أصل تسمية الفينيقيين

الدكتور  إياد يونس

نسبت التوراة التقسيم العرقي تبعاً لأولاد نوح، سام، حام، يافث، وذكر فيها أن الآراميين، والآشوريين، والعيلاميين ينتسبون إلى سام، و أن الكنعانيين ينتسبون إلى حام.
غير أن هذا التقسيم غير صحيح وغير علمي، وقد أسقطته الاكتشافات الأثرية الحديثة. ولوحظ تأثر بعض المؤرخين بما ورد في العهد القديم، فتجاهلوا أصل الفينيقيين، وأدعو أن أصلهم، وتاريخهم، وتاريخ قدومهم إلى شاطئ المتوسط غير معروف. لكن كثيراَ من المؤرخين يذكرون أن الفينيقيين نزحوا من شبه الجزيرة العربية، واستقروا في السهول المنخفضة على سواحل بلاد الشام، سورية ولبنان وفلسطين، بينما استقر الكنعانيون في الداخل. وأثبتت المصادر التاريخية أن كلمتي كنعان والكنعانيون كانتا تعنيان قبل كل شيء فينيقية والفينيقيين.
والكنعانيون اسم يشتمل على عنــاصر مستقلة يمكن وصفها بأنها غير الآرامية، كالعموريين وغيرهم. وكان اسم كنعان حتى وقت قريب يعني (الأرض المنخفضة)، غير أن الاسم الآن أصبح مشكوكاً في أمره. وذهب كثير من المؤرخين إلى اعتباره أصلا غير سامي، وجعلوا الاشتقاق الجديد من كلمة «kinhhu» وهي كلمة حورية الأصل تعني الطبقة الأرجوانية. كما ورد اسم كنعان في نقش لتمثال ادريمي ملك ألالاخ في القرن 15 ق.م ووردت تسميةMa – atk – in – a nim مات كينانيم = أرض كنعان في لوحات من ألالاخ السوية الرابعة. كما ورد اسم الكنعانيين، بين الأسلاب والغنائم التي أظهر بها تحوتمس الثالث 1450 ـ 1425 ق.م في حملته الآسيوية الأولى. وورد الاسم بشكل «ki-na-ah-na» و«ki-na-ah-hi» و«māt-ki-na-hi»، في رسائل تل العمارنة ليشير إلى سواحل سورية وفلسطين كما وردت كلمة كنعان في صورة لغوية مشابهة في النصوص الأكادية، من منتصف الألف الثاني ق.م «kinakhni».
وفي الوثائق المصرية القديمة، وردت كلمة «kn<ny »، ويعتقد أن لها علاقة بكلمة «ki-in-a-nim»، الواردة في ألالاخ. كما وردت صيغة «kn<ny»، في النصوص الأوغاريتية.
ورفض بعضهم أن تكون هذه التسميات مشتقة من كلمة «kinahhi» الحورية، لعدم وجود أي دليل على أن هذه الكلمات لها علاقة بكلمة لون، ويرجعونها إلى جذر سامي ضائع هو «kn< »، ويعني حيوان رخوي أرجواني، لكن ليس هناك دليل أكيد على هذا الرأي ويذكر موهلي J.D. Muhly))، اعتماداً على سبيزر (E.A.Speiser)، إن «kinahhu» اسم محلي للبلد الذي اشتهر بانتاج الصباغ الأرجواني، الذي سمي «kinahhu». ويؤيد هذا الرأي أولبرايت (Albright ). وفي العبرية معنى كلمة כנעז بلاد الأرجوان، ومعنى كلمة « כְּנַעֲי » هو التاجر والمقصود تاجر الصباغ الأرجواني.
وأرض كنعان تعني أرض التجار. ويشير م.س استور، إلى أن لفظ كنعاني، ربما يكون قد اكتسب معنى التاجر في العبرية التوراتية، بسبب النشاطات التجارية الشهيرة للكنعانيين الفينيقيين. وهكذا فإن نظرية أرض كنعان التي كانت تعرف بأرض القصب، أو الأرض الغربية أرض غروب الشمس أو الأرض المنخفضة، أصبحت مرفوضة. غير أن موسكاتي ((S.Moscati يفسر لفظةkn<)) بأنها مجهولة الأصل، ويمكن أن تكون اسماً حقيقياً لبلد، و أن العلاقة بين صناعة الصباغ الأرجواني من صدف الموريكس، كانت موجودة مع كلمة «kinahhu» الحورية، وتطورت لتعني أن اسم الصباغ مشتق من اسم البلد. وتذكر المصادر التاريخية تسمية المناطق الواقعة شمال مصر بالـ «Retenu» أو لوتان، وقد أطلقت تسمية الـ «retenu» الأعلى أو أعالي الـ «Retenu» للإشارة إلى بلاد الشام. وأطلق على الساحل السوري اسم زاهي، كما سمي بمناطق الـ «Fnhw» الآسيويين. وقد ورد في بعض الوثائق المصرية هذه التسمية في نقش لرعمسيس الثاني من الأقصر. وإن إصطلاح «Fnhw» كما اعتبره H.Guidik يعني الأرض البعيدة دون أن يحدد معنى جغرافي دقيق لها، ثم انتقلت هذه الكلمة من المصرية إلى اليونانية
وربط عدد من الباحثين بين كلمتي «Fnhw»، و «Phoinix» التي أطلقها الإغريق القدماء على اسم الصباغ المستخرجة من الحيوانات البحرية، وهو اسم مجهول الأصل. واقترح ك. سيث K. Siethe، ان كلمة «Phoinix» لها علاقة وثيقة بالكلمة المصرية «Fnhw»، ويفسر هذا الاصطلاح بأنه يعني «قاطع الخشب»، إشارة إلى الفينيقيين الذين كانوا يقطعون الأخشاب من أشجار الأرز في لبنان لصناعة السفن. وأطلق الإغريق اسم «Poiniki»، على مصدر جديد من صوف مصبوغ بالأرجوان واسم «Poinikes»، على سكان الأرض الذين قاموا بهذا العمل. والحقيقة أن أصل فينيقية وفينيقيين على جانب كبير من الغموض، لذا تعددت آراء الباحثين والمؤرخين في شرحها، وقد استخدم الصيدونيين أحياناً للدلالة على الكنعانيين الفينيقيين، ويقول هوميروس: إن كلمة فونيكس «Poinix»، تعني العنقاء وهو طائر خرافي، وربما كان إشارة إلى الطائر الأحمر الغامق، أو ذي اللون البني، وهو بالتالي إشارة إلى الفينيقيين الذين كانوا ذوي بشرة بنية اللون لفحتها الشمس لكثرة أسفارهم.
وكلمة «Phoinix» شرحت عند الباحثين الإغريق القدامى بمعانٍ مختلفة، واعتبر معظمهم أن دلالة الكلمة للون الأرجواني، وهو المعنى الأساسي فيها، فاعتبرها بعضهم مشتقة من Phoinos لون الدم، وأقترح آخرون أنها تعني الصخور الحمراء التي تتاخم البحر الذي سكن الفينيقيون في الأصل على سواحله، بينما قال قسم ثالث منهم إنه وصف لمادة تستخدم في الصباغ، وأنها مأخوذة من كلمة Poiniki، التي تعني عندهم اللون الأحمر المستخدم في زينة العربات.
كما قال الرومان إن كلمة فينيقي تعني بوني(52)، وميزوا بين البوني الغربي، والفينيقي الشرقي، وأقروا بأن الاثنين من أصل واحد، وهكذا فتسميتا فينيقي وبوني ترجعان إلى تسمية كنعان.
وبما أن تسمية فينيقي أطلقت على الكنعاني مع بداية القرن 11 ق.م، فإن ذلك يفيد الباحث عن الحضارة الكنعانية الفينيقية في مسألة التحديد الزمني، الذي باتت تضمره التسميتان السابقتان، وتعبران عنه، وعلى سبيل المثال، مملكة أوجاريت التي انتهت في أواخر القرن 12 ق.م هي مملكة كنعانية، وابتداءً من القرن الحادي عشر ق.م يبدأ التاريخ الحقيقي للفينيقيين.
ومما تقدم يتبين أنه رغم تعدد الآراء، إلا أنها تصب في المعنى نفسه، وهو الصباغ الأرجواني الذي استخرج من صدف الموريكس، ولهذا أطلق الإغريق اسم Phoinos لوصف لون الصباغ، وسموا أولئك الذين عملوا في هذه المهنة بالـ Phoinikes الفينيقيين.
إلا أن الحقيقة العلمية الأثرية تقول: إن الكنعانيين لم يسموا أنفسهم كنعانيين، ولا فينيقيين ولا بونيين، بل كانوا يسمون أنفسهم بني كنعان، والدليل على ذلك ورد في نقش البرازيل:

هـ ح ن ا ب ن ك ن ع ن(57)
أي ها نحن بني كنعان.

وأيضاً كما ورد في نقش بيض ملك:

ق ر ز ب ن ي ك ن ع(58)
قر ذا بني كنع

أي القلعة هذه لبني كنعان.
وبالتالي فالشواهد الأثرية تبقى دقيقة، كما تبين معنا في النصيين السابقين.

مخطط تغيير اسم الكنعانيين إلى فينيقيين
«حسب النقوش أو الكتابات القديمة»

بني كنعان »ــــــــــــــ
ب ن ك ن ع ن
بني كنع
ب ن ي ك ن ع »ـــــــــــــــ الكنعانية

بني ك
ب ن ك »ــــــــــــــ
»ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فني خو
و خ ن ف »ـــــــــــــــ المصرية
»ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فينيكوس Φ Ι N I K O Σ »ـــــــــــــــ اليونانية اليونانية س و ك ي ن ي ف »ـــــــــــــــ

فونيكوس PH O N I C U S »ــــــــــــــ اللاتينية
اللاتينية س و ك ي ن و ف »ــــــــــــــ

بوني PONI « PHONI »ــــــــــــــ

شاهد أيضاً

معركة رفح هل تنقذ نتنياهو ومصيره السياسي…؟؟؟؟

بقلم :- راسم عبيدات من بعد عملية ال 7 من اكتوبر ،والتي ردت عليها ” …