“نهفات” عالمية… “الدبور”…

د. سلمان صبيحة

أيام الإتحاد السوفياتي تعرف “حميد” على”سفيتلانا”وهي فتاة سوفيتية جميلة جداً ،وبعد أن تبادلا الإعحاب من خلال عدة لقاءات جدية وجهت”سفيتلانا ” الدعوة ل”حميد ” لزيارة أهلها ليتعرفوا على صهر المستقبل…لم يصدق “حميد” متى سيأتي يوم غد ليزور بيت ” سفيتلانا”ّ’ ،فكل الوقت كان يفكر بهذا اللقاء ، ماذا سيلبس ؟ وماذا سيأخذ معه ؟ وعن ماذا سبحدث أهلها…؟ كل هذه الأفكار شغلت ذهنه وجعلته ينسى النوم في ذلك اليوم.
في الصباح استحم “حميد”وحلق ذقنه عدة مرات لأن “سفيتلانا ” نبهته أن يحلق ذقنه جيداً لأن والدها “جنرال متقاعد من الجيش السوفياتي وهو من المحاربين القدامى ، ويهتم جداً بمظهر الرجل وخاصةً
بذقنه وثيابه “،لذلك ذهب” حميد” لعند أحد أصدقائه واستعار بدلته الجديدة البيضاء الجميلة ورتب نفسه جيداً واشترى قالباً من “الكاتو” مع زجاجة “شمبانيا”ولم ينس أن يأخذ معه ثلاث زهرات جميلات من القرنفل الأحمر.
في الموعد المحدد وصل فاستقبلته أولاً صديقته “سفيتلانا”وبعد أن خلع حذاءه وغسل يديه جيدا أدخلته مباشرةً إلى المطبخ حيث توجد طاولة كبيرة عليها مالذ وطاب من الطعام والشراب (فودكا – كونياك – بيرة – عصير طبيعي..الخ.)،بعد ذلك حضرت أمها ومباشرةً دخل “الجنرال “بجسده الضخم وبهيبته المميزة و”صلعته “الكبيرة وقد سلم على “حميد “مصافحة فأحس “حميد” أن يده مسكتها “كماشة” لم يستطع الإفلات منها ، احمر وجهه وجزه العرق ، أراد أن يصرخ من شدة الألم لكنه صمد على مضض حتى أنهى الجنرال سلامه وترحيبه بالضيف العزيز…
على مأدبة الطعام قدم “حميد “نفسه وأعطى شرحاً مفصلاً عن ظروف المعيشة والحياة في بلده وعن أهله وأقربائه وعن دراسته وعمله في الاتحاد السوفياتي…الخ.
عند كل فقرة معينة من الحديث كان يتم رفع كأس “نخب ” الصداقة والتعارف وكذلك نخب الوطن والنصر والأهل والأقرباء والأصدقاء والرفاق الأحياء منهم والأموات…الخ.
بعد ذلك وعندما سأل ” حميد ” الجنرال ” عن خدمته السابقة في الجيش السوفياتي ومشاركته في الحرب الوطنية العظمى وجدها “الجنرال” فرصة ثمينة ليحدث ضيفه عن بطولات الجيش الأحمر وبطولاته على جبهات القتال أثناء تلك الحرب ، وبدأ يقص عن مأثرته في معركة الدبابات الشهيرة في مدينة “كورسك”،التي تقع جنوب غرب موسكو وتبعد عنها 450كم، وكيف أن هذه المعركة تعتبر أكبر معركة دبابات في التاريخ والتي أطلق على هذه المعركة اسم ” ملحمة الحديد والنار ” ،(( وبينما يتابع ” الجنرال ” حديثه بحماس عن المعركة ،دخل في هذه الأثناء “دبور”من نافذة المطبخ وهو “يزن”فوق رأس “الجنرال”)) ، هنا تشتت انتباه “حميد”ولم يعد يسمع مايقوله “الجنرال” ،لأن كل اهتمامه كان منصب على “الدبور”وهو قلق من أن يقوم “الدبور “بلسع “الجنرال”،فهو يقترب من “صلعته ” كثيراً رغم ، محاولة “حميد”إبعاد “الدبور”عدة مرات لكن بدون جدوى ،والطريف بالأمر أن كل أهل البيت لايعيرون “الدبور” أي إهتمام ، باستثناء “حميد”….
“الجنرال”مازال مستمراً بحديثه بحماس عن معركة الدبابات الطاحنة التي بدأت يوم 4 يوليو عام 1943 واستمرت لغاية 23/8/1943 وكيف تحولت مدينة “كورسك”الروسية البطلة إلى مقبرة للدبابات النازية الألمانية وأن هذه المعركة كانت أخر المطاف في استراتيجية الهجوم الخاطف التي كان يتبعها الألمان على كل الجبهات في الحرب العالمية الثانية …الخ ، لكن ” حميد”
كان كل اهتمامه منصب على “الدبور”وكان يراقبه بكل اهتمام حتى “حط ” على حرف الطاولة ،وبشكل مفاجئ للجميع قام “حميد” ووجه بيده ضربة قوية على مكان وجود “الدبور” فقلبت الطاولة بصحونها ومافيها كلها على بدلة “حميد” البيضاء وطبعاً “الدبور” طار قبل أن يصاب بأي أذى…
ساد صمت مخيف لعدة دقائق في المكان ،لكن عشرات إشارات التعجب والإستغراب التي ظهرت على وجوه أصحاب البيت قالت الكثير ، لكن سرعان مااستدركت “سفيتلانا ” الموقف وسحبت” حميد” إلى غرفتها ،حيث خلع ملابسه وقامت هي بتنظيف البدلة وبعد أن نشفت قليلاً ارتداها وغادر المنزل مسرعاً بكل خجل وأسى….
الغريب في الأمر بالنسبة ل” حميد” أنه من يوم حادثة “الدبور” الشهيرة لم يشاهد “سفيتلانا” مطلقاً ولم تتصل به وهو كذلك لم يتصل بها ، لكن منذ ذلك الوقت أصبح “حميد” يعرف بين أصدقائه ب :
“حميد الدبور ” .
د.سلمان صبيحة
4/12/2022..

شاهد أيضاً

الدكتور بصبوص يشارك في مؤتمر الدوحة الخامس عشر لحوار الأديان

يسافر الدكتور دانيال بصبوص للمشاركة في مؤتمر الدوحة الخامس عشر لحوار الأديان، الذي يقيمه مركز …