رسالة الى زعماء وحُكام هذا الوطن….

 

كطبيب…سافر وهاجر وزار المُدن المُتحضرة، عاين ،عاشر كل الأجناس البشرية وطاف …عالج أمراض القلب وأمراض الضغط وكل أشكال التضييق في الشريان وفي الصمّام وكلَ أشكالِ التصلّب والنشاف ….

يؤلمني أن أرى وطني لبنان، مريضاً…
يعاني من شتى أنواع العلل الاقتصاديّة، المالية، النقدية، السياسية، البنيويّة، الدستوريّة، البيئيّة، الاجتماعيّة، الصحيّة وازمة كيان…
أمراض شخّصها تقريبًا كل الخبراء ، عاينها كل النزلاء ، سمع بها كل الجيرة وتدخّل بها كلّ المبعوثين الدخلاء،
تتفاقم يومًا بعد يوم، وتبدو أعراضها جليّة عجز الجميع عن شفائها وعلاجها عِلماً أننّا شخصّنا الداء !!
لكنّني …..وا أسفاه!!
لا أملك لبلدي أي دواءٍ، ولا قدرة لي على تطبيبه، وأنا طبيب القلب الذي يجرؤ على ما لا يجرؤ عليه بعض الأشدّاء…
أعترف أنّي بلا حول ولا قوة…
ولكي لا يحترق قلبي برؤية ما لا طاقة لي على رؤيته، أجتهد في الهروب من وقت إلى آخر…. إلى بلدي الثاني فرنسا…
أتوكّأ على عكاز حزني، محاولًا تجاهل بعض ما يمرُّ به وطني من مآسٍ ومشاكل وأزمات…

هناك، أتجوّل في بعض القرى والمدن الإفرنسية، حيث لا روائح مجارير عاشورية “ايدن بيّة”، ولا أنفاق جهاد عربية “سليم سلامية” ، ولا نفايات سوكلينية أو كوستا برافية، أو برج حمّودية ….
لا إحتكاراتُ ادويةٍ وتخزينُ مازوتٍ وبنزينً وسوقٌ سوداء لتلك السلع الأساسية ولا مافيات متفلتةٍ وذئابٌ شاردةٌ تعبث في كل مكان!
ولا حاكمٌ بأمره فوق كل القوانين ولا جمعية مصارف تسرق وتنهب ودائع المواطنين بلا حسيبٍ او رقيبٍ او مُحاسبةٍ او حتى ايةُ إدانة في القضاء المتواطئ معهم جميعاً وفي تغطيتهم غارقٌ نائمٌ تائهٌ ولهان…
ولا مُحاصصة ولا فساد ولا هدر ولا جمعيات خيريّة وهميّة، لا محطات تكرير اسمية، ولا طوفان شتاءٍ…. لا حكّام بلا رحمة أو غفران… ولا ظلام فوق كل الأسطح وعلى كل الطرقات وعلى كل الجُدران …وملفات في المالية تتناتشها الجرذان .ولا…ولا…ولا..
هناك ألتقي بالكثير من أصحاب القرار في وطني… يلهثون خلف تقليد الغرب بالأزياء والعادات والمظاهر بكلّ شيء، إلا الحضارة!!
أنتم الذين يروق لكم أن تتجولوا في شوارع اية مدينة اوروبية مثلاً…لماذا لا تستدعون وزراء البيئة والتخطيط والأشغال والإتصالات والمواصلات وكل أهل القرار في لبنان ، لكي يتعلموا هنا كيف نبني الأوطان، وكيف يُحترم الإنسان لأنّه إنسان ومواطن، لا لأنه ابن فلان وقريب إلى علاّن وقريب هذا الزعيم وهذا السلطان؟
تعلّموا كيف نصون البيئة والشطآن…
كيف نزرع الأرصفة بشتى أنواع الزهور والورد وكلّ الألوان…
كيف يعوم البط (في بلاد الكفر)، وكيف يزهو الصفصاف والحبق والريحان…
في كل مكان وزمان ….
نعم ولنكرّرها جميعًا: مسؤولو بلادي حيتان حيتان حيتان ….
هدرٌ، فسادٌ، محاصصةٌ، فتنُ، سرقةُ، صفقاتٌ، سمسراتٌ بلا قناعة او شبع ودون اي حساباتٍ او خوفٍ من يوم الفرقان!!
تجعلك تسأل بحقٍ إلى متى يساق في دولتنا العبيد والغلمان؟ ويقيّد المُخلصون والشّجعان؟
ويبقى الجرحُ في قلبي سؤالًا موجعاً يُردّد:
آه من حُكّامك يا وطني يا لبنان!
آه من حُكّامك يا وطني يا لبنان!
آه من حُكّامك يا وطني يا لبنان!
زرعوا الحقد، زرعوا الفتنة، ردموا البحر اغتصبوا ضفاف النهر ونهبوا الشطآن…
تاجروا بأنفاسنا…لوّثوا الأرض والماء والريح وخرّبوا كلّ مكان!
حطموا أحلامنا، وقصفوا بأحقادهم كلّ البُنيان!!!
شرّدوا شبابنا والأطباء والمهندسين وكل الأدمغة والطاقات ولم يكتفوا بل توغلوا في ابشع عملية قرصنةٍ وتهجيرٍ وتنكيلٍ وطغيان….
فمتى نثور جميعنا عليهم بدل الإنتظار في طوابير الذلّ والقهر والهوان ؟
ومتى نكتبُ للخلاص منهم العنوان؟
هذه طغمة فاسدة مارقة نتنة تتلوّن بكل الأشكال والألوان..
نعرف أربابها بالأسماء والأقوال والأفعال وسنُعّلقهم قريبًا على الخوازيق وبعض الجدران…
مخوّنٌ من يصمت عليهم بعد اليوم ويضيّع فرصة الخلاص كان من كان…
مُنافق من يبكي جوعاً في الليل، ولا يشهر سيف المُطالبة بحقّه في الصباح…ويقلب الطاولة على هؤلاء الجرذان؟!
فرصة الخلاص التمعت في سماء أقدارنا…
فلنكتب تاريخنا بحبر الكرامة…
ولنُلقِ المجرمين في طريق السيل..
او في السجن وراء القضبان …..
سيل الكرامة انتفض يا وطني…….
وسوف يحملهم بعون الله أكبر طوفان……..
وليرمهم في مزبلة التاريخ أو في بحر النسيان ……
د طلال حمود
ملتقى حوار وعطاء بلا حدود

شاهد أيضاً

الفنان الفلسطيني سانت ليفانت يكشف عن أغنيته “قلبي ماني ناسي”

سانت ليفانت يقدم “قلبي ماني ناسي” بأسلوب موسيقي متنوع ومعقد رسالة عميقة ومؤثرة من خلال …