تطور صناعة الكريستال

 

أحمد فقيه

هناك بعض التحف الفنية والمشغولات اليدوية، تلخص ليس فقط فترة معينة في تاريخ التصميم، ولكنها تعكس كذلك بعض التغيرات التي تحدث في المجتمعات من النواحي السياسية، الإجتماعية، الإقتصادية، والفنية والقليل من المنتجات التي يقوم بتصميمها الإنسان يمكنها أن تعكس مثل هذه الأمور بالأسلوب نفسه والكمال الذي يعكسه زجاج بوهيميا.

منذ العصور الوسطى، وغابات بوهيميا الشاسعة، والتي هي الآن جزء من تشيكوسلوفاكيا، تغذي هذه الصناعة بالمادة الخام وبالوقود، ومع حلول منتصف القرن الثامن عشر. وصل زجاج بوهيميا إلى أسواق بوسكن، ومكسيكو سيتي والقسطنطينية. وقد أفتتحت مدارس عديدة في بعض القرى في تلك المنطقة من العالم كانت تستخدم 12 لغة في التعليم لإعداد الأطفال وتدريبتهم على الأعمال التجارية العالمية. وهناك امراء ورجال وشخصيات على درجة كبيرة من الأهمية، كانوا يهدون ويحتفظون بهدايا حكومية من الكريستال البوهيمي العريق. والذي بقي شعاراً عالمياً للجودة والفخامة حتى الحرب العالمية الثانية، وما نشأ عنها من تغيرات جذرية في العالم قاطبة، ومع ظهور العديد من صناعات الزجاج الأوروبية، بدأت شهرة الزجاج البوهيمي تخبو شيئاً فشيئاً.

 

 

معرض للكريستال البوهيمي يستعرض سبعة قرون من الزمن.

ومن خلال المعارض للكريستال البوهيمي تظهر فيه الأعمال الباهرة لهذه المادة عبر القرون السبعة الماضية. وقد أقيم هذا المعرض في يناير الماضي في متحف الديكور في باريس. وهو يشتمل على تشكيلة واسعة من الكريستال المبهر للبصر بالإضافة إلى كنوز من البللور القديم منه والحديث. ويوجد أكثر من مائتي نوع من الحرف اليدوية الرئيسية التي تمثل مجموعة مهملة ومن النادر أن تكون بهذا العمق والجودة. ويتم التركيز هنا فقط على الأفضل. وهذا المعرض يقام عادة من آن لآخر، وهو يتمشى مع سياسة أصحاب المصانع البوهيميين الذين كانوا قادرين على التكيف، ويتقبلون أية أفكار جديدة لتكون هي السياسة التسويقية.

في عصر النهضة، كان زجاج ” مورانو” يعتبر بحق أجود أنواع الزجاج في العالم. لقد كانت أواني وقطع فينيليا التي كان أساس تركيبتها الصودا، انقى مع قطع بوهيميا التي أساسها البوتاس، وتميل في لونها إلى الإصفرار أو الأخضرار ولتغطية عيوم الزجاح البوهيمي كان الصناع يقومون ببعض الأشكال التي تتمازج فيها رسومات خيالية من الزهور، وأوراق الأشجار، وغيرها مما يسمى بـ”الفرتسك” أي (الغريب) والتي تستخدم في الزجاج الإيطالي الرشيق الجذاب، ووجود البوهيميون أنفسهم أخيراً يعملون على تلك الأسس والتصاميم القديمة التقليدية. ولذلك لا تزال تستخدم الأواني الزجاجية بتصاميم قديمة في تشيكوسلوفاكيا.

 

 

إبتكار تقنيات جديدة

اللون الأحمر الياقوتي يحدث ثورة في عالم الزجاج

ان الطلب الشديد على الألوان والزخارف الجديدة أدى بأهل بوهيميا إلى البحث، ومن ثم خلق تقينات جديدة وعندما تم أخيراُ إكتشاف وتطوير الزجاج باللون الأحمر الياقوتي وذلك على يد صانع الزجاج “البروسي” الماهر، في سبعينيات القرن السابع عشر، أثار ذلك تلهفاً عنيفاً، وتم التحفظ على الأمر وبقي سراً لمدة طويلة. وبعد عقد من الزمان عرف أهل بوهيميا التركيبة وأصبحت ملكهم. وذهبوا بعيداً في تخيلاتهم وصناعتهم وتشكيلاتهم المزخرفة ومنها المزركش المخرم وحوله ما يشبه الأشرطة المتأرجحة في الهواء.

 

 

الذهب يحتل المركز الأول في صناعة البلور البوهيمي

كان الهم الأكبر لصناع الزجاج في بوهيميا هو الذهب، كما كان البحث عنه هو من الكيميائيين في العصور الوسطى، وعدم إستقرار هذا المعدن الثمين أثناء عملية نفخ الزجاج جعل منه عنصراً يصعب التعامل معه.

فكانوا يريدون طلي الأواني وتجليتها بالذهب، إلا أن هذه العملية كانت صعبة بالنسبة لهم، عملية الطلي من الخارج لم تكن ثابتة، لأن هذه الطبقة كانت تبلى وتزول مع الإستعمال.

والحل المنشود جاء من نفس البروسي الذي أبتكر اللون الأحمر الياقوتي حين لمعت في ذهنه فكرة رومانية قديمة وهي: “التذهيب بين طبقتي الزجاج” ومرة أخرى يتلقف أهل بوهيميا الفكرة التي تتلخص بعمل طبقتين من الزجاج، طبقة داخلية وأخرى خارجية. ويتم التذهيب ورسم ا لصور المطلوبة على سطح الطبقة الداخلية، ومن ثم يجري لصق الطبقة الخارجية فوقها بلصاق قوي، وهذه الطبقة تعمل كحماية للرسم المذهب وتحفظه من الزوال، أو التغير.

 

 

أحدث التصاميم والإتجاهات

بقيت صناعة الزجاج في بوهيميا تستجيب لأحدث التصاميم والإتجاهات، وقدموا نماذج لكل إنتاج جديد تقريباً في الأسواق المالية، لم يظهر إي إنتاج في أي مكان من العالم إلا وعملوا على تقليده تماماً وبشكل أقل تكلفة وأكثر جاذبية وإتقاناً. لقد عملوا على إنتاج كوب للحبيب من الزجاج وذلك تقليداً لكلو صنع من السيراميك أكثر تكلفة، وذلك قبل أن يكتشف الأوروبيون كيف يصنع السيراميك عند الصينيين. وعندما قدم صانع الفخار الإنكليزي “ويدج وود” آنية من خليط معدني أسود بلون البازلت، عمل البوهيميون على إنتاج نوع من الزجاج الأسود المحزز، ومنقوش عليه رسومات وأشكال تشبه أواني “ويدج وود”. كما وتم تقليد آنية “ويدج وود” الشهيرة ذات اللون الأخضر الضارب للسواد والتي تسمى
باليشب”، وذلك بلمينا البيضاء مع بعض أعمال الحفر، وفي القرن التاسع عشر ظهرت بعض الرسومات مع تفصيلات كلاسيكية جعلت من هذه الآنية جذابة للغاية.

هدايا تذكارية

تميز عصر “بيدرماير” بتطور صناعة الزجاج الت يكانت مثل أهم الصناعات المحلية في بوهيميا. وقد ظهرت نماذج من الأكواب الكبيرة ذات النقوش والرسومات التي تحفر عليها، الأحداث التاريخية. وأصبحت هذه المادة شائعة لدى الطبقات المتوسطة. ومنها تؤخذ الهدايا التذكارية التي كانت تباع في المنتجعات وحمامات المياه المعدنية والمناطق السياحية.

ومع نهاية القرن التاسع عشر، مهدت الصناعة الطريق أمام إنتاج الزجاج بشكل واسع لم يسبق له مثيل. إلا أن صناع بوهيميا، مثل معاصريهم في جميع أنحاء أوروبا عادوا إلى التقاليد الحرفية كرد فعل لسيطرة الآلة على التصنيع وكان من ذلك أنهم بدأوا  بالتعامل مع “طراز الفن الجديد” بحماس قوي.

وقد كان فن تشكل الزجاج الخاص بشركة لوينز محط تقدير واحترا بين أكثر الأعمال إبتكاراً في ذلك العصر مع أن هناك تأثيراً خارجياً آخر قد عمل على بث الشرارة الأولى للألهام الفني – والذي كان العامل الرئيسي لبعث هذه الشرارة هو  الفنان الأميركي لويس كومنغوث تيفاني الذي لا يضاهي في تصنيع الزجاج.

ولادة جديدة

ولكن عدم الإستقرار السياسي الذي رافق القرن العشرين، والذي شهد ولادة جمهورية تشيكوسلوفاكيا عام 1918، وإستيلاء النازيين عليها سنة 1939، وسيطرة السوفيات عليها بعد ذلك بعقد من الزمان، كل ذلك ترك أثاره الثقيلة على صناعة الزجاج البوهيمي، لقد أدى كل ذلك إلى تقطيع العلاقات الخارجية التي كان قد مضى عليها جيل كامل، لقد توقف الإنتاج أو تعثر نتيجة للحروب والصراعات السياسية. ومع ذلك فأن الإنتاج الجديد من الأعمال التجريبية المدهشة للجيل الناهض من صناع الزجاج التشيكي يبشر بولادة جديدة مع مجيء التطورات الجديدة لوسط أوروبا.

 

الترجمة عن مجلة فوربس

شاهد أيضاً

وبدأت مرحلة العمل المخلص والإمتحان الصعب ..

__كتب /سعيد فارس السعيد : ٦/ ٥/ ٢٠٢٤ _ منذ أن بدأت التحضيرات للإنتحابات الحزبية …