الرئيس البريء في الزمن الرديء

بقلم المستشار في القانون الدولي الدكتور قاسم حدرج

على مدى ثلاثين دقيقة هي زمن المقابلة التي اجراها دولة الرئيس حسان دياب مع اذاعة بي بي سي البريطانية عبر فيها عن معاناة التسعة اشهر الأخيرة زمن ما بعد الاستقالة وما حبلت به من احداث دراماتيكية متوقعة وغير متوقعة تمنى خلالها في كل لحظة ان تولد حكومة الأنقاذ ولو بولادة قيصرية حفاظا على حياة جنين الخلاص
ولكن القدر شاء ان يبقى متحملا للمسؤولية في اصعب الظروف
وأجاب بشفافيته المعهودة على كافة التساؤلات التي احاطت بمواقفه والتي وصفها البعض بالمتشددة والمفتقدة للمرونة في ظروف استثنائية والبعض وضعها في خانة الهروب من المسؤولية ورمي كرة النار في احضان الحكومة الجديدة فجاءت اجاباته حاسمة حازمة
وواضحة ومرتكزة الى وقائع موضوعية مدعمة بالاسانيد الملموسة
ففي موضوع عدم اجتماع الحكومة أوضح دولة الرئيس بأن الأجتماع لن يحدث فرقا ولكنه سيسبب خرقا للدستور لا سيما المادة 64 منه
وبالتالي يكون موقف الرئيس دياب منطلقا من قاعدة اذا كان تصريف الأعمال يؤدي غرضه دون حاجة لعقد اجتماع لمجلس الوزراء فلماذا نضيف ازمة جدلية جديدة نحن بغنى عنها ونسجل سابقة في التوسع بتفسير الدستور خاصة ان الأفرقاء السياسيين غير مجمعين على دستورية هذا الأجتماع وقد سمع اللبنانيين رأيا صريحا من رئيس المجلس النيابي بهذا الخصوص وبالتالي فأن موقفه نابع من حرصه على عدم المساس بالنصوص الدستورية وأحترام قدسيته ومن يرى غير ذلك عليه ان ينتهج الالية الدستورية لتعديل النص لا ان يحمل رئيس الحكومة مسؤولية خرقه .
اما بموضوع رفع الدعم او ترشيده فقد أكد على مواقفه الرافضة لأتخاذ قرار عشوائي غير مدروس تلقى تبعاته على كاهل المواطن
وبالتالي فهو يشترط ان يتزامن القرار مع اصدار البطاقة التمويلية التي تحمي المواطنين من تداعيات رفع الدعم وتساهم في الحد من اثاره السلبية وأكد بأنه ولهذه الغاية فقد سخر زيارته الى دولة قطر لتحقيق هذا الهدف وطالبها بدعم هذا المشروع وقد لقيت دعوته كل ترحيب واستابة ستترجم عمليا خلال الايام القليلة المقبلة بعد دراسة الملف
اما بخصوص زيارته للعراق فقد أكد دولته على ان الزيارة ما زالت قائمة وبأن التأجيل حصل لأسباب عراقية داخلية ولا داعي لأي تأويل
رافضا الحديث عن اي تدخل او ضغط لألغاء الزيارة
اما بخصوص القرار السعودي بمنع دخول المنتجات اللبنانية فقد استبعد الرئيس دياب ان يكون للقرار اي خلفية سياسية مؤكدا رفضه ان يكون لبنان بوابة لتصدير السموم الى السعودية وغيرها من الدول
وبأنه قد اصدر تعليماته للجهات المعنية بمعالجة الأمر والاسراع في كشف المتورطين .
اما بموضوع مرسوم تعديل الحدود البحرية فقد اكد دولته على التمسك بحقوق لبنان كاملة انطلاقا من النقطة 29 سواء تم توقيع المرسوم ام لم يوقع من قبل فخامة الرئيس معتبرا انه قام بواجبه بهذا الخصوص واحال المرسوم وفقا للأصول بعد توقيعه من الوزراء المختصين الى فخامة رئيس الجمهورية .
اما فيما يتعلق بجريمة انفجار مرفأ بيروت فقد اوضح بانه كان المبادر الأول للتعاون بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين الا انه رفض بعد ذلك المثول كمدعى عليه ليس لحماية شخصه بل حماية للموقع الدستوري ومنعا لأنتهاك مواده الواضحة لا سيما المادة 70 منه والتي تحدد بوضوح الجهة المختصة بتوجيه الأتهام

وفي الختام أكد دولة الرئيس على انه ليس نادما على خوض تجربة رئاسة الحكومة والتي كان يعلم مسبقا انها مهمة صعبة وشاقة ومليئة بالتحديات والتي اضيف اليها العديد من التحديات الأخرى وعلى رأسها جائحة كورونا وانفجار المرفأ والذي كشف عن وجه جديد للفساد على كافة المستويات وفي كل مفاصل الدولة وان ما هاله وهو الأكاديمي المستقل هو تكاتف منظومة الفساد وحماية بعضها البعض دون الألتفات لمصالح الوطن والمواطن ولو بالحد الأدنى متمنيا ان تكون تجربته الحكومية مقدمة لتأسيس مرحلة جديدة من العمل السياسي اللبناني على قاعدة المسؤولية الوطنية التي تسمو على المصالح الشخصية والطائفية والحزبية .
اما انطباعي الشخصي عن هذه المقابلة فأختصره بهذه الكلمات
ان هذا الرجل البريء كان بأمكانه ان ينقذ الوطن الغريق ولكن سد
عليه الفساد كل طريق وقدره انه تولى المسؤولية في الزمن الرديء
ورغم ان الرئيس دياب يحمل الكثير من المواصفات الفريدة فليسمح لي بأن اقول بأنه كان ينقصه لقب الرئيس الجريء

شاهد أيضاً

قائد الجيش استقبل الامين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني

  استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة الامين العام للمجلس …