حوار في الثقافة والسياسة من إعداد الإعلامي.. د. وسام حمادة

في زمن العولمة والإعلام المرتهن وترسيخاً لمفاهيم الثقافة والمعرفة الراقية والتي تعيش غربتها القاتلة تعيد مجلة كواليس وموقعها الإلكتروني نشر لقاءات ثقافية وسياسية كان قد أعدّها وقدّمها لفضائية الإتحاد الإعلامي، د. وسام حمادة عبر برنامج 24 / 24

 

ولقاء العدد مع الناشط السياسي رئيس تحرير مجلة الآداب الدكتور “سماح إدريس”.

 

عنوان الحلقة: “المقاطعة بين النظرية والتطبيق”

  

  أغنية بعنوان: ” عن انسان “

كلمات الشاعر: “محمود درويش”

ألحان وغناء: “د.وسام حمادة”

 

الأغنية: 

 

وضعوا على فمه السلاسل

ربطوا يديه بصخرة الموتى وقالوا: أنت قاتل

أخذوا طعامه والملابس والبيارق

ورموه في زنزانة الموتى وقالوا: أنت سارق

طردوه من كل المرافئ

أخذوا حبيبته الصغيرة ثم قالوا: أنت لاجئ

يا دامي العينين والكفين الليل زائل

لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل

نيرون مات ولم تمت روما، بعينيها تقاتل

وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل

 

 

-في هذا اللقاء نبحث في واقع ثقافي مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالحياة السياسية التي تتشكل من خلالهما حركة المجتمع بكل تناقضاته.

ضيفي مناضل حَدَّدَ بوصلة نضاله ووَجَّه كل جهده ووقته لتشكيل حالة تجميع للقوى التي آمنت بعدالة القضية الفلسطينية عبر ترويج وتفعيل مقاطعة البضائع والشركات التي تدعم إسرائيل، لإيمانه أن المقاومة والتحرير لا يكفيهما امتلاك البندقية لتحقيق النصر، بل أن هناك عدداً من الوسائل الداعمة للنضال المسلح ومنها المقاطعة والثقافة الحُرّة والعمل على حركة الوعي بين الشباب. وفي عالم الأدب والفكر نجح في إقامة جسر ما بين الفصحىة والعامية، والمُعَرّب واللغات الأجنبية، في رواياته كان التحدي الأكبر عنده هو أن يستطيع الكاتب إنشاء لغة حديثة،  لغة أقرب إلى الواقع، لغة لا تجعل الطفل يلجأ إلى الفرنسية أو الإنجليزية كل الوقت لكسب المتعة والرشاقة في اللغة.

قبل البدء بالحوار سنتابع معاً هذا التقرير لنتعرف أكثر على مسيرة ضيفنا العزيز الناشط السياسي الدكتور سماح إدريس.

 

 

 

التقرير:

 

سماح إدريس، شخصية على درجة عالية من التنوع والغنى، وأكثر ما يقول عن نفسه إنه يؤمن ويطمح لما يسمى المثقف الجماعي أو المثقف العام. حائز على شهادة بكالوريوس في الإقتصاد وماجستير في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأمريكية في بيروت، ودكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا في نيويورك.

تراه يترك أعماله ويتفرغ لتقديم أي دعم يستطيعه للشعب اللبناني أو لمناصرة الشعب الفلسطيني. .

سماح إدريس، داعم في كتاباته كل أشكال مقاومة الكيان الصهيوني، ومكثف نشاطه في إصدار أهم نشرة لمقاطعة المنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل.

فهو عضو مؤسس في حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان.

ولد في بيت وطني لأب مهتم بالشأن العام، يترأس تحرير مجلة الآداب، وهي مجلة ثقافية فكرية مستقلة ذات توجه يساري قومي علماني، حيث أنشئت هذه المجلة عام 1953 واستمرت حتى أواخر عام 2012، وبعد فترة وجيزة سوف تعاود نشاطها إلكترونياً، يكتب الأدب للأطفال والفتيان، وله كتابات في النقد الأدبي كتاب بعنوان رئيف خوري وتراث العرب، المثقف العربي والسلطة، بحث في رواية التجربة الناصرية، ويعمل لأكثر من ثلاثة عقود على معجم عربي مُطَول للغة العربية، يخوض معاركه على جميع الجبهات ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية والتطرف السلفي والمثقفين الإنتهازيين والمتقاعسين. إنه المناضل سماح إدريس.

-أرحب بالمناضل الدكتور سماح إدريس أهلاً وسهلاً بك.

 

الضيف: مساء الخير وشكراً على هذه المقدمة اللطيفة وأرجو أن أستحق جزءاَ منها.

-طبعاً أنت تستحق.

حضرتك ورثت النضال من بيت مناضل إن كان على مستوى الكلمة أو الفكر أوحتى على صعيد الشارع إذ أنك لم تتوانى يوماً عن نصرة كل القضايا وعلى رأسهم القضية الأساس فلسطين. وسأبدأ بفلسطين التي تعني الكثير الكثير لك وللمناضلين أمثالك.

أين هي فلسطين اليوم من نضال سماح إدريس وأمثاله؟ هل هذا التآكل العربي الداخلي عكس نفسه على القضية المفصلية التي تسمى فلسطين؟ أم مازال هناك بارقة أمل من خلال جيل تؤمن به ويُعَوَّل عليه في هذا النوع من القضايا؟

 

الضيف: أودّ التعليق على مسألتين، أولاً فكرة الأمل التي تكلمت عنها، وقد أفاجئك إن أخبرتك أنني لم أعمل يوماً على أساس الأمل لا بل أعتمد على عدالة القضية، وإذا كان “غرامشي” يقول: تشاؤم العقل تفاؤل الإرادة، أنا أقول: تشاؤم العقل عدالة القضية، أي أنه لمجرد أن تكون القضية عادلة فهذا بحد ذاته يدفعني إلى العمل من أجل فلسطين وغير فلسطين.

وهنا أذكر عبارة مهمة جداً للمثقف الباكستاني الراحل “إقبال أحمد” رحمه الله الذي كان يرددها دائماً (لا تضعوا رؤوسكم على الوسادة قبل أن تسألوا أنفسكم ماذا فعلنا اليوم لفلسطين) هذه الجملة الجوهرية يجب علينا أن نفكر بها قبل أن ننام. قد تقدم شيء من أجل فلسطين بشكل مباشر أو تتقدم خطوة عبر المقاطعة أو تقوم بخدمة إلى مجتمعك المحلي ليصبح أكثر عدلاً ويتمكن من مقاومة إسرائيل بأسلوب أفضل أو قد تكون كلمة فاعلة بحق فلسطين.

لكن للأسف لقد تراجعت قضية فلسطين بعد ما يسمى بالربيع العربي، ففي الفترة الأولى اعتقدنا أن الربيع العربي قد يكون مقدمة لإهتمام أكثر بفلسطين، وقد أخطأت حينها إذ أنني قمت بترويج فكرة العمل على إقامة مجتمعات ديمقراطية في البداية وإزالة التسلط والفساد مما يهيئ أسباباً لمواجهة أفضل مع العدو، ومازلت مقتنعاً بهذه الفكرة لكن للأسف لم نزيل الطغيان ولم نقترب أكثر من فلسطين عبر هذا التفكير الذي كان طوباوياً إلى حدٍ ما، أما الآن فأنا أعتقد أن هناك ضرورة لكي نُبقي فلسطين وقضيتها حتى ونحن نناضل من أجل مجتمع محلي أعدل، لأنه ليس هناك إمكانية للقيام بمجتمع لبناني عادل ومجتمع سوري عادل ومجتمع عراقي عادل وغيره إذا كنا نُحَيّد مسألة الصراع ضد الصهيونية والصراع ضد الإمبريالية، فمن المستحيل أن نبني نظاماً عادلاً إذا كان هذا النظام مرتبطاً بأميركا أوبإسرائيل.

 

 

-لكن اليوم هناك تنظيراً جديداً لدى بعض المثقفين وهو فصل القضايا عن بعضها البعض على اعتبار أن جعل فلسطين هي القضية المركزية من الناحية العربية أوصلنا إلى هذه السوداوية، ولهذا يقولون أنه على كل جهة أن تهتم بما لها من قضايا خاصة بها وبعد ذلك يتم تشكيل حالة معينة لمعالجة قضية فلسطين.

 

الضيف: ربما في فترة من الفترات قد آمنت بما تفضلت به، لكن كيف كانت النتائج!! فكل من فكر بسوريا أولاً وبلبنان أولاً وبالأردن أولاً وبمصر أولاً ووضع القضية الفلسطينة ومقاومة الإمبريالية جانباً فقد عَزَّز النزعة الإقليمية لا بل عَزَّز الإرتباط بأميركا والتطبيع مع إسرائيل، وهذا ضحك على الشعوب واستخفاف بالقضايا المُحقة، مثلاً أنا كلبناني كيف لي أن أكون على حياد من القضية الفلسطينية ولَدَيّ أربعمئة ألف لاجئ لا يحق لهم العودة إلى فلسطين!! كيف يمكنني أن أضع الصراع مع إسرائيل جانباً وأرض الجنوب مزروعة بمليون قنيبلة عنقودية!! كيف أتكلم عن سيادة لبنان وإسرائيل تنتهك سيادته براً وجواً وبحراً من حين إلى آخر!! كيف لي أن أقف على حياد من مسألة الصراع ضد إسرائيل وهي تقوم بالتجسس عليَّ في كل يوم وفي كل لحظة وتُدبر المكائد هنا أو هناك!! فكل هذه الأمور مترابطة والصراع ضد الظلم لا يمكن أن يُفصَل عن الصراع ضد الصهيونية، ولا يمكن أن يكون الصراع ضد الطائفية والمذهبية وغيرها منفصل عن الصراع ضد إسرائيل، مجرد أن نُحيّد مسألة الصراع ضد إسرائيل نكون قد غرقنا في مشاكلنا الطائفية والمذهبية.

 

-في ظل هذا المشهد العربي أرى أن إسرائيل هي الأكثر راحة وهي تتابع ما يجري عربياً وتضحك في قرارة نفسها إذ أنها حصلت على غايتها دون أن تبذل مجهوداً في سبيل إشعال النزاعات في الشارع العربي بعيداً عنها. فما رأيك بذلك؟

 

الضيف: للأسف يمكننا أن نعتبر أن هذه الفترة هي الأكثر راحة بالنسبة لإسرائيل لأنها تشاهد النزاعات العربية العربية، لكنها لم ترتاح كلياً بسبب انتقال المقاومة إلى صعيد آخر ألا وهو الصعيد العالمي وسنأتي على ذكر ذلك بالتفصيل. وكما تعلم أن تاريخ المقاومة الفلسطينية يخبرنا أنه كلما وقعت المقاومة في مأزق في مكان ما جغرافياً تحركت في مكان آخر، فحين وقعت في مأزق داخل فلسطين بدأت التحرك في بيروت، وفي العام 1982تم حصارها في بيروت فانطلقت الإنتفاضة في فلسطين عام 1987، واليوم تعيش المقاومة أزمة في غزة ورام الله وغيرها فظهرت حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل.

 

 

-وهناك إنتصار لبنان في تموز عام 2006 على العدو الإسرائيلي، وهو تتمة لِما تفضلت به.

 

الضيف: طبعاً.

 

-هناك الكثير من التساؤلات حول موضوع المقاطعة الذي يعتبر محوراً أساسياً من حركة ونشاط سماح إدريس، لذا أودّ أن أثيرها معك لأن هناك بُعداً كبيراً عن مفهوم المقاطعة وإحساساً باللامبالاة لدى المواطن بحيث يعتبره أمراً سخيفاً ولا يُقدّم أو يؤخر، وهناك انعدام لحركة الوعي عند المتضررين مباشرة مثل لبنان وفلسطين وسوريا، والغريب في الأمر أن حملة المقاطعة بدأت بشكل فلكلوري بقرار من جامعة الدول العربية واليوم بقيت بين يدي قلّة من المؤمنين بأهميتها ومتابعتها، بينما في أوروبا تجدها تكبر ككرة الثلج وبدأت ترعب العدو الإسرائيلي باعترافه وتصريحه بذلك. فأين هي المقاطعة اليوم من العالم العربي؟

 

الضيف: كما ذكرت دكتور في البداية كانت المقاطعة تتخذ طابعاً رسمياً بقرار من جامعة الدول العربية، وخلافاً لِما يظن الكثيرون فالجامعة العربية بمقاطعتها لإسرائيل ومقاطعة كل الشركات الداعمة لإسرائيل كَبَّدت الكيان الصهيوني بين سنة 1948 وسنة 1993 ما يُقدَّر بستة وتسعين مليار دولار.

 

 

-رغم كل هذا التخاذل العربي!

 

الضيف: نعم بالرغم من ذلك، وهنا لا بد من الإعتراف بأنه رغم كل مساوئ الجامعة العربية إلا أنها حين تتوحد في مواجهة العدو الإسرائيلي تستطيع أن تقدم شيئاً مهماً. واستكمالاً للأحداث ففي العام 1993 تم توقيع إتفاق أوسلو وكان حدثاً مفصلياً إذ أنه أنهى شكلاً من أشكال الصراع بين القيادة الفلسطينية المتنفذة والكيان الصهيوني، مما فتح باباً أمام الأنظمة العربية المستسلمة لتستسلم أكثر فأكثر وتعتبر أن قضية فلسطين هي قضية الشعب الفلسطيني وحده، وهذا غير صحيح فهي قضيتنا جميعاً لأنها قضية مواجهة الظلم الإسرائيلي المتحكم بلبنان والأردن  والعراق وتونس وكل المنطقة، وللأسف الذي حصل أن المقاطعة لا تتخذ مركزاً أساسياً في أجندة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية والقومية والإسلامية، وهذه مشكلة كبيرة.

 

-لماذا وصلوا إلى هذه المرحلة رغم أنهم يقاطعون العدو الإسرائيلي بالدم وكل الأحزاب القومية والإسلامية واليسارية وغيرها قدمت شهداء ولكن ما إن تصل المسألة إلى المنتجات الإستهلاكية تجد أنه لا وجود للمقاطعة. هل يعود ذلك لعدم إيمانهم بذلك أم أن الفكرة غير واضحة بالنسبة لهم؟

 

الضيف: أولاً هناك مشكلة وعي بمفهوم المقاومة وماذا تعني ثقافة المقاومة، هل هي شعار نطلقه ونقول أن إسرائيل شر مطلق ويجب محاربتها وبذات الوقت نستهلك منتجات شركة “نستلة” التي تدعم إسرائيل بشكل كبير جداً! وكيف يمكن أن نقاتل إسرائيل بيد وندفع باليد الأخرى أموالاً تغذي الإقتصاد الصهيوني! فهذا ليس واجب حملة مقاطعة إسرائيل وحدها والتي أنتمي إليها بكل فخر، ولا واجبي “كمثقف” فقط، بل هو واجب الأحزاب والدولة وكل القوى الوطنية وواجب الإعلام تحديداً، وهنا أتساءل عن أي وسيلة إعلامية في الوطن العربي لديها برنامجاً ولو شهرياً يتحدث عن المقاطعة! وأي مجلة وطنية أو قومية أو يسارية في العالم العربي لديها زاوية تكتب عن المقاطعة! فحين أتكلم عن المقاطعة لا أعني فقط المنتوجات لا بل أقصد الفن أيضاً الذي يدعم إسرائيل المتمثل باستضافة فنانين في مهرجانات بعلبك وجبيل وغيره كانوا قد أحيوا حفلات في تل أبيب وتغنوا بإسرائيل وبحبهم لها لا بل روجوا لمهرجان سياحي يقدم إسرائيل كقِبلة للحضارة والثقافة والغناء والعزف.

 

 

-وأيضاً هؤلاء الفنانون  يقومون بالتبرع بمبالغ مالية من عائدات الحفل إلى جهات إسرائيلية عدة ومنها المؤسسات العسكرية وكذلك يفعل الرياضيون.

والمفارقة الكبيرة أن كل النقابات الفنية في لبنان أجمعوا في حديثهم هنا عن عدم السماح لهم بأخذ ضريبة عشرة بالمئة التي كان قد أقرّها القانون من الفنان الأجنبي لدعم صندوق النقابة رغم الأوضاع الصعبة التي يمر بها الفنان اللبناني.

في هذا السياق ماذا تخبرنا عن مساهمتكم الفعالة في ترويج المقاطعة لهذه المهرجانات التي استضافت فنانين لهم علاقة بالعدو الإسرائيلي؟

 

الضيف: المقاطعة الفنية مسألة أساسية جداً لدينا، لأن الذي يعزف أو يغني داخل الكيان الصهيوني فهو يروج لفكرة أن الفن معزول عن الجريمة، أي أنه لا علاقة لهم بالمجازر التي تحصل في فلسطين وليس لهم علاقة بنظام الفصل العنصري الذي يُمارَس داخل أراضي ال48، وهذا تماماً ما تسعى إليه إسرائيل فهي تريد أن يعتبرها العالم كله أنها قبلة للفن والحضارة والثقافة وأن هذه المجازر هي عبارة عن خلاف سياسي داخلي يتم حله بينهم وبين الفلسطيني. لذلك نحن كنا حريصين ولدينا استراتيجية في التعاطي مع هذا الموضوع فكل فنان زار الكيان الصهيوني أو أدلى بتصريح يؤيد به العدو ومن ثم أتى إلى لبنان كنا نرسل له رسالة نستوضح منه ما إذا كان يعلم بما تقوم به إسرائيل كما كنا نوضح له ذلك وفي الكثير من الأحيان نجحنا في ثنيه عن الذهاب إلى الكيان الغاصب وهذا ما حصل مئات المرات مع فنانين عالميين عبر حملة المقاطعة اللبنانية والعالمية، وفي حال لم يتجاوب معنا نقوم بتشجيع الشعب اللبناني على عدم الذهاب إلى حفله في أي مكان كان في لبنان ونجحنا في ذلك مرات عديدة.

والآن نحن نعمل على أن تصبح بيروت عاصمة المقاطعة الفنية في العالم كأن نقوم بتحضير مهرجاناً كبيراً نجمع فيه فنانين ومخرجين سينمائيين ومُغَنين وموسيقيين لبنانيين للتوقيع على عريضة تقول: “نحن لن ندعم مجيء أي فنان إلى لبنان كان قد ذهب إلى الكيان الصهيوني”

 

 

-وأنا أعطي توقيعي لحملة المقاطعة الفنية.

على كُلٍ هذا الموضوع يجب إثارته بشكل كبير على وسائل الإعلام وكذلك على وسائل التواصل الإجتماعي الذي يشهد نشاطاً واهتماماً من جانبكم.

وهنا لا بد من السؤال، هل مازال هناك في العالم العربي منظمات من المجتمع المدني بإمكانها دعم هذه الفكرة؟ أم أنهم انسلخوا عن هذه القضية بحكم عدم وجود صراع مباشر مع العدو الإسرائيلي أو لأن أنظمتهم قامت بفتح سفارات وأصبح الواقع الإقتصادي مقبولاً إلى حدٍ ما؟

 

الضيف: في السنوات الخمس الأخيرة بدأ الوضع يتحسن إلى أن أصبحت الكويت وقطر أقوى بلدين في العالم العربي بعد لبنان الذي يُعَدّ في الطليعة بحملة المقاطعة إذ أن هناك نشاط لمجموعتين بالمقاطعة وبمقاومة التطبيع، ومؤخراً نجحت الكويت في إلغاء عقد ضخم جداً مع شركة مسؤولة عن تمديد سكك حديدية بين القدس الغربية والمستوطنات الإسرائيلية أي أن مجموعة من المجتمع المدني الكويتي استطاعت أن تضغط على الدولة لتوقيف هذا العقد الذي يُقَدَّر بأكثر من عشرة بلايين دولار. وفي مصر أُنشأ فرع لحركة المقاطعة العالمية. لذا أنا متفاءل من إمكانية عمل المقاطعة في العالم العربي.

 

-من هو رأس الهرم العالمي في حركة المقاطعة؟

 

الضيف: في العام 2005 قامت مئة وسبعون منظمة من المجتمع المدني الفلسطيني بما في ذلك الفصائل الفلسطينية باجتماع ووجهت نداءً إلى العالم بوجوب مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها تحت مسمى “BDS” باللغة الإنكليزية وناشدت العالم بأن يلتزم بهذه المعايير الثلاثة على أساس أن إسرائيل مازالت محتلة للأراضي العربية وليس فقط للضفة وغزة وممارستها لنظام الفصل العنصري داخل أراضي ال48 والأمر الثالث والأهم منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم وديارهم. وكانت هي المرة الأولى في التاريخ المعاصر التي تستطيع فيها قيادة مجتمع مدني فلسطيني أن تفرض أجندة العودة على المجتمع المدني العالمي. إذاً هناك الآن أجندة تغلغلت في المجتمعات الغربية ولكن بأُسُس فلسطينية وبقيادة فلسطينية التي هي قيادة المجتمع المدني المنفصلة عن السلطة الفلسطينية التي تمارس التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني.

 

 

-أريد أن أسلط الضوء على نقطة مهمة جداً تتعلق باستثمار هذا النشاط بشكل إيجابي عبر الوعي أو عبر فضح هذه المؤسسات التي تساهم في دعم العدو الإسرائيلي. وحسب ما علمت أن هناك محاولة لكي تدفع ثمن حبك لوطنك ولفلسطين ولعدالة القضية عبر رفع آل المر دعوى عليك لأنك ساهمت في تشهير بفرقة كانت قادمة إلى لبنان وهي من أكبر الداعمين للكيان الغاصب. أين أصبحت هذه القضية؟

 

الضيف: بعد عدة أيام من مجزرة أسطول الحرية أقامت فرقة تسمى “pIacebo” حفلة في تل أبيب وكان من المقرر أن تأتي إلى لبنان بعد ثلاثة أيام بدعوة من الأستاذ جهاد المر بصفته متعهد حفلات، حينها أجرينا مؤتمراً صحفياً أعلنّا فيه أن هذه الفرقة قامت بما يتعارض مع مفهوم مقاطعة إسرائيل المنتشر عالمياً لدى عشرات الآلاف من الناس، كما أن أحد الفنانين الأساسيين في هذه الفرقة كان قد أدلى بتصريح يؤيد فيه عملية التصدي للباخرة التي قامت بها إسرائيل والتي أودت بحياة تسعة ممن كانوا على متنها وإصابة العشرات. وهنا ادّعى جهاد المر علينا على اعتبار أننا سبب خسارته لعدد كبير من بطاقات الحفل، وهو الذي كان قد استضاف هذه الفرقة في العام 2004 وقام ببيع خمسة آلاف بطاقة أما بعد إجراء المؤتمر الصحفي في العام 2010 تم بيع ألفي بطاقة فقط وهذا ما دفعه للإدّعاء علينا، فكان الرد بعدم الإكتراث إذا كنا نحن السبب الأول في خسارته ولنا الفخر بذلك ونعاهدك ونتعهد لجمهورنا بأنه في المرة القادمة سنعمل جاهدين على أن لا يأتي أحد من هؤلاء الألفين، وهذا هو مبدأ من يناصر قضية العدل لذا عليه أن يقف حائلاً دون أن يأتي داعم لإسرائيل إلى بلدك.

 

-أليس لبنان ضمن المنظومة العربية وعليه أن يحميك كمواطن تعمل في حملة مقاطعة العدو الإسرائيلي وأن لا يقف في وجهك؟

 

الضيف: صحيح أن لبنان من ضمن المنظومة لكن هناك اختراقات كبيرة، وكان يجب أن لا يتقدم أحد على رفع هكذا دعوى.

 

 

-فإذاً ما هو جدوى القانون الذي ينص على مقاطعة العدو الإسرائيلي؟

 

الضيف: هو لا يعتبر أن الفن له علاقة بالمقاطعة ولا يعنيه إن قامت هذه الفرقة أو غيرها بعرض فني في تل أبيب ومن ثم أتت إلى لبنان فبنظره ليس هناك مشكلة في ذلك.

 

-إذاً أين المشكلة إن دعينا الناس للمقاطعة!

الضيف: تماماً كما هو لديه حق في الترويج والدعاية لحفلاته نحن أيضاً لدينا حق في الدعاية المضادة، كما يحصل قبل وبعد عرض أي فيلم فهناك صحافة تعتبره ممتازاً وتروج له وأخرى تنتقده وتذم فيه، وهذا حقنا الطبيعي في حرية التعبير.

 

-وهل مازالت قائمة هذه الدعوى؟

 

الضيف: لقد مَرَّ عليها أكثر من سنتين وقريباً سنطالب بإسقاطها لأنه لم يعد لها أي معنى، بالإضافة إلى أن المحكمة التجارية اعتبرت أنها غير معنية بهذه المسألة ونحن لا نحاربه سياسياً بل لدينا موقفاً سياسياً من هذا الموضوع.

 

 

-هذا يدل على أنكم ربحتم الدعوى.

أودُّ الحديث عن مجلة الآداب التي أسسها وترأسها الوالد “رحمه الله” وحضرتك أكملت المسيرة في رئاسة التحرير واليوم هناك مشروع لتحويلها إلى مجلة إلكترونية. أين أصبحت مجلة الآداب؟

 

الضيف: لقد توقفت مجلة الآداب عام 2012 لأسباب عديدة منها المادية، والسبب الأهم أنه لم يعد بإمكاننا الوصول إلى الجمهور المناسب، فبعد الأحداث السورية أصبح من الصعب دخول المجلة كما أنها ممنوعة في أغلب دول الخليج وذلك لأننا سليطي اللسان في مقاومة الرجعية العربية، فقررنا أن نحولها إلى مجلة إلكترونية وخلال خمسة عشرة يوماً سيكون أرشيف المجلة قد بدأ بالصدور، وهنا أتكلم عن ستين سنة من الأدب والثقافة والسياسة والنقد، وستكون متوفرة للجمهور ومجاناً، إلى جانب الآداب الجديدة التي ستصدر مرة كل أسبوع.

 

-برأيك العالم الإلكتروني سيُعَوض عن المجلة الورقية؟

 

الضيف: بالنسبة لمن هم في أعمارنا وأكبر مازالوا يحبون ملمس الورق ورائحته، لكننا سنستعيض عن ذلك بإصدار عدد سنوي ضخم يتضمن مقتطفات من بعض ما صدر إلكترونياً، وهذا العدد سيصدر في معرض الكتاب في بيروت آخر كل عام.

-لا بد من استعادة هذه المجلة المهمة والتي تركت أثراً وبصمة في عالم الثقافة العربية وتحديداً في لبنان.

في ظل المتغيرات واختلاف الرؤية والمفاهيم بين الأمس واليوم كيف سيكون توجه مجلة الآداب وهل لدى سماح إدريس إصراراً على التعاطي برومانسية مع اليسار والقومية والعروبة أم أن هناك إعادة تأهيل أمام الواقع الذي فرض نفسه على المشهد السياسي العربي وما نتج من تحالفات وأيديولوجيات إذا صح التعبير؟

 

الضيف: برأيي أن الثوابت الأخلاقية والسياسية لا تتغير، ما يتغير هو طريقة تقديمها للناس والتعبير عنها ومحاولة ملاءمتها مع الأوضاع الجديدة، ولكن هل سأنقلب وأرفض تحرير فلسطين! أو أنني لم أعد أريد محاربة المصالح الإستعمارية  والنهب الإقتصادي والفساد في بلدي! أم أن بناء نمط إنساني جديد من الإشتراكية بات مفهوماً موبوءاً لا يريد أحد أن يتعاطى به! كل هذه المفاهيم مازالت موجودة طالما أنه لم يتغير شيء.

أنظر إلى أميركا الموحدة وأوروبا التي توحدت لم يبقى إلا العرب فهل ممنوع عليهم أن يتوحدوا!

نحن نحاول أن نبني مفهوماً جديداً للعروبة وأطلقنا عليه إسم العروبة الجديدة وأقمنا تحت عنوانه عدة مؤتمرات مع أحزاب وفصائل ومثقفين من الوطن العربي، وهي محاولة بناء مفهوم جديد لا يستبعد الإثنيات والأقليات ويعطي حجماً مميزاً للمرأة وغير ذلك، لكن مازلنا نؤمن بضرورة وحدة العرب على أسس تقدمية وأخلاقية جديدة.

 

 

-فيما يتعلق بالفساد وما يجري في الشارع من حراك والذي يتطور يوماً بعد يوم، هل هذا المشهد مريح بالنسبة إليك وهل ترى أن الحجم الإيجابي فيه يغلب الحجم السلبي الذي يطفو على السطح؟ وهل تخاف من تكرار التجربة بعد إجهاض عملية إسقاط النظام الطائفي وخاصة أن هناك ترويج لوجود أصابع خفية قد تمتد إلى هذا الحراك لمصلحة مشاريع خارجية؟

 

الضيف: من يضع الخوف أمامه لا يمكنه أن يُغيّر شيئاً وسيراوح مكانه لا بل سيدافع عن الإستنقاع والفساد وعن الطائفية والمذهبية الموجودة في البلد.

كل عمل وكل مغامرة فيها نوع من المجازفة ومن الأخطار كالتي سميتها الأصابع الخفية، وأكبر رهان وأكثر إمكانية لتعطيل خطر الأصابع الخارجية هي أن تزيد من حجم تواجدك أكثر فأكثر، أما إذا تركت الأمور على ما هي عليه ولم تدخل في عمقها وتبرز ذاتك وتفرض أجندتك على المنظمين أنفسهم حينها سيكون هناك خطراً في أن يتدخل الأميركي والأوروبي والدول العربية الرجعية وتحرف المطالب المحقة عن أهدافها. وبدون أدنى شك أن النظام اللبناني أصبح مهترئاً وعاجزاً عن تقديم أي أمل وأي فرصة للشباب اللبناني الذي بات منقسماً بين منتسب للميلشيات ومهاجر. نحن بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة وإلى قانون إنتخاب جديد وإلى معالجة الأمور البيئية واليومية بطريقة صحية وسليمة. فإذاً لم يكن أمام هذا التحرك إلا النزول إلى الشارع لأن الأساليب الأخرى باءت بالفشل عبر المجلس النيابي وعبر الإختراق الذي قام به بعض الوزراء التقدميين داخل المؤسسة الحاكمة، وهذا الأمر طبيعي وديمقراطي، والمهم أن نبقى نحن كقوى وطنية وقومية وتقدمية ويسارية الأساس في هذا الشارع لكي لا نسمح للآخرين أو للدول الغربية التي لها مصالح في المنطقة أن تتدخل وتحرف الحراك الشعبي عن مساره في عملية تحقيق أهدافه.

-لكن اليوم نلاحظ أن هذه الشباب سبقت أحزابها وهذا الحراك يكبر بسرعة وقد شكّل حالة من الإرباك لدى النظام ومع ذلك مازالت الأحزاب متخلفة عمّا يجري. ما هو تفسير ذلك، هل هو عجز لدى الرؤية الحزبية أم أن هذه الأحزاب مازالت تراهن على جزء من هذا النظام؟

 

الضيف: هناك أمرين، الأول أن جزءاً من الأحزاب أصبح من النظام بما فيهم بعض الأحزاب التغييرية، والثاني أن التغييري يعاني من مشاكل داخلية لا حدود لها، وقد يرى أن المَخرج  الوحيد من مأزقه عبر الإنخراط في هذا الحراك رغم كل فصائله المشتتة، لكن هناك شباب يشعرون أن الأحزاب صيغتها مُتكلِّسة ولم يعد بإمكانها الإستجابة إلى طموحهم بالتغيير، لذا تراهم يطرحون ما هو أعلى من سقف أحزابهم ويحاولون الإندماج بأمزجة مختلفة.

 

-ألا يُشكّل هذا الأمر حالة من الخطر وأنت لا تملك قيادة ولامزاجاً موحداً ولا رؤية واضحة فبإمكانك أن تُعَلّي سقف المطالب كما تريد ولكن السؤال على ماذا سأحصل؟

 

الضيف: طبعاً هنا يجب أن يكون الصوت الأعلى للأشخاص الذين لديهم رؤية وطنية داخلية بالتنسيق بين مكونات الحراك.

 

 

 

-هذا الحديث أكثر من شيق لا بل مفيد ويجب تسليط الضوء عليه بأكثر من لقاء وفي فرصة قريبة جداً سنوسّع النقاش بهذه النقاط الأساسية الغائبة أحياناً عن الناس ومُغيَّبة من قِبَل أحزابها رغم أن العدو واضح جداً ولم يكن في يوم من الأيام بهذا الوضوح.

وفي ختام هذا اللقاء أودّ أن أشكرك على هذا الحضور الذي أغنى اللقاء برؤيتك وبفكرك النضالي من أجل فلسطين وعروبة فلسطين وتحرير فلسطين. ومن وحي الحديث سأطلق هذه القصيدة من كلمات الأستاذ بلال شرارة بعنوان عدوكم.

 

القصيدة:

 

عدوكم أمامكم

فماذا عن يمينكم وماذا عن يساركم

وماذا عن جهاتكم وماذا عن سمائكم

وماذا عن صباحكم.. مسائكم وليلكم

وماذا في أحلامكم سوى عدوكم

عدوكم فيما أرى يجتاح ماءكم

يجتاح ضوء الشمس في عيونكم

يجتاح نخلكم ورملكم ونفطكم

وزهركم ونحلكم

والمعلقات السبعة في قلوبكم

عدوكم من حولكم يجتاح ماءكم

عدوكم من حولكم يزهو على جبالكم

يُجرّح الآهات في وديانكم

يمتد في سهولكم وقمحكم

وخبزكم وملحكم

مادام إلا ظلكم يمشي كسيراً خلفكم

عدوكم أمامكم عدوكم أصنامكم

فحطموا الأصنام

وليس خلف خلفكم سوى بحر من الأوهام.

 

 

 

 

لمتابعة الحلقة مع الناشط السياسي رئيس تحرير مجلة الآداب الدكتور “سماح إدريس”.

 

 

رابط صفحة اليوتيوب لبرامج د. وسام حمادة ” 

 

https://www.youtube.com/channel/UC0AuXJduId6PcXIkK9x1phw/videos 

 

متابعة وإشراف: سهام طه 

إعداد وتقديم: د. وسام حمادة 

 

 

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …