رحيل جورج ناصيف

✍️  بقلم: البروفسور. د. جان عبدالله توما

ختم جورج ناصيف جُرْحَهُ المفتوح على الدنيا، ليمضي خلف ندبات حياته، وقد كانت له جرن معمودية.كان هو هذا الطالع النورانيّ من الأشياء البسيطة إلى فرادتها.

ذهب جورج إلى اللغة، فكان صياد اللؤلؤ الماهر. يلتقط المحار عارفًا مكنونها النادر. كانت العربيّة عنده كسبحة راهب متبتل، في تمتمة صلاة وتهجئة روح توّاقة إلى باريها، يلتقط فتات كلماته من أفواه البائسين المشلوحينَ على أرصفة العالم.

كان ملتزمًا شؤون العالم في رسوليّة استلمها من نصوص آبائيّة، ومسلك حياة عيسويّة. كان يعرف أنّ المسيح الكونيّ يسقط الحدود والألوان والانتماءات، وأنّ هذه المسكونيّة أبجديّة تلتقطها من ملامح مؤمنين، إن رفعوا راحاتهم تضرّعًا، صاروا باسمه شعبًا مختارًا مقدّسًا، لأنّ الرُّكَبَّ المنحنيةَ هي واحدة في الدّعاء والصلاة والتبتّل.

كان من الفقراء للّه، وللكلمة الحلوة، البلاغيّة والإبلاغيّة. انطلق من حرصه على قدسيّة الكلمة، فكانت له طقوسه في الكتابة أو التعبير الشفهيّ. يختار مفرداته كما يختار واسطة العِقد لشغل إبداعيّ من درر لغويّة، صعب أن تجد لها صياغة متشابهة في النثر المتداول.

كانت اللغة ” نجاة” له من مطبّات كثيرة، فأناقة التعبير عنده تشي بأنّ الجملة لعبة فنّية تسهم في النهضة إن أردتَ، وقد كان من نهضويي هذه الانتفاضة الكنسيّة، ونفض الغبار عن غنى ما ورثَهُ المؤمنون من تقليد حيّ قائم على كرامة الإنسان وعلاقته بالسماء.

جورج ناصيف سمع صوت البوق الإلهيّ فتبعه، وهو المأخوذ منذ صباه بما لم تَرَهُ عينٌ، ولم تسمع به أُذن.

**غيّب الموت الزميل الصحافي الكبير جورج ناصيف بعد معاناة مع المرض. عرف بقلمه وأفكاره الحداثية على مدى عقود.
تنقّل في مسؤوليات جريدة النهار بين صفحة “قضايا” و”أديان” وقسم المحليات السياسية.

 

✍️ البرفسور. د. جان عبدالله توما 😉

شاهد أيضاً

“عامل”: تضرر مراكزنا بالقصف الاسرائيلي لن يثنينا عن واجبنا لتعزيز صمود أهلنا

*مهنا: نرفض انتهاك الاتفاقيات والشرائع الدولية وازدواجية المعايير في التعامل مع الارتكابات الاسرائيلية* بيروت، 17 …