كل (عالمٍ) وأطفالنا بخير!

محمد حمادة

المُقدمة…

المِيتافيرْس هي كلِمةٌ منحوتةٌ لـ Meta أي “ما بَعد” و verse “الكون”، أما القصد منها كتِقَنية في وقتنا الحاضر، هي خَلْقُ عالم إفتراضي على الشَبكة العَنكبوتِية للبيئات الإفتراضية ثُلاثية الأبعاد المُسْتَمرة والمُتواصلة.
ويمكن الوصول إلى هذه المساحة أو الفضاء الإفتراضيّين من خلال الواقع الإفتراضي أو الواقع المُعَزَز .

تَصريح…
نقولها وبِالفَمِ المَلآن الميتافيرس “metaverse” هي إكتشاف لبناني صَرف منذ أن أُسس لُبنان الكَبير، وتَمَّ على يَدّ أبنائهِ البَرَرَة البَالغين العاقِلين، ذوي الأهلية القانونية.
وقاموا في تَسْجيل (إختِراعهم) لهذا الواقع الإفتراضي الثُلاثي الأبعاد إن لم نَقُل أكثر، فبِمُجَرد تأسيس الجُمهورية اللبنانيّة، ومُنذ ذلك الحين إلى يَومِنا هذا يَتم تَطويره بِما يَخدم مَصالحهم الضيِّقة على وَجه الخُصوص، وصِراع البَقاء على وَجه العموم.

ولتأكيد ما هو مُفتَرض وفي كلام أقرب للواقع، إسمحوا لي أن أصطحبكم في رِحلة مُختصرة حَولَ لُبنان في مِئة فَصل، بين عالمَيّ الواقع الحِسّي والإفتراضي!

الفصل الأول…

في العالم الواقعي:
تَسْليم المُستعمر الفرنسي السُلطة في لبنان لِبَعض من أتباعِه وتَحتَ إشْرافِه، ليتفرغ لِحاله و أحواله، ولَمّلَمة جِراحِه وانتِكاساتِه الناتجة عن الحرب الكونية آنذاك، وَتَكوُّن النظِام العَالمي الجديد في حِينه.

أما في العالم الإفتراضي: إستقلال لبنان إنتصار لأصحاب الأرض ومن ثَمَّ تأسيس للجمهورية اللبنانية الأولى و الجمهورية الثانية والثالثة وفي أبعادِها المُختَلفة، جمهورية ذات سيادة وشأن لشعبٍ عظيم، حُر أبيّ وديمقراطي، من سهلهِ إلى جبله ومن بَحرِه إلى بــرّه، دُرّة الشرقين ويا ليل ويا عين الخ!!!…

الفصل الثاني…

في العالم الواقعي:
الدَمُ تجاوز الرُكَب! تناحُر موسمي بين الطوائف والمذاهِب وبين الأفرقاء الموتى منهم والأحياء، ويتجلى بين الفينة والفينة ما تَجود به علينا أيديهم من كرم اغتيالات وتصفيات موسمية، وأوضاع أمنية مُرعِبة (هِيتْشكوكية الطابع والأسلوب)، وبِطَبيعة الحال كل هذا يتم بعد انتهاء مشهد الإباحة في موسم السياحة!

في العالم الإفتراضي:
هو نموذج للعيش المُشترك والِسلم الأهلي، سابِقٌ لعَصرِه وَزمانِه، أقرب إلى المُعجِزة،
نَموذَج راقٍ يُحتذى به، مرجعية علمية تُدَرَّس في كُبرَيات المعاهد والجامعات الراقية، دَخَل التاريخ من أوسع أبوابه في كافة العلوم الإنسانية ونشوء الحضارات.
حتى يُهيَأ لك أن جميع اللبنانيين جِنس مُتجانس، واحد مُوحد كَفِرخِ دَبْكَة أكْتَافُ أصحابها كالبُنيان المَرصوص لِأحد عُروض كَرَكلَا…( وكلا وألفُ كلا)!!

الفصل الثالث…

في عالم الواقع:
لا وجود لمفهوم تَقبُّل الآخر، وعَدم قَبول الآخرين في أسلوب الحياة والمعتقد، ولون البشرة والهِندَام أو في اللهجَة والكلام جِزء لا يَتجزأ من الهوية الوطنية لدَيّمومة البقاء،
شَرِس وجَبان في آن، العُنصرية تَرَف والتَوحُّش هِواية، سلوك غَير آدمي، شاذ، لم يسبقه عليها أَحداً مِّنَ العَالَمِيْنَ .

أما في العالم الإفتراضي: اللبنانيون إخوة لِدرجة التَّوأمة السامِية، مَدّاحِين إطراء وغَزَل في مُعْتَقدات الآخر الدينية، لدرجة يُهيأ لك أنك أمام دين إبراهيمي واحد خالٍ من المذاهب والمِلَل ولم يطرَأ عليه أي تغيير، وتَقَبُل الآخر كَوِحدة حال، ناهيك عن التواضع والنَخوة والمساواة لأسلوب حياة بديهية مُتَجَذِّرة ومطبوعة في الجينات الوراثية! (جينات ع مَدّ النَظَر)!

الفصل الرابع…

في عالم الواقع:
تَلوثٌ على جَميع الأصعدة، بدءاً من التُربة والهواء مروراً بالبَحِر وما تَبَقّى من أنهار وماء، وصولًا لِحَرق متعمد للغابات والنِفايات، ويمكننا القول وبإيجاز أنه فَتْكٌ في عناصِر الطبيعة الأربعة (التربة والماء والهواء والوجه الحَسَن !!!!)

في العالم الإفتراضي: جِبال وسهول خضراء تَخْطُف الأنفاس، أنهار وبُحيرات ماء صافية زرقاء اللون، وبحر فَيّروزي وشطآن من ذهب، أما الإنتاج الزراعي فهو (خالٍ من المواد الكيماوية ورش المبيدات الحشرية وخِلافُه)، وقليل من نفايات يعاد تدويرها بِحرَفية عالية دون أي انبعاث للكربون الضار وكي لا نُبالغ هناك إنبعاث يكَاد لا يُذكَر، وماذا عَساي ان أخبِركُم عن جمال هذا العالم ومُدُنِه، صِدقاً شيئ لَطيف، كُنت أَوَدُّ لو كان باستِطاعتنا أن نُحَوّل هذا المشهد إلى واقع، لِنُشارِكَ الآخرين بما نَراه في عالمنا الإفتراضي هذا، رُبما يوماً ما عِندما يُزهِر المشمش وأنتم بخير.

الفصل الخامس…

فى عالم الواقع:
بالمختصر المفيد، الحُكم منذ تأسيس لبنان كِناية عن عَصائب مُنَظَّمة (مافيات)، والحق يُقال: أحياناً غير مُنَظَّمة أو مُنضَبِطة لأسباب خارجة عن إرادتها، مع المُحافظة على احترافية عالية، ولكي لا نُبْخِسَهُم حَقَهم، هناك أناقة دائمة في الهِندام، أناقة أكاد أجزُم أنه قَلَّ نظيرها في دور الأزياء العالمية، وبِدَل بيضاء ناصعة، تُعْمِي البَصَر والبَصيرة، أمّا السِلاح فحدث بِلا حَرَج هو الخَير الكثير مما تشتهيه الأنفس والقَبضات، سلاح لا يَنْضَب!

أمّا الأحزاب فَجَميعها مُستَوردَة مِن الخارج، مُعْفاة من الجُمرك والضَرائِب، مُعلَّبة ومُغَلَّفة بإتقان وبِأفضل المَعايير العالمية، ويُعاد تَصديرها أحيانا للخارج وبدون أي قيمة مُضافة !!!

في العالم الإفتراضي: حُكامٌ يَخدِمون أهلهم وناسهُم برموش العين، و الزَعيم ما هو إلا خادِم مُطيع للشعب عموماً وللعُمال والفلاحين خصوصاً، يَفْنون أعمارهم ويُضَحون بثَرواتِهم في خدمة أوطانهِم، سِياسيون مُحنَّكون، يَهَابُهم أعداؤهم ويُبَجِلُهُم أصدقاؤهم، لَهم مَكانة بين الأمم قَلَّ نظيرها، بل هُم واسِطة العِقَد، مَرجِعية في القانون والحُرِيات والمُساواة والعَدالة الإجتماعية ولهم بَصمة واضحة في حماية حقوق الإنسان والجَان على حدٍ سواء.

ومن هنا أترك لك عزيزي القارئ حرية الإستمرار بالإفتراض في الفصول القادمة كما تشاء.

أمّا الفصل المائة والأخير…

إلى ذاكَ اليوم الذى يُحَوِّل أطفالنا ما بِمُخَيلتهم وعالمهم الإفتراضي الجَميل إلى واقع أجْمَل
(الواقع فيه إفتراضي والإفتراضي فيه واقع).
إلى حينه، كل عَالَمٍ وأطفالنا بخير.

 

شاهد أيضاً

شباب لبنان …شباب العلم

/ابراهيم ديب أسعد شبابٌ إلى العلياءِ شدّوا وأوثقوا وطاروا بأسبابِ العلومِ وحلّقوا وقد ضمّهم لبنانُ …