“بن سلمان” والخصمان اللدودان، بين الأمس واليوم.. الأسباب والدوافع؟!

  • حسن العمري

بالأمس.. “لا توجد نقاط التقاء نتباحث على أساسها مع النظام الإيراني.. كيف أتفاهم مع نظام لديه قناعة مترسخة بأنه نظام قائم على ايديولوجيا متطرفة منصوص عليها في دستوره وفي وصية الخميني بأنه يجب ان يسيطروا على العالم الاسلامي ونشر المذهب الجعفري حتى يظهر المهدي المنتظر؟.. الوصول لقبلة المسلمين هدف رئيسي للنظام الإيراني.. علاقة السعودية مع إيران لا توجد فيها أي بوادر للحلول، بسبب العقيدة الإيرانية التي تعتبر تهديد السعودية أيديولوجيا رئيسية لها.. لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية – لا سوف نعمل لكي تكون المعركة لديهم في ايران وليس في السعودية” – محمد بن سلمان في حديثه مع داوود الشريان على قناة “ام بي سي” السعودية (2 مايو 2017).
اليوم.. “ايران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع ايران.. لا نريد وضع ايران أن يكون صعبا، بالعكس نريد ايران مزدهرة وتنمو، لدينا مصالح فيها، لديهم مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار.. نعمل مع شركائنا في المنطقة والعالم لإيجاد حلول للإشكاليات الموجودة بين البلدين ونتمنى أن نتجاوزها وأن تكون علاقة طيبة وإيجابية للجميع..أن سياسة السعودية الخارجية قائمة على مصالح المملكة، وشدد ولي العهد السعودي على أن بلاده لا تقبل الخضوع لأي ضغوط أو أي تدخل خارجي في شؤوننا الداخلية” – محمد بن سلمان لقناة “السعودية” بتاريخ الثلاثاء 27 من أبريل/نيسان 2021.
التصريحات هذه أثارت الكثير من الشكوك عن أسباب هذا التغيير المفاجئ بـ180 درجة في سابقة غير مسبوقة ليس في العلاقات المتوترة طيلة عقود بين البلدين بل حتى على مستوى العلاقات السعودية – الدولية؛ لكن دعونا لا نستعجل الأمر ونعيد بالذاكرة الى أيام قليلة مضت حيث تصريحات قائد الوحدات الخاصة في سلاح البحرية الأميركي معلناً تعديل المهام الجديدة المنوطة بقواته محورها، من أجل “التصدي للتهديدات الدولية من الصين وروسيا والتراجع عن زخم مكافحة الإرهاب”. فيما قال القائد الأعلى لفرق الأمن الخاصة الأدميرال هيو هوارد: أن “قوة العمليات الخاصة التابعة للبحرية كانت تركز عملياتها في الشرق الأوسط لدعم الحلفاء ومكافحة الإرهاب، لكن الوقت حان للبدء في التطور الى ما وراء تلك المهام.. ما يعكس استراتيجية البنتاغون الأوسع نطاقاً لتوجيه الأولوية للصين وروسيا”.
كلام القادة العسكريين الأمريكيين يعكس سياسة امريكا بالتوجه نحو شرق آسيا ولم تعد منطقة الشرق الأوسط أهتمامها الأول كما كانت من قبل، حيث استحلبوا بقدر الإمكان بقراتهم الخليجيات خلال فترة دونالد ترامب وكانت حصة السعودية من ذلك نحو تريليوني دولار، ثم قيام صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر باقناع نجل سلمان ضرورة إنهاء القطيعة مع قطر والعودة الى طاولة الحوار والمصالحة التي كانت حكومة ترامب هي رأس الحربة في حصار الدوحة والحظر عليها، عندما غرد ترامب آنذاك “إنه حُذر خلال زيارته الشرق الأوسط من تمويل الفكر المتطرّف، وإن زعماء في المنطقة أشاروا الى قطر.. من الجيد رؤية سريان مفعول زيارتي الى السعودية والقمة مع 50 دولة. قادة الدول الإسلامية قالوا إنهم يتخذون موقفاً حاسماً ضد تمويل التطرّف”.
دعونا لا ننسى خطابات ترامب بين الحين والآخر أمام أنصاره في الولايات الأمريكية واشارته الى بعض الأمور البالغة الحساسية والتي بدأت بوادرها تتراءى على الساحة الأقليمية، ومنها ما قاله أمام تجمع انتخابي في ساوث الفن بمدينة مسيسبي.. “نحن نحمي السعودية.. أنا أحب الملك سلمان، لكني قلت: أيها الملك- نحن نحميك- قد لا يمكنك البقاء هناك اسبوعين من دوننا.. عليك الدفع مقابل جيشك..”؛ وثم أمام تجمع انتخابي بولاية فرجينيا، بقوله: “تحدثت هاتفياً وبشكل مطول مع سلمان بن عبد العزيز، وقلت له إنك تمتلك تريليونات من الدولارات، والله وحده يعلم ماذا سيحدث للمملكة في حال تعرضت لهجوم.. أيها الملك، ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك؛ لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام..”- وفق ما بيّنته وكالة “رويترز”.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال قبل يومين: تقارير المباحثات السعودية الإيرانية مشجعة ومن الجيد إدارة الخلافات بالحوار المباشر، وإن مباحثات فيينا بخصوص الاتفاق النووي مع ايران تحرز تقدما؛ يؤكد ما نقلته الرسالة التحذيرة المشفرة التي وصلت محمد بن سلمان من السفيرة السعودية في واشنطن ريما بنت بندر بن سلطان قبل شهرين، نقلت فيها طلب الراعي الأمريكي بضرورة فتح الرياض صفحة جديدة من العلاقات الإقليمية خاصة مع ايران والحوثيين وكذلك مع الحكومة السورية لتهدئة الأوضاع وإلا هناك متغيرات قادمة ستفرض على قصر اليمامة، ما استدعى إجراء اتصال هاتفي بين سلمان والرئيس التركي أردوغان لبحث العلاقات الثنائية المتردية جراء تقطيع خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 أكتوبر 2018.
الأمر الأهم من ذلك وجود وفد أمني سعودي رفيع المستوى برئاسة رئيس جهاز المخابرات، الفريق خالد الحميدان يزور دمشق ويلتقي الرئيس بشار الأسد واللواء علي مملوك. حيث رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بذلك، وقال:أن واشنطن على علم بالتقارير التي تحدثت عن محادثات سورية سعودية جارية لإعادة فتح السفارة السعودية في العاصمة السورية.. بعد أن كان نجل سلمان قد أكد مراراً على ضرورة رحيل الأسد وأنه لا مجال للحوار معه ولا إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق في ظل وجود بشار الأسد في السلطة خاصة وأنه مدعوم من الخصم الايراني، داعياً في مقابلة نشرتها مجلة “تايم” الأمريكية بتاريخ 9 تشرين الثاني 2018 الى ضرورة تعزيز العلاقات بين دمشق وموسكو، للتخلص من نفوذ ايران.
بالأمس وخلال الحوار ذاته (2 مايو 2017)، قال محمد بن سلمان “السعودية قادرة على حسم الحرب في اليمن خلال أيام معدودة من خلال زحف الجيش السعودي البري لليمن، لكنه سيكلف الطرفين آلاف القتلى وأن الخيار كان هو الانتظار أكثر.. نستطيع أن نجتثّ صالح والحوثي في أيام قليلة، ولكن هذا ستكون نتيجته ضحايا بالآلاف في صفوفنا، وخسائر كبيرة لليمن.. لا أحد يريد الاستمرار في الحرب، فحرب اليمن لم تكن خياراً لنا، بل كان أمراً لا بد منه لتجنّب السيناريو الآخر الأكثر سوءاً، وهو انقلاب مليشيات إرهابية على الحكم الشرعي، وهي شكّلت تهديداً لكل جيران اليمن، ولو انتظرنا قليلاً لكان الخطر قد وصل لداخل السعودية.. القوات المسلحة السعودية حقّقت نجاحات كبيرة، والشرعية تسيطر على 85 % من اليمن”.
اليوم، يعترف نجل سلمان بعروبة ويمنية ووطنية الخصم اللدود الثاني أي الحوثيين ويدعوهم الى الجلوس على طاولة المفاوضات “للوصول الى حلول تكفل حقوق الجميع في اليمن وتضمن ايضا مصالح دول المنطقة!!.. وأن العرض المقدم من السعودية هو وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاق النار من قبل الحوثي والجلوس على طاولة المفاوضات.. لا شك أن الحوثي له علاقة قوية بالنظام الايراني لكن أيضا الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة العروبية واليمنية الذي أتمنى أن تحيا فيه بشكل أكبر يراعي مصالحه ومصالح وطنه قبل أي شيء آخر”.
المراقبون للشأن السعودي يؤكدون أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط ببدء انسحابها العسكري رويداً رويداً منه.. ثم أن الحوار الإقليمي الذي فرض على الرياض بدأته القوى الكبرى هي ايضاً.. الشرق الأوسط لا يمثل أولوية لإدارة بايدن.. رسائل بعثها البيض الأبيض وبكل وضوح لحلفائه الخليجيين وفي مقدمتهم السعودية – وفق صحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية نقلاً عن مستشار بايدن غير الرسمي والذي قال لموقع بوليتيكو: “إننا نعمل بشكل هادف للغاية لعدم الانجرار الى الشرق الأوسط مرة اخرى”.

شاهد أيضاً

الاعلامي في طرابلس سامي كليب في لقاء حواري خاص نظمه المركز بعنوان “غزّة حلقة في مسلسل التدمير الممنهج للوطن العربي”

استقبل مركز مولوي الثقافي برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، ضمن فعاليات طرابلس …