالاً ونفوذاً ، واولئك الذين يعمل مُعيلوهم في الخارج . وبتعبير مُختصر أقول : إن الطبقة الوسطى تحتضر !
وقد ترحّمتُ على روح الرئيس رفيق الحريري الذي خصّص من ماله الخاص معاشات لأساتذة الجامعات عندما عصفت بلبنان ازمة اقتصادية في ثمانينات القرن الماضي . ولم تكن ثروة الرئيس الحريري يومها تفوق ثروة الرئيس ميقاتي اليوم .ونحن لا نطلب من الرئيس ميقاتي معاشاتٍ لأهل العلم والثقافة بل نطلب منه إعادة مبلغ الخمسماية دولار التي دفعها كل مشترك لشركات الخلوي كتأمين منذ ربع قرن من الزمن !

إن ثقتي بلبنان كبيرة ، وهو الذي أُطلق عليه اسم طائر الفينيق ! وثقتي بمستقبل الحرف فيه كبيرة لأن الحرف قد انطلق من بيبلوسه الى ارجاء العالم !

https://youtube.com/shorts/6sCtZrYJl4Q?feature=share

 

شاهد أيضاً

عون التقى محفوظ في اليرزة

استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة رئيس عام الرهبنة اللبنانية …