حوار في الثقافة والسياسة من إعداد الإعلامي.. د. وسام حمادة

في زمن العولمة والإعلام المرتهن وترسيخاً لمفاهيم الثقافة والمعرفة الراقية والتي تعيش غربتها القاتلة تعيد مجلة كواليس وموقعها الإلكتروني نشر لقاءات ثقافية وسياسية كان قد أعدّها وقدّمها لفضائية الإتحاد الإعلامي، د. وسام حمادة عبر برنامج 24 /24

ولقاء العدد مع أستاذة مادة التمثيل في معهد الفنون الجميلة الجامعة اللبنانية الممثلة “جوليا قصار” 

أغنية بعنوان  “بيروت” 

كلمات الشاعر: “المير طارق ناصر الدين” 

ألحان وغناء: د.وسام حمادة

الأغنية:

بيروت هاي بيروت ضمة ورد، سلة ياقوت

الجيران من أحبابا، كل الأهل أصحابا

ومين ما طرق عبابا بتقلو تفضل فوت

صار الوطن بيروت

جبال النسور جبالها، رجال العروبة رجالها

نيالها وشو نالها، بضل صافي بالها

عالبحر مرّ قبالها وعالشط مدّ خيالها

وصارت تعمر حالها وبيوت تغوي بيوت

بيروت هاي بيروت

يوم الحرب أم الغضب، يوم السلم نور وذهب

كل ما العرب بدن عرب عم يندهوا بيروت

بيروت هاي بيروت، أم الدني بيروت

بيروت هاي بيروت. 

– نلتقي بكم مجدداً أعزائي لنناقش في السياسة مع أناس احترفوا العمل السياسي، ونحاور في الحقل الثقافي من خلال مثقفين أغنوا الحركة الإبداعية بأعمالهم

ولهذه الغاية أستضيف أستاذة مادة التمثيل في معهد الفنون الجميلةالجامعة اللبنانية الممثلة جوليا قصار

أهلاً وسهلاً بكِ عزيزتي المبدعة جوليا قصار. 

الضيف: أهلاً بكم. 

–  ضيفتي الليلة ممثلة تملّكها الفن بشكل عام وخشبة المسرح بشكل خاص،  هي صاحبة إبتسامة دائمة عاشت معها وعايشتها، تتلمذت على يد كبار الأساتذة في معهد الفنون وعملت معهم في المسرح والتلفزيون والسينما، فتميزت بأدوارها وأدائها، كما أن لرؤيتها وقناعاتها الإنسانية حضوراً لافتاً في طبيعة اختيار الأنسب من الأعمال الفنية التي من خلالها تستطيع إيصال الكمّ الأكبر من المعرفة والجمال، وفي الحقل الأكاديمي هي الأقرب إلى طلابها، وكانت طبيعتها المنفتحة وعفويتها المحببة واحترافها للعمل الفني والأكاديمي سراً لنجاحها الدائم والمفتاح السحري الذي عبرت من خلاله إلى قلوب عشقت فنها وحركتها الإبداعية.

مجدّداً أرحب بكِ فنانتنا الجميلة جوليا قصار وسنحاول معاً في هذا اللقاء أن نمسرحَ خشبة هذا الفضاء عبر ذاكرتك الجميلة بين العمل الأكاديمي والعمل المسرحي والتلفزيوني والسينمائي والإذاعي، وخلف كلّ هذا الإبداع كان الرقص هو الهواية الأساسية.

الضيف: هذا صحيح. 

–  من السان كور التي هي مدرسة الطفولة، وحبها للرقص وتأثرها بكبار الفنانات انتقلت جوليا قصار إلى عالم الفن حيث أبدعت بعيداً عن الرقص.

هل البيئة والأسرة هما السبب في تغيير المزاج؟ خاصة أنك إبنة بيروت، ولذلك وجّهنا تحية لبيروت في بداية هذا اللقاء.

الضيف: تحية كبيرة لبيروت وأهلها.

على الرغم من أنّي كنت خجولة في طفولتي إلّا أنني كنت أحبّ التعبير بالحركة والرقص والإيقاع، علماً أنني لم أتابع دروساً بالرقص، ولكنْ، كان لدي ذلك الشغف الكبير بالأفلام والمسرحيات والرقص المعاصر والشرقي والكلاسيكي وحتى بالرقص الفلكلوري، وكان الرقص هو التعبير الوحيد الذي أنسى به خجلي حيث  كنت أتحوّل إلى إنسانة ثانية حين يطلب مني أن أرقص، واستمر حبي للرقص وخاصة لفنانات الرقص الشرقي في لبنان كجورجيت جبارة التي أصبحت فيما بعد أستاذتي في المعهد وناديا جمال وكلّ الراقصات الجميلات اللواتي كنّ في ذاك الوقت.

وحين علمت أن جورجيت جبارة تعطي دروساً في معهد الفنون أصبحت أريد الذهاب إلى المعهد علماً أنه لم يكن هناك حصة رقص شرقي، فقد كان هناك فرقة كركلا ولكنه غير مسموح أن أدخل وأرقص في فرقة راقصة، فكان من الأفضل لي أن أدرس المسرح فقط من أجل هذه الحصة الوحيدة في الأسبوع التي تعطيها جورجيت جبارة، وبالمناسبة لها منّي أطيب التحايا وكلّ الحبّ.

– وبدورنا أيضاً نوجّه لها التحية. 

الضيف: شاركت في المسابقة وتمّ قبولي للفن المسرحي، وحينها كنت أعمل في مجال التعليم فكانت المفاجأة أن وقت الدروس التي تُعطيه جورجيت جبارة لا يتوافق مع دوام عملي، فما كان منّي إلّا أن أستقل سيارتي وأتوجّه نحو منطقة الرينغ حيث استديو الرقص الخاص بجورجيت جبارة لأتابع هذا الصف، وكان ذلك أثناء الحرب.

–  طبعاً هناك مفهوم خاطئ لعملية الرقص، وما لا يعرفه الناس أن الرقص أحد أنواع الفنون المرتبطة بالفلكلور والتراث وما شابه، فالرقص ليس تلك النمطية التي اعتادها المجتمع العربي.

الضيف: إذا أردنا الحديث عن الرقص فهناك الرقص الصوفي حيث التواصل بين الأرض والسماء، وهل هناك أجمل من ذلك، وهذا النوع من الرقص يأخذني إلى عالم آخر، فالرقص تعبير بالروح والجسد عن أشياء لا تستطيع اللغة أن تُعبّر عنها، تماماً كالقصيدة التي تغنّيها حين تقترن باللحن الذي تعزفه على أوتار عودك تصبح أقرب للإحساس حيث يتمكّن النغم من إيصال ما لا تستطيع كلمات القصيدة أن توصله أحياناً مهما كانت جميلة.

  سنُكمل هذا الحوار الشيّق مع حضرتكِ ولكن بعد متابعة هذا التقرير الذي يُسلّط الضوء على تجربة فنانة أعطت الكثير على المستوى الأكاديمي والفني إن كان على المسرح أو التلفزيون أو السينما.

التقرير:

الشغف يقود الممثل في أدواره ويُعمّقه في الدور ليُقدّم أدواراً حقيقيةً وينجح فيها، فالكاريزما لا تُصنع ولا تُعلّم بل هي موهبة.

جوليا قصار .. ممثلة لبنانية تمتلك موهبة إستثنائية، تنقّلت بين المسرح والسينما والتلفزيون فقدّمت أجمل الأدوار بأداء منفرد وحضور قيّم.

ولدت قصار في بيروت حيث عاشت طفولتها في منطقة الجميزة، عام 1987 حازت على شهادة بكالوريوس فنون درامية من معهد الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية، ومن ثم نالت دبلوم الدراسات المعمّقة في الفنون السمعية البصرية  والمسرحية من جامعة روح القدس عام 2007 ومنذ العام 1998 تعمل قصار أستاذة في مادة التمثيل في معهد الفنون الجميلة.

في العام 1985 وقفت قصار لأول مرة على خشبة المسرح في عمل مع المخرج ريمون جبارة لتكُرّ بعدها سُبحة الأعمال بأداء دور البطولة مع الفنان منير كسرواني في إعادة تمثيل مسرحية بالنسبة لبكرا شو، ومن بعدها تنقّلت جوليا قصار بين المسرح والتلفزيون حيث شاركت في أول مسلسل تلفزيوني لها إسمه مبارك إضافة إلى مسلسل ثلاث بنات، لكن سرعان ما دخلت عالم الشاشة الصغيرة كمقدّمة برامج.

عام 1993 كانت تجربتها الأولى في السينما من خلال فيلم الإعصار لتشارك في ما بعد بفيلم شتي يا دنيا الذي نال أكثر من عشرجوائز عربية وعالمية، كما حصلت على جائزة أفضل ممثلة ثانوية في عدة دول عربية وأوروبية.

–  طبعاً هناك تنويه لأمر لم يذكره التقرير وهو أنكِ حصلتِ على جائزة على ذات الفيلم.

الضيف: نعم لقد حصلت مرتين على جائزة أفضل ممثلة بدور أساسي في فيلم شتي يا دنيا.

–  هل هناك لجان تُحدّد التسميات مثل أفضل دور، أفضل ممثل، أفضل مخرج؟

الضيف: طبعاً هناك لجان تشاهد كلَّ الأفلام التي تشارك في المسابقة وتقرّر مَن قد يكون أفضل مخرج أو أفضل عمل متكامل أو أفضل مونتاج إذا كنّا في السينما، أو أفضل عمل مسرحي مثل الديكتاتور الذي حاز على الأفضلية في الهيئة العربية للمسرح أثناء الدورة الخامسة للمهرجان.

– يعني هناك ضوابط للعملية؟

الضيف: طبعاً وذلك تحت إشراف أخصائيين، مثلاً في الفن المسرحي هناك كبار المسرحيين أو الممثلين أو المخرجين هم الذين يؤلّفون اللجنة التي ستنتقي هذه الأعمال وتُبلورها حتى تصل إلى عدد صغير وهذا العدد الصغير هو الذي يدخل في المهرجان مباشرة.

–  بما أن هناك الكثير ممّن لا يملكون الثقة بالحركة النقدية كما كلّ شيء في العالم العربي وفي لبنان، ممّا أدّى إلى إنعكاس هذه الحالة على الحركة التقييمية لأي عمل، إن كان على مستوى الغناء أو المسرح أو على مستوى التلفزيون والسينما، لذلك أسأل هل المعايير والمقاييس هي أكاديمية أم أنها أيضاً ترتبط بشبكة علاقات، أو أنها تعود لرأي الناس من حيث العدد الأكبر لمشاهدة أي فيلم رغم أن مستواه قد لا يكون ذات أهمية ولكنه نال إعجاب الناس لسبب ما.

هل لهذه الأمور تأثيرها أم أن الأكاديمية هي التي تحسم العلاقة؟

الضيف: هذه المسألة تعود للمهرجان بحدِّ ذاته،  أي أنه إذا كان جديّاً في عمله أو أنه يعمل لحسابات شخصية، وكلاهما موجود في الحركة الفنية، فهناك مهرجانات تحترم نفسها كثيراً وتبحث عن الجودة لكي تُروّج للأعمال الجيدة، ولدينا أعمال حازت على جوائز عالمية كفيلم شتي يا دنيا.

– لكن لم يُسلّط الضوء عليه

الضيف: لم يُسلّط الضوء عليه في لبنان. 

– هذا الأمر محزن إذ أن عمل الفنان المحلي لا يُسلّط الضوء عليه في بلده ولكنه في الخارج يُكرّم ويصبح على المستوى العالمي

الضيف: للأسف في بلدنا قد لا يستمر عرض الفيلم في الصالات لمدة أسبوع أو أسبوعين، إذ أنهم لا يهتمون بهوية الفيلم وأولوية عرضه، فهناك أهمية للفيلم الأجنبي أكثر من الفيلم اللبناني، لا بل يتساوى بذات المعايير كالفيلم التجاري الموجود، وعلى هذا الأساس يتم سحبه من الصالات بعد أسبوعين،  ومؤخراً تم اختيار الفيلم الأخير الذي صوّرته بعنوان ربيع في أسبوع النقاد في مهرجان كان بفرنسا والذي لم يُعرض بعد في لبنان، وأن يتم اختيار فيلم لبناني على ألف ومئة فيلم فهذا ليس بالأمر العادي حيث كان لدينا مشاركة مهمة جداً، ففي الخارج يكون لنا وجودٌ قويٌّ وكبير، وحين يُعرض في صالات السينما اللبنانية لا نسمع عنه أي خبر مما يجعلنا نتساءل أين هو هذا العمل ..!!

–  للأسف الشديد أننا نشاهد ممثلين ومخرجين لبنانيين يمشون على السجادة الحمراء في كان بالمهرجانات الدولية، وفي لبنان لا يحصلون على فرصة حتى لعرض الفيلم كما يجب.

الضيف: رغم أننا بأمسّ الحاجة لمشاهدة ما هو جميل إذ أننا في حياتنا اليومية لا نسمع سوى إنفجار هنا وخضة أمنية هناك، فكم نحن بحاجة لسماع ما يجعلنا نؤمن ببلدنا أكثر ويحثّنا على البقاء فيه، فهذه الأخبار الفنية والثقافية التي قد تُبعد الكثير من الناس عن هذا العنف السائد والذي أصبح موجوداً في كل أنحاء العالم وليس فقط في لبنان، ومع ذلك هناك أشياء جميلة هي التي تُهذّب الروح إذا أُلقي الضوء عليها، مما يجعل الناس يتابعون ويسألون .. ماذا تريد من هذه الحياة، فالفن هو الذي يبلور حالنا ويعيد للإنسان إنسانيته، وعدم تسليط الضوء على هذه الأعمال هو تضليل لثقافة المجتمع، وليست الجوائز هي المحور المهم في هذا المطلب بل الأهمية في إعطاء الحق للعمل الفني الذي نبذل التعب لأجله، لأنه من المؤكّد أن هذا العمل يريد مخاطبة الناس وتغيير ما يمكنه فيهم وإن كان حجمه صغيراً، والقليل من المثالية قد يؤدّي إلى غدٍ أفضل أو حاضر أفضل.

–  برأيكِ لماذا هذا البُعد عن الجمال أو عن الحركة الجمالية؟

الضيف: مع أنه في كلِّ إنسان هناك تطلُّع كما أن الأشياء الجميلة تبهره منذ صغره، فأنا لا أنسى أبداً أول وردة صفراء رأيتها في حياتي والتي خلقت لدي حالة من الدهشة جعلتني أسعى لامتلاكها وبعدها بدأت أبحث عمّا يُبقيها حيّة، إذًا، هذا الحسّ الجمالي موجود لدى كلّ إنسان.

– هل هذا الحسّ الجمالي محارب أم أنها هذه هي حركة الطبيعة؟

الضيف: أشعر أن هذا العنف السائد اليوم والذي نشاهده في كلّ دقيقة جعلنا نبتعد عن إنسانيتنا وقد تعوّدنا على هذه المشاهد، إذ أننا أصبحنا نسمعها كأي خبر عابر، وهي التي تُنمّي المناعة ضدّ الوجع الإنساني وتطغى على أعيننا بحيث لم نعد نرى شيئاً جميلاً، فأن تتآلف مع مشاهد عنيفة ومؤذية مسألة خطيرة جداً.

–  ما هو حجم الدور الذي لعبته السينما في تعويد العين والأذن على هذه المشاهد العنيفة؟ أي أنه قبل دخول العالم العربي في هذا الواقع المرير كان قد تمّ تنفيذه في السينما الهوليودية، حيث وصلنا جرّاء هذه الأفلام إلى مرحلة لا ضير فيها أن نشاهد مئة قتيل في الفيلم ولكن المهم أن يبقى البطل على قيد الحياة.

الضيف: صحيح أن السينما الهوليودية هي صاحبة الإنتاجات الضخمة، لكن أحياناً هناك حدوثة صغيرة ضمن الفيلم السينمائي تُضاهي الإنتاج الهوليودي وتترك أثراً أكبر وأعمق، لكن المشكلة في تفضيل الأجنبي على المحلي والترويج له.

–  ألا يجب على أنظمتنا التي لم تُقاوم ولو بالحدّ الأدنى عبر الفيلم أن تتحمّل مسؤولية؟ أي بأن تتبنّى هذا النوع من الأعمال التي هي سلاحٌ مضادٌ في وجه العبث الثقافي، ومن المؤكّد أنه لا يمكنكِ إبعاد كلّ ما يضخه هذا الشبح الهوليودي، لكن أقلَّ ما يمكن أن يكون هناك محاولات.

لماذا لا تكون المحاولة مع فيلمكِ عبر وزارة الثقافة التي هي معنية بتثقيف هذه الأجيال بشكل جمالي وإيجابي، وأنتِ ممن لديهم صوتٌ قويٌّ في هذا المجال؟

الضيف: المحاولة يجب أن تكون عبر عامليْن أساسيين وهما الأعمال الفنية المضادة كما وصفتها حضرتك وبرعاية المعنيين في الدولة والمناهج التربوية، فهناك عشرات الأعمال السينمائية المهمة للذين بدأوا من قبل ولم يَلقوا رعاية من أحد، كما أن هناك دوراً مهماً جداً يجب إقراره وتنفيذه في المدارس عبر إدخال مادة الموسيقى والرقص والرسم وغيرها من الفنون المُعبّرة والتي تُهذب النفوس تماماً كحصة الرياضة المفروضة في جميع المدارس، وكذلك يجب اصطحاب الطلاب إلى المسرح والسينما والحفلات الموسيقية الراقية لتكون جزءاً من تربيتهم، وهكذا يصبح هؤلاء الطلاب متذوّقين للفنون وفي المقلب الآخر نكسبهم كجمهور.

–  هذا أقلّ ما يمكن، فربّما يصبح هذا الطالب موهوباً.

الضيف: هنا دور وزارة الثقافة ووزارة التربية، علماً أنه كان قد صدر هذا القرار وبات إجبارياً في كلّ المدارس، وفجأة نكتشف أنه ليس كذلك، وهنا لا بدّ لي أن أستذكر الراحل الكبير والعظيم الذي أحبّه كثيراً وهو أستاذي ريمون جبارة إذ انه جسّد هذه الصورة بكلماته “من يتعلّم أن يرسم عصفورًا لا يمكنه بعد ذلك أن يقتله” فكم هو ضروري ومهم أن نبدأ من هذه المدارس.

–  للأسف نحن نعلّم أبناءَنا أن يرسموا بارودة لصيد العصافير ومن ثم بارودة لصيد الإنسان.

على كلٍّ أودّ العودة بالحديث معكِ إلى العام 1985 حيث كانت البداية مع الأستاذ الكبير ريمون جبارة رحمه الله، ومن الواضح أنه قرأ جوليا قصار جيداً حين طلب مشاركتك في صانع الأحلام، ماذا في جعبتكِ عن هذه المرحلة؟

الضيف: هذه المرحلة بالنسبة لي كانت عبارة عن صراع كبير، إذ أن أهلي كان لديهم خشية من وقوفي على خشبة المسرح مما جعلهم يرفضون الفكرة، إلى أن انتهى هذا الصراع بتحقيق الحلم وكانت البداية مع صانع الأحلام.

–  غالباً ضيوفي يأتون من مناطق بعيدة عن العاصمة بيروت كالبقاع والشمال والجنوب، فيكون السبب واضحاً في معارضة الأهل ووقوفهم سداً منيعاً أمام هذا الخيار، لكن الغريب أن يُمانع أهل جوليا إبنة بيروت عاصمة المسرح والسينما والثقافة في ذاك الوقت.

الضيف: هذا الكلام في العام 1985 أثناء الحرب، لم يكن لديهم مشكلة في دراسة المسرح ونيل الشهادة، بل كان موقفهم من خشبة المسرح.

 –  كان ذلك بسبب الحرب؟

الضيف: الحرب كانت سبباً وكذلك عدم رغبتهم بأن تكون ابنتهم ممثلة بكلّ بساطة، لكن بعد ذلك تمّ إقناعهم ومع الوقت أصبحوا هم جمهوري الأول وكانوا أول النقاد.

–  على كلٍّ هم من أهمّ النقاد.

بالعودة إلى المرحوم ريمون جبارة.

الضيف: إلى جانب ريمون جبارة أذكر أساتذتنا الكبار في معهد الفنون وهم أنطوان ملتقى، شكيب خوري، جورجيت جبارة، إيليا حاوي، موريس معلوف ولطيفة ملتقى، لقد خلقوا حالة فظيعة جداً رغم الحرب وأكملوا الدرب وناضلوا على طريقتهم في إكمال الأعمال المسرحية وبصحبة طلابهم، وحين أراد الأستاذ ريمون جبارة القيام بمسرحية صانع الأحلام، لا تتصوّر كيف تخطّينا الحرب وأدواته من متاريس وأكياس رمل وقذائف ولم نكترث لأيٍّ من المخاطر طالما سنكون مع الأستاذ ريمون لأن طموحنا كان أكبر من الخوف وإيماننا بعملنا أقوى من الحرب، لقد نقل أساتذتنا لنا هذا الشغف العظيم والكبير.

–  حين نتكلم عن حرب مثل الحرب اللبنانية اللبنانية أو إقتتال اللبنانيين مع بعض الجيران نستغرب أنه في تلك الفترة ما بين العامين 1985 و1990 كان هناك حركة مسرحية غنية، حيث قام زياد بأعمال مسرحية وتنقّل فيها بعدة مناطق، وكذلك الرحابنة قاموا بالعديد من الأعمال بالإضافة إلى حركتكم المسرحية وغيرها، مما يدل على أن الحياة المسرحية آنذاك كانت أفضل بكثير من هذا اليوم الذي اعتبرنا فيه أننا في حالة (هدوء نسبي) بين المتصارعين والمتحاربين.

ما هو هذا السرّ أو السحر الذي يُتيح لنا أن نقوم بإنتاج ثقافي جميل جداً أثناء الحرب إن على صعيد المسرح أو حتى في السينما حيث كان هناك عشرات الأفلام التي تمّ تصويرها في مناطق التماس، واليوم نجد أن هناك تراجعاً ملموساً عن تلك الفترة؟

الضيف: بعد الحرب مباشرة حصل نهضة مسرحية رائعة جداً.

–  استمرت لمدة خمس سنوات تقريباً.

الضيف: صحيح، فحين فُتحت الأبواب على بعضها البعض أمسك رفيق علي أحمد الجرس في مسرحيته وجال بها في كلّ بيروت، وأُعيد إفتتاح مسرح بيروت مع الأستاذ ريمون جبارة، لقد كان هناك حركة جميلة جداً في التسعينيات، وهنا نعود إلى حركة الأفراد، فمثلاً هناك لجنة فنون التي استلمت مسرح بيروت وقامت بهذه النهضة الرائعة التي أدّت إلى حوار فعلي كان مقطوعاً لعدة سنوات بين الجهتين من بيروت، ولم يتوقف الأمر عند عودة الحوار بين المنطقتين لا بل أصبح لبنان كله في عين المريسة، كما عدنا لاستضافة الفرق العربية وتعرّفنا على الكثير منهم في وقت قصير جداً، وبينما كانت عجلة هذه الحركة تسير بكلّ نشاط فجأة تراجعنا، هنا أقول لك أنّني كثيراً ما حضرت إفتتاح مسارح وإغلاق مسارح، دائماً هناك الهمّ المالي والتجاري الذي يريد أن يتغلّب على المبادرات الثقافية الموجودة، حتى النقاد الذين كانوا يواكبون هذه الحركة مختلفين عمّا نسمعه ونشهده اليوم.

– كانوا نقاداً حقيقيين. 

الضيف: نعم، أتذكّر حتّى حينما كنّا طلاباً قبل أن تفتح الأبواب والطرقات على بعضها، كان هناك حركة طلابية في مسرح مارون النقاش وكان مسؤولاً عنها الأستاذ أنطوان ملتقى، كانت أعمالنا تُعرض للجمهور ضمن التخرّج وبعده بحضور الصحافة لتغطية هذه الأعمال، لكن للأسف تمّ تسكير هذا المسرح.

–  هل خفّت الفردية في العمل؟ فمثلاً في تلك الحقبة التي تكلمتِ عنها لم يتوافر فيها أموال طائلة وكذلك في الثمانينيات ولكن كان هناك الفردية.

الضيف: صحيح، لكن فجأة نسمع بأن مسرح بيروت قد أُغلق بسبب إنشاء مبنى مكانه، وحتى الآن أين هو هذا المبنى ..! لم يتم إنشاءه وحُرمنا لعدة سنوات من مسرح بيروت، ذات الأمر حصل حين افتتحت نضال الأشقر مسرح المدينة، وهنا لا بدّ من توجيه التحية لها ولروجيه عساف على وجودهم ونضالهم المستمر، لكن هناك أمر مفقودا وهو عدم تسليط الضوء على هذا النضال الحقيقي الموجود يومياً، وقد تمّ إغلاق مسرح المدينة لإعتبارات لا ندري إذا كانت مالية أو تجارية، ثم عادت وقاومت وافتتحت مسرحاً آخراً، وهناك فنانون من الرعيل القديم الذين نعتبرهم رواداً لنا مازالوا حتى الآن يناضلون ويقاومون هذا المدّ الفظيع. والمضحك المبكي أنه كان هناك تلفزيونان يقومان بتغطية كلّ الأعمال المسرحية، واليوم أصبحت التلفزيونات والفضائيات لا تُعد ولا تحصى ولكن أين هم من هذا النضال ..!!

–  ولا يوجد تغطية توازي ربع ما كان يقدّمه التلفزيون.

الضيف: الأمر المحزن أنه لا يوجد إهتمام، ففي هذه السنة والسنة التي سبقتها كان هناك كمّ هائل من إنتاج الأفلام التي لديها مستوى، من أشار إليها ..! ومن سلّط الضوء عليها ..! ربما تمرّ مرور الكرام عبر الأخبار، بينما كانت التغطية سابقاً قوية جداً، هنا يمكنني أن أحييك على ما تقوم به في ظلّ هذا الإضمحلال الإعلامي بحق الثقافة عامة.

– شكراً جزيلاً هذا أقلّ من الواجب. 

لضيف: نريد أكثر من هذا، نحن لدينا إبداع ومبدعون، ولكنهم يتعذّبون ليستمروا، في هذه السنة كان المسرح يعجّ ويضجّ بالأعمال المسرحية ذات المستوى الجيد والرائع في مسرح بابل ومونو والمدينة وغيرها لكن من الذي يهتم فيها ..!

أين هي المحطات المحلية والفضائيات ..! ولماذا لا تخصّص وقتاً فعلياً طويلاً كما كانت الحال من قَبل ليُضيئوا على هذه الأعمال ترغيباً للناس، فهناك الكثير ممّن يقولون لي أين أنتِ ..؟!

منذ مدة طويلة لم نشاهدك على خشبة المسرح..؟! هم يتذكرونني ب “الخادمتان” .. والخادمتان مسرحية عُرضت في التسعينيات، ومنذ ذلك الحين حتى الآن قمت بما يفوق العشر مسرحيات ما عدا الأعمال الفنية الأخرى، وذلك لأنه ليس هناك تغطية قوية كتلك التي كانت تواكبنا سابقاً للأسف.

–  إستكمالاً لهذا الحديث الذي هو محاولة لإيصال فكرة أساسية، أنه رغم كلّ هذا المشهد الأسود الذي يساهم فيه من يساهم من كلّ الوسائل السياسية أو الإعلامية أو الثقافية أو غير ذلك، إنما هناك نقاط بيضاء تُسجل في عالم الثقافة، وهذا العالم ليس ضحلاً كما يحاولون إقناعنا، أما الأسباب فهي عديدة منها ما تفضلتِ به وخاصة فيما يتعلق بمن يهتم إعلامياً ويُرَوّج لهذه الأعمال، إذ أنه ليس من الممكن أن جوليا قصار لم تقم بأيّ عمل مسرحي منذ التسعينيات حتى اليوم.

من هو المسؤول اليوم عن إيصال هكذا نوع من الأعمال؟ ولماذا مثلاً فلان نُذبح على خشبة مسرحه يوماً بعد يوم من كثرة الترويج والحديث الإعلامي عن عمله، وحين نذهب إلى تلك المسرحية نكتشف أن هناك من الضحالة ما يُخجل وليس سوى هدر الوقت، في حين أنا أجزم أن هناك أعمالاً على مسارح لبنان اليوم منها ما يتمّ تحضيره وآخر يتمّ عرضه من الأعمال العالمية ومن الأعمال التي تمسّ الواقع اللبناني، ومع ذلك ما من أحد يُسلّط الضوء عليها.

لماذا هذا النوع من عدم التوازن، بالحدّ الأدنى بإلقاء الضوء عليها؟

الضيف: أولاً  ليس لدي حكم مسبق على أي نوع من الأعمال الفنية، أو لماذا يتمّ عرضه إن كان على المسرح أو غيره، ما أودّ قوله أن هناك مكاناً للجميع وكلّ إنسان لديه الحرية في أن يُعبّر كما يريد مهما كانت طريقة التعبير، أنا هنا لست ضد، ولكن المؤسف في هذا الموضوع أن يكون هناك سيطرة لنوع من الأعمال الضحلة كما وصفتها حضرتك والتي تسبّب الكآبة، هذه سيطرة على المشهد الثقافي، أنا مع حرية التعبير بكلّ الوسائل الفنية ولكنّني أرفض سيطرة التفاهة على حساب الأعمال الجيدة الموجودة.

–  أو الإنتقائية في هذا المجال.

الضيف: يجب أن يكون هناك نوعٌ من التوازن في عملية إلقاء الضوء على الأعمال الفنية، والمسؤول عن هذا الوضع أولئك الذين كثرت أعدادهم، لا بدّ من إيجاد سياسة عبر التنسيق مع وزارة الثقافة ووزارة الإعلام، نحن نريد إتاحة الفرصة لإيصال كلّ هذه الأمور وإعطاءها ساعات طويلة على الهواء، وأن يُخصّصَ لها برامج كبرنامجك هذا، وإن كانت موجودة في القانون الإعلامي يجب أن تُطبّق، وإذا طُبّقت هذه الأمور تكون جزءاً من الحل، كما أنه من غير المقبول أن تسيطر التفاهة في الأخبار التي يتمّ تداولها الآن عبر وسائل التواصل الإجتماعي، أيضاً يجب أن يُخصّص مواقع لهذه الأعمال الجيدة، فمثلاً حضرتك افتتحت هذا اللقاء بأغنية تحاكي فيها بيروت وجمال بيروت وأهل بيروت، فآخر عمل شاهدته يلقي الضوء على شخصية بيروتية .. لعليا الخالدي، عنوانه عنبرة وهو عمل رائع، وقد جدّدوا له مرّة ثانية، لأن الناس يخبرون بعضهم البعض، وعنبرة سلام إبنة بيروت التي كانت إمرأة جريئة ومتحرّرة بالفعل، وكانت شخصية بارزة ورائعة كما شاهدناها على المسرح بشكل جمالي رائع، هكذا عمل يجب أن تتمّ الإضاءة عليه أكثر فهي جزء من تاريخنا ومن تاريخ بيروت لا بل من تاريخ لبنان، يعني لدينا الكثير من العمل لنضع أعمالنا على السكة الصحيحة.

–  حضرتكِ كنتِ نائب رئيس النقابة سابقاً وعضواً فاعلاً فيها وأمينة صندوق وناشطة، أنتم كفنانين كم تتحمّلون من المسؤولية عن هذا الواقع؟

الضيف: لقد بقيت أربع سنوات ونصف تقريباً، حينها قمنا بتجربة قانون المهنة، وفي عهد الوزير تمام سلام أُقرّ هذا القانون وسيتم تطبيقه، وأنا لست موجودة في النقابة منذ سنوات، وكما يقال (يد واحدة لا تُصفق)، وقد انقسموا إلى نقابتين منذ فترة طويلة وهذا الأمر أضعف الجسم النقابي مما جعلنا في حيرة ولا ندري لمن نستجيب وكان ذلك في التسعينيات، وإذا لم يكن هناك آذان صاغية لتلك المطالب ماذا بإمكانهم أن يفعلوا لوحدهم ..!

الفنانون هؤلاء، يقدّمون من وقتهم قدر الإمكان لكي يقولوا ماذا نريد وما هي سُبُل تحسين هذه الأمور.

–  لماذا نقابة الفنانين في الخارج بإمكانها أن تمارس كلّ حقوقها من أجل فنانيها؟ ومثال على ذلك نقابة الفنانين في مصر التي تقوم بفعل كلّ شيء إذا مسّ أحدهم بحقوقها.

الضيف: ذلك لأن هناك تواصلاً فعلياً، أما نحن حين انقسمت النقابة ضعُفنا، فالحرب لم تستطع أن تُقسّم النقابة لكن من بعد الحرب انقسمت.

–  مع الأسف تمكّن السلم من تقسيمها.

الضيف: صحيح، فالذي يُطالب يحتاج لمن يسمعه ويكون لديه إحساس باتجاه هذه المطالب وعليه أن يتفاعل معها.

–  فإذن عليكِ الإنتظار طويلاً.

الضيف: للأسف هنا المشكلة.

–  في بداية حياتك الفنية لفتني مشاركتكِ مع الصديق العزيز منير كسرواني الذي نوجّه له التحية حيث قمتم بأداء مسرحية “بالنسبة لبكرا شو” هل هي ذات مسرحية زياد؟

الضيف: هي إعادة لها.

–  ما الذي خطر ببالكم؟ ولماذا طالما زياد موجود؟ الضيف: المخرج منير معاصري هو من اقترح ذلك حينها، حيث كانت بيروت غربية وشرقية في العام 1987، فقال أن هذه المسرحية تعوّد الناس على سماعها دون أن يشاهدونها،  ومن المؤكّد أنه اتفق مع زياد الرحباني على إعادتها .. ويأخذ حقوقها

قمتم بأدائها في ذات المناخ.

الضيف: نعم ولكن بعد عشر سنوات، فزياد الرحباني قدّمها في العام 1978 .د ونحن أديّناها في العام 1987.

– ونحن شاهدناها في العام 2016.

الضيف: أنتم شاهدتموها في الفيلم وهي الأصلية.

– حين شاهدتِ الفيلم هل شعرتِ أنك قمتِ بأداء دوركِ في المسرحية طبق الأصل؟ أم أنه كان هناك رؤية ثانية؟

الضيف: لقد كنت مثل العديد من الناس ومتشوّقة لمشاهدة هذا العمل الذي لعبته ولم أتأثر كثيراً حين سمعته، فكلّ الذين هم من عمري سمعوها دون أن يُشاهدوها، والمضحك أنه كان هناك الكثير من الطلاب موجودين أثناء التدريب مع الشخصيات الرئيسية، وما إن نبدأ بمشهد إلّا ونسمعهم  يرددون الكلام قبلنا لأنهم حفظوا كلّ مقاطع المسرحية عن ظهر قلب وذلك لانهم تأثروا كثيراً بزياد الرحباني وأقصد طلاب الجامعة اللبنانية الأميركية 

– على كلٍّ هناك أجيال تأثرت عبر السمع بهذه المسرحية وبكلّ مسرحيات زياد.

أريد العودة معكِ إلى طبيعة عملكِ، أنتِ بين السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة يتضّح حضوركِ وشغفكِ للمسرح في بعض الأماكن وحتى في عدد الأعمال حيث نكتشف أنكِ تقومين بإعطاء الوقت الأكبر للمسرح، أين تجدين نفسك أكثر بين هذه الأماكن الفنية التي هي بالنسبة للمتلقي وللمشاهد أنكِ ممثلة، لأنهم لا يعرفون أن هناك خصوصية لكلٍّ من هذه الميادين الفنية؟

الضيف: في السنوات الثلاث الأخيرة أكثر أعمالي في ميدان السينما، يعني آخر مسرحية كانت لي هي الديكتاتور.

–  وهي من المسرحيات المهمة والتي نالت عدداً من الجوائز.

الضيف: نعم ولقد تكلّمنا عنها. أما أجمل النصوص فهي تعود للمسرح، وأجمل الشخصيات التي ممكن أن تركبّها موجودة في المسرح، لكن الحلم أن تقوم بعمل سينمائي لأنه يبقى في الذاكرة أكثر، بينما المسرح يبقى في ذاكرة الذي شاهده، يعني أنت شاهدتني في هذه المسرحية وكانت جيدة أبقى في ذاكرتك ومن ثم تُمحى، لأن هذا التواصل الحيّ بين الممثل على خشبة المسرح والمشاهد هو سحر المسرح.

– صحيح لكن المسرح في لبنان في فترة من الفترات خفت مثل كل شيء جيد في هذا البلد بعكس حركة المسرح في الخارج، علماً أنه كانت الأعمال المسرحية تتحول إلى أفلام، يعني مسرحيات فيروز نحن لم نشاهدها مباشرة ولكن معظمها شاهدناها عبر الأفلام.

الضيف: صحيح، لقد تمّ تصوير الكثير من الأعمال المسرحية أيضاً لكن المضحك أن كل الأعمال المسرحية من المفترض أن تكون في ذاكرتنا، حسناً هل شاهدت يوماً ما أي مسرحية من المسرحيات الحديثة على شاشة التلفزيون؟!

–  لا لأن هناك شيئاً أهمّ مثل الشونسونيه وما شابه.

الضيف: دون نقد للشونسونيه.

 – أنا لا أنتقد.

الضيف: لكن أنا دون أن أنتقد.

– سأقوم اليوم بمخاطرة وأكون ناقداً.

الضيف: أنا أحبّ أن يعرضوا الشونسونيه وليس خطأ.

– فليعرضوا الشونسونيه لكن عليهم إعطائي الفرصة في أن أشاهد شيئاً آخر.

الضيف: طبعاً.

فسحر المسرح في التواصل مع المشاهد مباشرة، وبذلك يصبح العمل ليس بالأمر السهل، حيث يجب أن تكون في هذه اللحظة موجوداً مهما كانت حالتك النفسية والجسدية عليك أن تكون بجهوزية تامة لهذا الإنسان الذي ترك بيته وأتى خصّيصاً ودفع ثمن البطاقة ليجلس ويشاهدك في المسرح، وهناك يوجد إحساسٌ رائعٌ في المسرح ليس موجوداً في السينما، وهو أنك في المسرح أنت سيّد الخشبة والمسرح لك ولا يمكنهم أن يقصوا منك شيئاً، علماً أن المسرح والسينما هما الوسيلتان الأفضل لدي من التلفزيون.

وفي السينما مهما كنت جيداً هناك متطلبات الفيلم وإيقاع الفيلم وطول الفيلم وبإمكانهم أن يقصوا وأن يأخذوا الجهة التي يريدونها، بينما أنت على المسرح يعني العالم كله لك وللجمهور.

– كم يؤثر على حضور الفنان عدم ظهورك على شاشة التلفزيون في مسلسلات كباقي الممثلين؟

الضيف: حين يقولون لي لم نركِ منذ فترة طويلة، هل تركتِ التمثيل؟ وذلك لأنه ليس لي إطلالة تلفزيونية منذ مدة، فالتلفزيون وسيلة ترويجية مهمة للممثل، لكنّني لم أرغب أي نص بعد الشحرورة وخاصة أن وقتي مليء جداً، فبين التعليم والمسرح والسينما قد يكون لدي فرصة أن أختار عملاً تلفزيونياً أو أرفضه، وحتى الآن لم أجد ما أتحمس له لكي أقول للناس أنا ما زلت موجودة.

–  ما الذي يحكم العلاقة باختياركِ للنص؟ أي ما الذي يجعل جوليا تقول أن هذا النص كُتب لي؟

الضيف: الحكاية بكلّ بساطة، أي أنّني حين أُخبرك حكاية لا يجب أن تغفو بعد دقيقة، بل عليك أن تقول لي أريد أن أسمع المزيد، تماماً كألف ليلة وليلة.

–  نحتاج من يكتب ألف ليلة وليلة في هذه الأيام.

الضيف: أقصد أن خبريات شهرزاد أنقذوها من قطع رقبتها، وذلك بسبب التشويق في القصص، وأظن أن هذا معياراً أساسياً.

–  هل طالت تجربتك في الإذاعة؟

الضيف: لقد كانت بشكل متقطّع وهي عبارة عن تقديم برامج، في البداية قدّمت برنامج في السينما، ومن وقت لآخر كنت أقدّم برامج ثقافية، وأستغرب حين يطلبونني لتقديم فقرة معينة، ففي إحدى المرات طُلب مني أن أقدم برنامجاً في تلفزيون لبنان بعنوان “كل يوم كتاب” فقلت لهم أنا لست إعلامية، ردّ عليّ الأستاذ فؤاد نعيم – الذي أوجّه له تحية – من قال لكِ أنا أريد إعلامية، أنا أريد ممثلة تخبر الناس وتشوّقهم بما يجعلهم يحبون قراءة الكتاب، وكان عبارة عن مُلخّص.

فمن وقتٍ لآخر كنت أتحوّل إلى إعلامية يعني ممثلة تلعب دور الإعلامية.

–  جميل، فنانتنا الجميلة جوليا قصار أريد أن أختم معكِ بسؤال لأن الوقت مع الأسف داهمني.

الضيف: هذا مؤسف بالنسبة لي.

–  حضرتكِ أكاديمية وأنتِ الأكثر قرباً إلى طلابك وهذا سرّ كلٌّ يعترف به .. جميعهم، وأنا مسؤولٌ عمّا أقول.

بم تتوجّهين ولو ببضع كلمات لهؤلاء الطلاب الذين تأثّروا بكِ وهم يمشون على هاتي الخطى؟

الضيف: حين نتكلم عن الأمل، أقول الحمدلله أن هناك طلاباً رائعين، وهم بشغفهم وانضباطهم وحبّهم للمهنة أعتقد أنه سيكون لدينا غدٌ أفضل.

وأقول لهم تمسّكوا بفرديتكم، ولا تتشبّهوا بأحدٍ، بل تشبّهوا بأنفسكم، وابقوا متمسّكين بحلمكم، واسعوا .. واعملوا واعملوا واعملوا… وأحبّكم…

–  على أمل أن يبقى هذا الحبّ مستمراً ودائماً، ومن المؤكّد أنه سيبقى، أودّ أن أشكر حضوركِ الجميل، لقد كنتِ إضافة جميلة في عالم الإعلام اليوم عبر رؤيتكِ وتجربتكِ الغنية. أهلاً وسهلاً بكِ دائماً في هذا الفضاء.

الضيف: دعني أقول لك (الله يكتر أمثالك)

– شكراً جزيلاً لكِ سيدتي شهادة أعتزّ بها من أستاذة مادة التمثيل في معهد الفنون الجميلة الجامعة اللبنانية الممثلة جوليا قصار.

لمتابعة الحلقة مع الفنانة ” جوليا قصار 

رابط صفحة اليوتيوب لبرامج “د. وسام حمادة”

https://www.youtube.com/channel/UC0AuXJduId6PcXIkK9x1phw/videos

متابعة وإشراف: سهام طه

إعداد وتقديم: د. وسام حمادة

شاهد أيضاً

تطبيق Truecaller.. حفظ للأرقام أم خرق للخصوصيّة؟

هل فعلًا يمكن لأي استخبارات التجسّس منه على مكالماتنا؟ وكيف يعمل؟   د. جمال مسلماني/ …