شاطئ “الرملة البيضاء”.. “سان بلاش” الفقراء ومتنفسهم البحري!!! (٣/١)

 

زياد سامي عيتاني*

منذ منتصف القرن الماضي، كان ذوي الدخل المحدود والفئات الإجتماعية المتواضعة من الناس، الذين لم يكن بمقدورهم إرتياد المسابح الخاصة والفخمة وإنفاق بضعة ليرات للتمتع ببحر بيروت والإسترخاء تحت ظل الشماسي الملونة و التمدد على كراسي الإستلقاء، كان هؤلاء الناس يستعيضون عنها بالنزول إلى شاطئ “الرملة البيضاء” المجاني، الذي أطلق عليه البيروتيون إسم “السان باليش”(!)، كإشارة مسلية للدلالة على مجانيته، دون أن يخلو الأمر من التهكم والطرافة في نفس الوقت بالنسبة للمسابح الخاصة، التي حمل كثير منها أسماء القديسين، والتي لا تبعد عنه أكثر من عدد قليل من الكيلوميترات…


فهذا العظيم الأزرق الذي إكتسب زرقته من صفاء السّماء وجمالها، والمنطلق من شاطئ ذات رمال بيضاء-ذهبية، وُجد للناس جميعاً، لا سيما البسطاء منهم، لا أحد يملك البحر ولا أحد يستطيع أن يضع له نظاماً خاصاً به.. روح التجدد وذهاب الموج وعودته تذكر الناس الطيبين عن أنه ملك التجديد وغاسل أدران الحياة دائماً وأبداً، كيف لا؟! وهم الباحثين عن أمل جديد وإنشراح لرؤية الماء…
فالحياة بالنسبة لهم “ماء وضوء ونسمة”، حيث يأتيهم الفرح من على شط “الرملة البيضاء” مثل أسراب الأمواج المبتسمة المتدفقة إلى الشاطئ، مكان جلوسهم، ذلك الشاطئ الذي رسموا بدعسات أقدامهم المتناسقة والهادئة على رماله لوحة فنية تعبر عن حياتهم اليومية المنسجمة والمنضبطة مع موسيقى صوت الأمواج المتراقصة على أنغام الرياح التي تلامس زبدها، تحت أشعّة الشمس التي تشبه سنابل القمح المداعبة لشعر فتاة ذهبيّ أصفر لامع، تطيب النفوس عند رؤيته…
فعلى هذا الشاطئ، كان البسطاء من الناس العاديين الوافدين من أحياء بيروت الشعبية، يتأملون البحر وهو يأخذ ما يجول في داخلهم من هموم الحياة مع كل موجة تأتي وتذهب وتعلو وتنخفض مع تكرار المد والجزر، كأنها تحمل معها الإبتسامة والفرح، مبددة الملل والضجر، ومبشرة بحياة متجددة، بعدما تكون قد غسلت رواسب التعب والعناء والفراغ، رغم الصخب الذي يكتنف أهداب مدينتهم…
****

شاهد أيضاً

عروس النيل الفنانة لبنى عبد العزيز:

★خرج من بيتي العندليب عبد الحليم حافظ وانا أحمل سيناريو الفيلم. ★زمن جميل بكل الفنون: …