المحافظة على نادي “الغولف” واجب وطني ومسؤولية بيئية

زياد سامي عيتاني

 

كأنه قدر بيروت والمناطق المتاخمة لها، التي تربطها بها صلة رحم وتواصل إجتماعي عميقين لدرجة التكامل والإندماج، أن تفقد تباعاً وبشكل مخطط له وممنهج، الكثير من معالمها الحضارية والتراثية، التي كانت عبر عقود من الزمن مفخرة لكل اللبنانيين، ومحط أعجاب وتنويه من كل الزائرين العرب والأجانب!!!
ما يدفعنا لهذا الكلام في هذا التوقيت، الجدل المثار حول “تغريدة” (نتمنى أن تكون مجرد ذلة إصبع على جهاز الهاتف)، بشأن تحويل نادي “الغولف” إلى محطة لإنتاج الطاقة بكل مخاطرها البيئية والصحية والسياحية على المحيط، ومن بينه “البيئة الحاضنة”!!!


ألا يكفي بيروت المنهكة والمتعبة ومحيطها ما عانت وما زالت تعاني من “ترمد” ويباس وتلوث وغطرسة إسمنتية متوحشة وغزو الأبراج الشاهقة والمباني وتعديات النافذين، على حساب المساحات الخضراء والحدائق العامة وشاطئها البحري!؟
هل بات نادي “الغولف” بعراقته ورمزيته كصرح رياضي وإجتماعي وإقتصادي-سياحي، فضلاً عن أنه يشكل مع الجامعة الأميركية نسبة 94% من المساحة الخضراء في بيروت الكبرى، هل بات غير مرغوب ببقائه، وبالتالي يجري الضغط من أجل إزالته!؟
ألا يدرك المتربصين بالنادي الوحيد المتبقي في لبنان المخصص لهذه اللعبة الراقية، أن لبنان سبق الكثير من الدول المحيطة، بإيجاد لعبة “الغولف” في لبنان، وأن اللعبة باتت تزدهر في العديد من الدول العربية كون لها أبعاد سياحية وبيئية وعقارية، إذ تؤثر في إرتفاع مؤشرات البلد الاقتصادية!؟
يشار في هذا السياق أن العديد من الدول العربية إستثمرت بلعبة “الغولف” عبر نشر أكثر من ملعب وإستقطاب سياح ليكون مقصداً سياحياً، وهو ما تتيحه اللعبة بعكس الرياضات الأخرى التي يكون فيها الملعب محدد القياس والحجم، ذلك أن ملعب “الغولف” فريد من نوعه ويختلف عن غيره بالمساحة.
****
ولتبيان عراقة هذا نادي “الغولف” وأهميته على الصعد كافة، لا بد من نستعيد تاريخه المشرق منذ البدايات حتى يومنا هذا.
فنادي “الغولف” تأسس عام 1923، لكن حدث تحول مهم عام 1963، إذ إتفقت إدارة النادي على إستثمار 200 ألف متر مربع، من أراض تخصّ “مديريّة الطيران المدني”، في الأوزاعي، ونقل النادي من طريق المطار القديم إلى الأرض الجديدة، بموجب عقد مزايدة رسا على النادي عام 1963 لمدة 15سنة، لقاء بدل قدره 1100 ليرة لبنانية سنوياً، وذلك بهدف تثبيت الرمول بالأعشاب، بعدما كانت منطقة رملية مهجورة،حيث تم الإتفاق على إستغلال هذه المساحة الرملية منعاً لتدهور الأرض، من خلال إستعمال تلك الأرض لممارسة لعبة “الغولف” والرياضات الأخرى، ريثما تتسنى للنادي إقامة الإنشاءات التي يحتاج إليها، بإستعمال بعض المباني والإنشاءات التي تملكها المديرية، ولم تكن تحتاج إليها يومها.
كان هدف المديرية يومها إتقاء الرمال التي تهبّ من تلك الأرض، ويُخشى أن تعرقل حركة الطيران.
يذكر أن النادي في حينه (1923) قد تأسس على يد دبلوماسيين متحمسين ولبنانيين مميزوين، لمواكبة حركة الحداثة، فعمدوا إلى شراء القطعة الأولى من الأرض قبل إستثمار البقية، وسُجّل النادي باسم “سبورتنغ كلوب أوف بيروت” وتملكت هيئة “الكلوب” الإدارية أراضي مطلّة على تلال من الرمل وأشجار الصنوبر في منطقة بئر حسن، التي كان الوالي العثماني ابراهيم باشا، قد سوّر بيروت بها في بدايات القرن التاسع عشر. ولاحقاً أصبحت تلك التلال “الرمل العالي” ومُسحت أشجار الصنوبر عن طريق المطار.
ويعد لبنان من أول البلدان العربية التي شاركت بالبطولات، سواء العربية بتأسيس الاتحاد العربي، أو بدول البحر المتوسط من خلال المشاركة بألعاب البحر الأبيض المتوسط أو الآسيوية و”بطولة الغولف العالمية”.
فبعدما كان إرتياد النادي بمثابة هواية، سلكت اللعبة طريق المأسسة، إذ تأسس “إتحاد لاعبي الغولف” في بداية السبعينات. ومن بيروت كان علم الدورة الأولى للبطولة العربية، حيث تأسس “الإتحاد العربي للغولف”، وبدأت المراسلات مع الدول العربية لتشجيعهم على المشاركة بهدف رياضي والإنصهار العربي، فأصبحت هناك دورة عربية، حيث تلتقي كل الأندية العربية سنوياً في بلد محدد.
يمتد اليوم على مساحة تقارب الـ425 ألف مترمربع، لتكون أكبر المساحات الخضراء الباقية في جنوب بيروت قرب “مطار رفيق الحريري الدولي”.
ولا يقتصر هذا النادي على “الغولف” فحسب، وإنما يحتضن أيضاً 7 ملاعب تنس، وحوض للسباحة، وصلات للألعاب الذهنية، ويستضيف العديد من البطولات الكبرى، سواء كانت محلية أو دولية، كما يقدم أيضاً العديد من الأنشطة الأخرى.
ويذكر أن ملعب “الغولف” كان يتألف من 9 حفر، حتى عام 1982، إلا أن الغزو الإسرائيلي هدم وتدمر ملعب “الغولف” بالكامل، ونتيجة الضرر الذي سببته الإعتداءات الإسرائيلية، إنجرفت المنطقة التي تحيط بملعب “الغولف” بشكل كامل، ما دفع مالكيها إلى بيعها، بحسب ما لفت إليه سلام، الأمر كان بمثابة فرصة حتى يشتري أعضاء النادي أسهماً في تلك الأرض، لتزيد مساحة ملعب الغولف من 9 حفر إلى 18 حفرة.
وإستغرقت عملية التوسيع وإعادة بناء ملعب الغولف سنتين، حيث إفتُتح في عام 1984.
يضم النادي حالياً نحو 900 عائلة مشتركة كأعضاء، مقابل اشتراك سنوي، شرط أن يلتزم أعضاء النادي بدفع اشتراك أولي عند التسجيل قميته 15 ألف دولار، كمساهمة في دعم النادي.
ويحق للأعضاء الاستفادة من مجمل الخدمات التي يقدمها النادي، وأهمها التدرب على ممارسة الغولف وغيرها من النشاطات الرياضية (التنس، السباحة واستعمال المطعم الموجود في داخله..). ويحق لجميع المواطنين ومحبي ممارسة الغولف التدرب واللعب مقابل مبلغ من المال.
كذلك يسعى النادي إلى إدخال لعبة “الغولف” إلى المدارس وتنظيم مباريات بينها، تؤهل كل تلميذ الحصول على بطاقة مجانية للعب الغولف في النادي…
****
إن الواجب الوطني والمسؤولية البيئية و”الروح” الرياضية” عند المسؤولين(!)، تقتضيان المحافظة على هذه المساحة الخضراء، وأن يبقى صوت المضرب لدى ملامسة الكرات البيضاء الصغيرة تتردد في سائر أرجاء النادي، ليبقى نادي “الغولف” وجهة سياحية، مرحباً بزائري لبنان عبر “مطار رفيق الحريري الدولي”، وملتقى للعائلات اللبنانية، وجعل اللعبة متاحة أمام جميع الفئات.
****
زياد سامي عيتاني

شاهد أيضاً

يمق زار مركز “الجماعة الإسلامية” في مدينة طرابلس معزيا” باستشهاد عنصريها

زار رئيس مجلس بلدية مدينة طرابلس الدكتور رياض يمق، مركز الجماعة الإسلامية في طرابلس، مُعزياً …