نم قرير العين يا مصطفى يا حبيب الروح

 

صديقة المرحوم زهراء ربيع قاروط

‎إنه اليوم الثالث على التوالي، أرنُّ على الهاتف علّك تجِبني بضحكتك التي اعتدتها، بمزاحِك المتواصل و تعجرفي المصطنع عليك و استغرابك لاعتراضي الدائم على طولِ شعرِك، و أحاديثنا التي ما نَهيْناها، التي وضعنا لها فاصلةً منقوطةً لتتحسن صحتك فنكملها، لو أنّي أوقفتُ عقاربَ الساعةِ و أعدتُها إلى آخر مكالمةٍ بيننا حين وجدتُكَ مرهَقاً من ثقلِ المرض فلم أتنفسْ ببنتِ شفّة و لم أجادلْكَ لأنّي للمرةِ الأولى رأيتُ ملامحَ التعبِ باديةً عليك و أحسستُ بألمك، توقعتُ أن يكون عارضاً بسيطاً ثم نُكمِل حديثنا المعتاد في اليوم التالي بكثيرٍ من الضحكِ و المزاح قبل أن أنهي المكالمة قلتَ لي “أنها المرة الأولى التي لم تجادليني بها ربّما أحرقتُ قلبك من ألمي”

كنت دائماً ما أسمعُ أنَّ فراق الصديق كفراقِ الأخ يذبل الروح و يكسر القلب، أنا الآن لست لا بذي و لا بتلك روحي تحترق، أغصُّ بملئ رأتاي بدموعي التي أبتلعها لكثرتها لأنها تباغتني و تُذرف دون توقف لأن الغصة بلغت ما بلغت من الألم و الحرقة. تلك الكلمات لا زالت عالقةً في حنجرتي تلك التي لم أقلْها و لم أحدّثُكَ بها و لم أخبركَ عن تفاصيلِ يومي و لم تخبرني عن سيارتِكَ المفضلة التي تحبها كما لو أنها زوجتك و مفضلتك و صديقتك،

عندما أُخبِرتُ بفراقك لقلبي للأبد أول ما خطر ببالي شعرُكَ الطويل بلهاء! كيف كنتُ لا أحبُّه أحسستُه مناسِباً جداً و كنت مخطئةً حينَ قلتُ لك أجمل شئ فيك ضحتكك البريئة لكني متعلقةٌ اليوم بخصلة واحدةٍ من شعرِكَ أفكر كيف كنت لا أحب هذه التفاصيل و كيف كنت انسيابيةً في الإنتقاد و لم تعلّق كلماتي في تموّجات خصلك،

أفتقدك كثيراً و أكثر ما يخيفني هو المستقبل و الأحداث الخالية منك، لمن سأخبر معاناتي، من سيداري طفولة انتقادي، من سيرتب عشوائية كلماتي في فوضى المشاعر، من سأنتظر ليهاتفَني أنّه انتقل لبيت جديد و أحب أن يريني أركانه، أنا مجهدةٌ لأني للمرة الأولى لن أعرفَ أركانَ المنزل الجديد الأبدي الذي أنت فيه و لا كيف تشعر ولا احتياجاتك فيه، هذا البيت الوحيد الذي لم أتوقع أن أكتشف معك دهاليزه، و لم أتمنَّ أن تُلحدَ به، “يا وسادة السرير ! يا حقيبة الثياب ! يا ليل ! يا نجوم ! يا إله ! يا سحاب ! أما رأيتم مسافراً لا يُحسنُ السفر”

قلبي عليك من يستمع لمخاوفك التي رويتها لي و لم تخبرها لأمك خوفاً على قلقها?!، من سيبعث لي الرسائلَ التي لن تصل رسائل الوداع التي جلست على صدري تعيقُ قلبي عن النبض،?! أليس من عادة المسافر أن يترِكَ رسالةَ وداعٍ أن يقول وداعاً للكروم و الحقول و الأحياء و الذكريات و المقاهي التي جمعتنا، أن يخبِّئَ في جدارِ الأماكن رسالةً تهدئ بركان قلب الفاقدين أليس من عادة المسافر أن يتكئ على حقيبة و يترك خلفه نظرة الوداع، ?!

لم أودعك هذا كل ما يؤذيني و يوجعني لم أحظَ بنظرتك الخلفية و ابتسامتك المشتاقة المرغمة على الفراق، و لم تحظَ والدتك بكلمة “الوادع” لم تحضنك و لم تقبل جبينك، هي الآن تمسك قميصك تقبله تعطره بمسك أنفاسها و تغسلك بدموعها، و تزغرد للذي أتى مكفناً لا يرتدي البدلة، لمن سكن باطن الأرض و لم يعطيها مفتاح بيته الجديد،

يا أمه ها أنا كما عهدني مصطفى إبنتك الثالثة و رمامةُ قلبك الذي تشقق على فراق إبنك أنا هنا لألملم نثار قلبِك و ألئمَ جراحك و أقول للذي عاهدني و رحل أمك بأمانتي و يداي هنا لتخبئ حزنها و قلبي هنا ليكون عكازاً لقلبها الجريح أنا سنداً لها حين كنت حياً و لا زلت سنداً في غيابك، إطمئن و نم بسلام يا صديق العمر.

من صديقة المرحوم زهراء ربيع قاروط الى روحه الطاهرة
نم قرير العين يا مصطفى يا حبيب الروح
الفاتحة♥️

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …