نداء حب وإخاء إلى كل إنسان من أي طائفة أو معتقد أو من أي منعطف كان


بقلم: أحمد فقيه

أخواتي وأخواني الأعزاء:
أنا إنسان مثل أي إنسان، وأعتبر الجميع أخواني وأنظر إلى الجميع كما أنظر إلى نفسي. وكل ما يؤذي أو يزعج أياً منكم يزعجني ويؤذيني. وإني أأسف جداً وأتألم كلما رأيت أو سمعت أن هناك فريقين يتقاتلان ويدمران بعضهما البعض لدرجة أنني سئمت الحياة التي لم اعد أرى فيها سوى القتل والشجار والعداء والدمار، ورسم الخطط القتالية وبث الفتن والسموم بين الفئات والطوائف، وأن جميع الذين يُقتَلون أو يَقتُلون هم من (بني جنسي) ومن أخواني وأخواتي..
وهنا أطرق برأسي متسائلاً: لماذا الإنسان يقتل أخيه الإنسان، أو يعمل على تشريده وتشريد أطفاله، ويعمد إلى تدمير سكناه ليحل محله، ثم يضطر الطرف الآخر للرد محاولاً إسترداد ما سلب منه. ويعيش الطرفان في حالة من القلق والإضطراب. أو العمل على تدبير ورسم المؤامرات والمؤمرات المضادة لقضاء فريق على الآخر.
الوهم يغشى الأبصار ويسيطرعلى العقول:

وبعد تفكير وتمعن فيما يجري، أرى أن كل ما يحصل هو عبارة عن “وهم” يسيطر على الإنسان، فيقوم أحدهم بإفتعال أمر ما، أو إثارة مفهوم معين مختلف عليه كوسيلة لإشعال النار بين أطراف مختلفة، وذلك لسبب يريد أن يحققه ولو ذهب ضحيته آلاف القتلى ودمار عشرات ومئات البيوت والمؤسسات. وهذا العمل يَسوق في طريقه هذه آلاف المناصرين “وهماً”، ويقف في المقابل آلاف الرادعين، ويقضي الطرفان عشرات السنين من حياتهم في قتال وقلق، هم وأطفالهم وعيالهم.
وفي مثل هكذا حالة، ألا يمكن لأحد من الطرفين، وخاصة الباديء بإفتعال الحرب، أن يقف ويسأل نفسه” لماذا أنا أقاتل وأُقتل، ؟!” وإذا راجع الباديء بالقتال نفسه، وقارن بين أن يعيش بين أخوانه وجيرانه، من هم مثله (من بني البشر)، لو عاش بينهم بسلام وصفاء وتعاون وسعادة بدلاً من تلك الحالة التي وضع نفسه وأولاده وعياله ومن حوله فيها، تلك الحالة التي يغلب عليها القلق والتوتر المرافق للخراب والدمار والقتل والتشرد، عندها قد يرى أيهما أفضل له ولمن حوله.
وللأسف الشديد فإن أياً منا ينظر حوله، في أيامنا هذه، فلا يرى أو يسمع إلا عن حروب مشتعلة، أو أخرى على وشك الإشتعال، وهناك مؤمرات ومخططات لإيقاع هذا أو ذاك في مصيدة ترسم لهم، وهم بالمقابل يحاولون الإفلات من تلك الخطط التي تحاك في الظلام الدامس.
وإزاء هذا الوضع المؤسف جداً، والذي لا طائل من ورائه سوى الدمار والخراب والقلق وعدم الإستقرار لجميع الأطراف، يمكن إستخلاص أن الإنسان ليس بحاجة لكل هذا القلق وإغراق نفسه في هكذا وحول دموية لا نهاية لها، وبالإمكان تجنبها بكل سهولة إذا عملنا عقولنا في الإتجاه الصحيح. فكما رأينا فإن الحروب والنزاعات تقوم إما لأسباب أنانية (أي حب التسلط والإستفراد بالآخرين وفرض السيطرة عليهم)، أو لأسباب مادية (أي الإستحواذ على ما لدى الآخرين من متاع وموارد)، أو لأسباب عقائدية (أي فرض ما يعتقده البعض وما يراه من رؤى على الآخرين بقوة السلاح).
وهذه الأمور الثلاثة المسيطرة على معظم الفكر الإنساني يمكن حلّها واستيعابها بتعقل وحكمة وخاصة أن الإنسان هو الكائن العاقل الوحيد في عالمنا الحالي، وقد مُنِح من العقل والفكر ما يجعله يبتكر العديد من المعجزات، وهذا ليس خافياً على أحد:
فإذا كان الدافع إلى الحرب والقتال هو الحالة الأولى، أي حب السلطة والأنانية، فليدرك الإنسان أنه مهما علا واستبد واستكبر وشمخت قصوره واتسعت سلطته. سيذهب في النهاية كغيره ويطمر في حفرة لا يتعدى حجمها بضعة أقدام، وتأكل جسده الديدان وصغار الحشرات. وأوضح مثال على ذلك ما تتناقله الأجيال المتعاقبة عن النمرود الذي حكم العالم بأكمله، فلم يكفه ذلك، فصعد إلى السماء للإستيلاء عليها وإخضاعها لسيطرته وجبروته. فواجهته وهو في طريقه البعوضة، وهي من أصغر مخلوقات هذا الكون وقضيت عليه. وذهب إلى غير رجعة كما ذهب غيره، وهكذا..
والآن نرى ما يحيط بالعالم بأكمله من مخلوقات قد لا ترى بالعين المجردة، وقد أذهلت الإنسان وأجدت أن يقفل عليه أبوابه ويستكين، لعله يتعظ.
والآن نرى ما يحيط بالعالم بأكمله من مخلوقات قد لا ترى.. وإذا كان سبب الحرب هو الحالة الثانية، وهو حب الإستيلاء ووضع اليد على ما لدى الآخرين من متاع وموارد ومقدرات، فيمكن للإنسان العاقل المفكر أن يعلم بأن هذا سيكلفه ويكلف غيره الكثير من الأرواح والممتلكات والتي قد تفوق ما يعتقد بأنه سيستولي عليه، وقد يخسر في النهاية كل شيء. وهذا الوضع سيبقيه في حالة من القلق والذعر وعدم الإستقرار كما حصل مراراً سابقاً وكما هو حاصل الآن لدى كثير من المناطق في العالم مع أن معظم الذين يتقاتلون ويتحاربون الآن كانوا قبل فترة يعيشون سوياً متحابين متعاونين ويزورون ويساعدون بعضهم البعض، كما حصل للحرب اللبنانية بعد سنة 1975 واستمرت سنوات عديدة راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى والدمار. ولو وقف كل واحد الآن وسأل نفسه لماذا نشبت واستمرت تلك الحرب؟ وهل ذلك السبب يستحق كل تلك الضحايا؟!! ونظراً لما يشغل العالم اليوم من هيجان وتوتر، فإن الخطر قد ينال الأقاليم الأخرى ولا يستبعد أن يعم العالم بأكمله!!!… فلننظر فيما نحن ونعتبر ونتعظ.. وإذا كنا جميعاً نعرف أن الشيطان هو عدو للإنسان فلماذالا نسمح له أن يدس أنفه بيننا، ويعمل على خرابنا وزعزعتنا.
من هنا، أرى أنه بالإمكان التغلب على هذه الحالة من حب الإستيلاء والإقتناص بشيء من التعقل والتفكر، وذلك بأن تتعاون الشعوب والجماعات فيما بينها عن طريق التبادل التجاري والتعاون في مجال الصناعة وغيرها من المجالات الأخرى الحيوية. وكل جهة تحافظ على حقوقها ضمن أطر متفاهم عليها من التعاون والتواصل والتشاور والمحبة.
أما إذا كان سبب إندلاع الحروب والنزاعات هو إختلاف العقيدة وتباعد في الآراء والأفكار والتوجهات، فإن هذه الحالة، وإن كانت تبدو أنها الأصعب، إلا أنه يمكن أن تكون الأسهل والأيسر في تفادي الإنزلاقات. والصعوبة هنا تكمن في أن العقيدة غالباً ما تنشأ من التفكر غيبية غير ملموسة بشكل واضح لدى الجميع، فكل فرد أو جماعة يفسرون الأمور وفق ما يرونه أو ما يتراءى لهم. والمشكلة هنا تكمن في أن البشر عادة مختلفة القدرات والتوجهات، وكل فرد أو جماعة ينظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، ومن ثم يعطيها تفسيرات مختلفة كذلك ومن هنا تنشأ المشاكل والنزاعات وقد تصل إلى الحروب والدمار والخراب لأن كل فرد أو جماعة يصل إلى إعتقاد ما يرى أنه الأصوب ويريد أن يفرضه على الآخرين ولو بقوة السلاح. والآخرون يعتقدون نفس الشيء، ولكن من منظور آخر. وما دامت الإعتقادات مختلفة، فلا بد هنا من أن يقع النزاع والقتال وما يتبع ذلك من دمار وخراب.
والتغلب على هذه الحالة وتخطيها بسيط جداً، وخاصة بالنسبة للإنسان الذي منح عقلاً يفكر فيه ويمحص ما يرى أمامه من أمور، ويدرسها، ويستخلص منها العبر والنتائج، وقد شاهدنا مما مرَّ أمامنا من أمم وشعوب وجماعات وكيف تنظر كل فئة إلى عملية الخلق والكون بمنظار ورؤى مختلفة عن بعضها البعض. وبالطبع فإن كل فئة تنظر إلى غيرها من جماعات، وكيف تختلف عنها فيما تراه هي أنه “الأصوب والأحق بالاتباع”.
والآن، ولكي نصل جميعاً إلى عقيدة تجمع الجميع من بني البشر على رؤية واحدة، ولكي نخلص من تلك الصراعات الفكرية، ولكي نريح أنفسنا وضمائرنا، ونعيش مع الآخرين من بني جنسنا بسلام ووئام، فلينظر كل منا إلى نفسه وذاته هو، وعندها سيرى أن جسمه وكيانه هذا (الذي لم يُلفت نظره سابقاً، معتبراً أنه كيان عادي جداً لا يستحق الوقوف عنده، وهو يرى كالكثيرين أنه مجرد تحصيل حاصل) ولكنه الآن سيعيد النظر فيما كان يرى ليجد أنه كيان مدهش، بل مذهل.
فكل جهاز، وكل عضو، بل وكل خلية في هذا الكيان “المنسي” عبارة عن إعجاز لا يمكن الإحاطة به أو إدراكه من حيث التكوين والعمل المتقن، فإذا نظرنا، على سبيل المثال، إلى القلب وجميع الأوردة والشرايين والشعيرات الدقيقة التي تغذي الدماغ والجسم بأكمله، والتي تبدأ عملها منذ ولادة الإنسان وحتى نهاية حياته، دون توقف. وعملها المنتظم الدقيق هذا، والذي تتوقف عليه حياة الإنسان أو عدمها، تقوم بعملها هذا تلقائياً ودون أمر أو طلب من الشخص نفسه، بل أنها تعمل بناء على قانون مرسوم لها منذ وجودها وتعمل وفقاً لذلك دون أي إلتباس أو تعثر؛ وإذا حصل أي تعثر هنا تبدأ المتاعب الصحية، وندرك معها أهمية تلك الأنظمة التي تسيِّرنا وتسيِّر أجهزتنا وأعضاءنا ومصيرنا بأكمله. وتلك الأجهزة التي تعمل تلقائياً لا تعد ولا تحصى، منها العين التي من خلالها نبصر ما حولنا والأذن التي نسمع ما يدور حولنا بواسطتها، والمعدة والأمعاء الذين يعدون لنا أوكسيد الحياة، والدماغ قائد المسيرة بأكملها وغيرها الكثير والذي قد لا يمكن إحصاؤه أو حصره. وإضافة إلى ذلك هناك أجهزة أخرى تعمل وفق إرادتنا مطيعة منفذة للأوامر والمتطلبات تماماً.. ويكفينا هنا أن ننظر، على سبيل المثال، إلى أصابع اليد ومقدار طواعيتها وملاءمتها للعمل المراد القيام به تماماً.
وبعد التمعن في كل تلك المعجزات الخارقة، لا بد أن كلاًّ منا سيسأل نفسه: “هل أنا من صنع وأوجد كل هذا؟” هل أنا من أوجد هاتين الرئتين وجعلهما تستنشقان الهواء النقي وتمدان الجسم بأكمله بالطاقة والحيوية؟
هل أنا من أوجد الهواء النقي في الأجواء لتستنشقه رئتاي وتمدانني بالحياة؟ وعندما أجول في ذهني بتلك التساؤلات، أعود لأجيب نفسي بنفسي: “ إن كل ما بي وكل ما حولي وجدته كما هو وليس لي أي فضل في ذلك، وكل ما أفعله هو أوامر ومتطلبات وجدت نفسي بحاجة إليها فإني أعمل على تلبيتها”.وبالطبع، ما دمت أنا لم أقم بكل ذلك، فليس هناك أحد ممن أعرفهم بإمكانهم القيام بذلك. وما دام هذا الكيان موجود ويقوم بوظائفه على أكمل وجه، إذن لا بد من قوة خارقة خفية لا نعرف عنها الكثير هي التي قامت بهذه المعجزات الخارقة.
وما دام الأمر يتطلب الإعتراف بوجود تلك القوة ( شئنا أم أبينا) فلنرمز إلى تلك القوة برمز يعرفه الجميع، وليكن إذا شئنا “الله” القادر الخالق المبدع أو أية تسمية أخرى، إذ ليس هو المهم.
وبعد أن ننتهي من نظرتنا إلى أنفسنا، تتمادى نظراتنا إلى من حولنا وما يحيط بنا، فنرى مخلوقات أخرى من حيوانات ونبات وأشجار وبحار وجبال وسهول وكواكب ومجرات، فيتأكد لدينا أن هنالك خالق، وهو منظم هذا الكون، وهو الذي يرزقنا ويرعانا ويمدنا بكل ما نحتاج إليه للعيش بسلام ومحبّة ووئام.
إذن، وبعد الوضوح الساطع لتلك الإعجازات الخارقة والتي لا يمكننا الإحاطة بها كيفما فكرنا وكيفما تصورنا، وبغض النظر عن أي تساؤل آخر، أو إنكار أو تصديق لهذا أو ذاك، علينا قبل كل شيء أن نحمد ونشكر تلك القدرة الخارقة التي أوجدتنا وهيأت كل ما تتطلب حياتنا وكل ما يؤمن وجودنا في هذه الدنيا وعلينا أن نصلي لها ما إستطعنا إلى ذلك سبيلاً، وليصلي كل منا كيفما شاء، والمهم أن تكن صلاته هي تعبير عن حمد تلك القدرة وشكرها والإعتراف بفضلها وعظمتها.
وإذا صادفنا جار لنا أو قريب أو بعيد لم يتوصل بعد إلى هكذا مفهوم، فلنحاول إرشاده “بالتي هي أحسن”، فإن لم نستطع ندعه وشأنه فليتفكر ما شاء له ذلك إلى أن يهتدي من تلقاء نفسه، ولتكن معاملتنا مع أنفسنا ومع جيراننا ومع كل من نعرفه أو نصادفه معاملة حب وود وتعاون، ولنعمل ونجتهد في حياتنا من أجل أنفسنا ومن حولنا وإسعاد غيرنا ونبتعد عن الحقد والحسد والبغضاء.
ولمن لا يعرف الكثير عن ذاته وعن جسده وما يضم من الأجهزة والأعضاء ومن الوظائف الإعجازية التي يقوم بها كل جهاز، يراجع كتابنا “الإنسان.. إلى أين؟!!” الذي أصدرناه سابقاً وأكدنا من خلاله على هذه النواحي الهامة، ونعود الآن لنؤكد عليها لما لها منه أهمية لعموم البشر، لعلها تنفع الذكرى.
وإذا إطلع أي منا على ذلك الكيان الإعجازي الخارق لكل ما هو ممكن، وشاهد تلك الأجهزة المتناسقة تماماً، وكيف تعمل جميعها متكاملة متوافقة مع بعضها البعض، فيقف عندها مذهولاً، وتكبر وتعظم في نفسه تلك الأجهزة والأعضاء، وعندها، عندما يستوعب كل تلك الإعجازية، يبدأ يلوم نفسه لأنه لم يفكر بها وبما تقوم به، ولم يتوقف وجوده عليه، وكل ما كان يفكر فيه هو أنه قادر على كل شيء وحتى على قتل الآخرين بقوته وقدرته التي لم يفكر حتى كيف جاءته تلك القوة، وقد يصل به الأمر إلى حد إعتبار نفسه أنه هو مالك الكون وما حوله، كما حصل مع الكثيرين سابقاً وما زال حاضراً.
أما الآن، فإذا رجع إلى رشده، يتضح له أن كل جهاز يعمل من تلقاء ذاته، وبناء على مرسوم رُسِم له منذ وجوده في هذه الحياة. وهنا تكبر في إعتباره هذه الأجهزة وهذا الكيان بأكمله، وعندها يتعجب من أن يقدم أي إنسان آخر على الإضرار بهذه الأجهزة والأعضاء بسلاح أو بأي مادة أخرى. ولو أنه كان يدرك أهمية تلك لأجهزة وعظمتها، وعظمة خالقها لما أقدم على مثل ذلك العمل الذي ينم عن جهل مطبق في معرفة الذات وما حولها. فنحن وكياننا الذي منحنا إياه الخالق بكل ما يضم، كلنا جميعاً ملك هذا الخالق، وليس ملك أحد ليتصرف بنا كيفما يشاء، ولا حتى نحن ملك أنفسنا نفعل بها كما نشاء. وهذا يعود بالطبع للمربين وإهمالهم في هذا المجال، الذي يجب أن توضع كل الطاقات، لإيقاظه في النفوس منذ الصغر. وإني أرى أن هذا الأمر هو أهم من كل العلوم ويجب أن تبدأ به مسيرة الحياة، وبعد ترسيخه في النفوس تبدأ المعلومات الأخرى.
وهكذا نرى أن من أدرك تماماً عظمة وإعجاز كل عضو أو جهاز، وأنه هو ليس له يد في ذلك، وقد وجد كل ذلك يسير بنظام منعدم النظر، عندها لم يقدم على القتل والفتك بأي من تلك الكائنات بكل تلك الإستهانة والجهل وعدم الإدراك كما يحصل اليوم في كل مكان من العالم.
ويكفي لأن نعطي مثلاً على إعجاز وعظمة تلك الأجهزة، فلننظر إلى أصغرعضو في هذا الكيان، وهو “الخلية”.
هذه الخلية التي قد لا ترى بالعين المجردة، تقول الأبحاث العلمية أنه بالإمكان تكبيرها مجهرياً (طبعاً) ليبلغ حجمها حجم مدينة نيويورك، وعندها يصبح بالإمكان مشاهدة ورشة عمل كاملة تعمل ضمن هذه الخليّة، فهناك ناقلة تحمل مادة بروتينية، وأخرى مادة نشوية، وأخرى سكرية، وغيرها الكثيروكل منها تسير إلى مكان محدد، وعندها يتم فحص المادة فإذا كانت سليمة يُفتح لها الباب ويتقبلها، وإذا لم تكن سليمة ترفض، وهكذا..
وعندما تطلع على هكذا إعجاز يذهل العقول والأبصار، فهل تطاوعنا أنفسنا أن نقضي عليه ونُسكته سواء أكان فينا نحن أو لدى أمثالنا من بني جنسنا البشرى؟!
هذه مفاعيل أصغر كائن في أجسامنا، فكيف إذا نظرنا إلى الأجهزة الأكبرمثل القلب الذي لا يقف عمله منذ وجود الإنسان وحتى نهاية حياته، وعمله هذا يأتي تلقائياً من ذاته وليس لصاحبه من إرادة عليه وعلى مسيرته.
وغير القلب، هناك الأجهزة الأخرى والتي لا تحصى، وكل منها يعرف عمله وما هو مطلوب منه تماماً.. وجمع تلك الأجهزة تتكامل مع بعضها البعض.
والخلاصة: أود هنا أن أوجه سؤالاً لأي منا نحن بني الإنسان، والذين تغمرنا الإنسانية بكل معانيها تلك ومفاهيمها، فهل بعد أن ندرك أهمية وإعجازية تلك الأجهزة، فهل تسمح لنا أنفسنا وعقولنا بأن نقوم بإيذاء أي منها؟!!
سؤال بحاجة لوقفة تأمل وتفكرمع العلم أن هناك دولاً وشعوباً توصلوا إلى ما يشبه ذلك المفهوم وهم يعيشون بسلام وأمان، مثل سويسرا.
نرجو أن يحذو الجميع حذو هذا المسار.
وختاماً: آمل أن يصل هذا النداء إلى دعاة، والعاملين من أجل السلام، وأن يمسكوا بزمام الأمور، ويكملوا المسيرة بمراحلها الثلاث الهامة: الإرشادية، التربوية، والتدريبية العلمية.

والله نسأل الهداية والتوفيق للجميع
أحمد فقيه

شاهد أيضاً

وليد دقة و”جود”.. و”حكاية سرّ الزيت

        سلوى فاضل  درج أدباء في العديد من الثقافات العالمية على اعتماد …