ادباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

أحمد عبد اللطيف وهبي كاتب وشاعر . عمل في مجال التدريس، حاصل على دراسات عليا في مادة التاريخ .
المسؤول الثقافي في مجلة النداء، له العديد من المقالات الأسبوعية والشهرية .
كتب لمجلة النداء، مجلة شؤون جنوبية، جريدة الأنوار سيدتي وغيرها…
شارك في العديد من الأمسيات الثقافية والشعرية داخل لبنان وخارجه.
كرمته العديد من المؤسسات والمنتديات الثقافية، حائز على العديد من الجوائز التكريمة، حاورته وكتبت عنه العديد من المجلات والصحف ووسائل الإعلام المرئي والمسموع.
له العديد من الإصدارات الشعرية منها:
-ظلال الأحلام
-كأنّهُ حدثَ غداً
-لأنّهُ غويُّ الماء
-ذاك الجزء من الألم
وفي عالم الرواية “صيف تل الزعتر 76 “، ” ثمّ ألقى ما كان”، “مفاتيح المكان “
إضافة لأعمال عديدة لم تُنشر وقيد الطبع.
شاعر من زمن الكلمة الحرة. روحٌ ثائرة وكلمة تعتقت بمعاني الفرادة والتميز .

الكاتب الشاعر أحمد عبد اللطيف وهبي:

النكسات بدأت بإهمال العقل في العلوم، في حرق المجلّدات والمخطوطات، لأجل قتل الأفكار والوعي لدى عامة الناس

*” الحب، المرأة، الوطن”؟
هذا الثالوث الوجداني ما مدى تجانسه في محاكاة روح القصيدة ؟

الحبّ، المرأة والوطن. الثالوث الوجداني الأبدي، ومدماك القصيدة، وفوق قواعد الوزن والقافية، لا عُطلةَ للصور والأفكار.
تتجلّى المرأة في القصيدة، فهي في حياة الشاعر.. “أرغبُ بوقتٍ ونبيذٍ وامرأةٍ على ظهر فرسٍ هجرَت ركضَها.. عزاكَ الفوزُ بأجمل النساء”…
تُماثِلُ وتماثُلٌ، لا شيءَ سواها يُفرِحُني، تأخذني إلى حُلمٍ بكرٍ، لأردمَ أنفاقَ وحشتي.
وهي الوطن.. الوطن في المبنى والمعنى، في الحُبِّ.. حجرُ الروح، وتفجُّر الحياة في الرحم، وخلاصة الضوء، القديسة جاندارك.. على رأس الجيش الفرنسي، تقوده إلى الانتصار، الخنساء في أخيها صخر، زينب في موقعة الطف، هي الشهيدة، في فلسطين، في لبنان، في كلّ الأمصار.
لا وطنَ بلا حُبّ، حُبُّ الوطن قضية مقدّسة، لا حُبَّ.. لا وطنَ بلا امرأةٍ هي الأم العظيمة المضحية المتمتّعة بكامل الحقوق، وهي الأخت الفاضلة والإبنة الكريمة، هي مستقبل الأجيال، لذا، “الأم مدرسة إن أعدَدتها.. أعددت شعباً الأعراق…

*من خلال تجربتك، كيف ترى مستقبل الثقافة في لبنان والمنطقة؟ هل تخضع هي أيضًا للتسويات الاستراتيجية في الشرق الأوسط الجديد؟

للأسف، الثقافة في عصرنا، تُشابِهُ بقايا إنسان،  أو مثل غريبٍ ببن أصدقاءٍ غرباء.. يُساكنون أحياءً أموات، كمن يمرُّ ليظلَّ يُقتَل مرّاتِ ومرّات.
فالثقافة، ملَكَةٌ ملتهبة، نُخَبٌ مُلهَمةٌ وملهِمةُ القضايا الوطنية. لدينا انتفاخ في أفهوم الثقافة، أين تبدأ.. وأين تستمرّ..!! إذ، لا نهايةَ لهذا الخطّ السرمدي. لدينا أزمة في العقل العربي على مستوى الوعي والروح، هوةٌ هائلة بين المفاهيم المكتوبة وبين التطبيق الجمعي. فالنكسات، بدأت بإهمال العقل في العلوم، في حرق المجلّدات والمخطوطات، لأجل قتل الأفكار والوعي لدى عامة الناس، ممّا سبّبَ دماراً بنيوياً حضارياً معرفياُ، غير أن للأفكار أجنحة تطير بها إلى من يستحق، حدث ذلك، إبن رشد مثالاً، وغيره الكثير من العلماء والفلاسفة. فكان، مذهبة السلطة تحت عنوان ظلّ الخالق على الأرض، واستحداث ثقافة ذات مفاهيم هجينة، بعيدة كلّ البعد عن الواقع المعيوش، ولا ترقى لتشكّلَ خارطة تقوم في شسوعِها.. أنماطُها في المعارف والعلوم والتعليم والتربية والتنشئة، وفي كلّ مقوّمات المجتمعات. لذا، يقع على عاتق النُخَب عبء، أو مَهمة التثقيف، مع الأخذ بعين الاعتبار التهتك الحاصل والضغوطات والموبقات والموروثات، كلّها فيروس ضدَّ الثقافة والمعرفة والنهوض. وعلى صعيد المؤسسات، دون أدنى شك، هناك محاولات، تبقى في سياقها متواضعة على رغم أهميتها، كونَ معظم المجتمعات لا تقرأ، هنا تقع أخطر أزمة وجودية. مثلاً، إقرأ كثيراً، تكتب جيداً، نحن، نحتاج لاستنهاض ملكات الفطرة، لإسقاط الحُجُبِ عن العقل، لا يُرضي الإنسان الإنسان.. غير أن يرى الاهتمام بدل التجاهل والتجهيل، العزيمة والإرادة بدل التراخي والخنوع، أن لا يكون المثقّف عُرضة لتحوّلات النُظُم، حيث يسقط في قعرٍ بلا قرار، حيث لا قرارَ حين يصير المثقّفون أدوات سلطوية، في هذا السلوك آخر مداميك العَمارات الحياتية الكيانية، وحتمية السقوط تشرذماً وفقدان البوصلة الأساسية في عملية بناء الإنسان.
وأختم، الثقافة، مفاهيم وقوانين وأُسٌّس غلبَ عليها العولمة بمندرجاتها كافّة، وتبدلّت وسائط التواصل الاجتماعي، ولكونها طارئة وليست من لُبابِ التجارب بأمدائها الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية. لدينا موضوع الاستشراق بكلّ محاكاته، لدينا ثقافة المقهى، الرؤى الإنسانية في النص والقصة والرواية، كما في لأساطير، يبقى أن ندرك مكامن الخلل والنقص بعدما صارت واقعاً ملموساً، ولا يكون التغيير والتثقيف إلّا عبر صيرورةٍ هائلة في النظام.. في الدور والتوجّه، في تجسيد دور المؤسسات التعليمية فعلاً وتفاعلاً، في وزارة الثقافة نفسها، على مبدأ التربية والثقافة. والتبادل المعرفي في خضم الأزمات موجود برعاية الأدراج.
“الثقافة ذات تجربةٍ غنيّةٍ عالية، تنمُّ عن إنسانيةٍ مفرطة غايتها الإنسان”… هكذا نرجو أن نكتنز حصادَ المساهمين في بناء العَمارة الثقافية، وإماطة اللثام عن المبدعين المغمورين، وأن تكون الثفافة فعل نهوض للمجتمعات، ولا تكون مجرّد ديكور بزينة وقناديل. حمل ديوجين قنديله في وضح النهار، وحين سُئل، قال، أبحث عن إنسان. الثقافة إنسان، لنكن إنسانيين.

* “صيف تل الزعتر ٧٦ ” ذاكرة وطن أو ذاكرة شخصية؟

صيف تل الزعتر، حكاية شعبٍ وأرضٍ، تضحيات جسام، شهادات عالية، انكسارات وخسارات، انتصارات في الصمود، في المقاومة. تل الزعتر، فلسطين ولبنان، الأرض والسماء، التاريخ والجغرافيا، الوجود والاستمرار. عن خذلان الشقيق والصديق، عن مؤامراتٍ لمّا نزل فيها.
عندما أسدلت ستارة التيه، حين شقّ الفجر أنفاسَ الوادي، جمعنا جراحاً لسنين مقبلة، لم يكُ القمرُ قمراً، لا الماءُ ماءً، حملت العصافير ملاعبَنا وهاجرتْ…
تل الزعتر، تجربة فريدة حيّةٌ، عشناها في الحياة، ثم كان الحصار والدمار والقتل والاعتقال، أن يُلقى الفتى عنّي في غرفة الذبح بين الجثث المُقطّعة، أن يُهجّر الآلاف في الوطن، نحن غرباء الوطن والاحتراب الأهلي وجبهات النار مع العدو الصهيوني في آن…
حين غدرٍ طوت المنايا وجوهَنا علوْنا نطفح النجيع، نحصد التيه، أسماءُ قبلنا تولد، بعدَنا، مثل قصائد تتناسل، لا ينتهي من ينتهي بالموت، كنّا نجمع انتصاراتٍ مكلومةً ليومٍ معلوم. وتل الزعتر لم يكن حكايةً ولا رماد، كان القلوب من أرض فلسطين، قلبٌ فوق قلبِ في مصاحف الجهاد…

*هل وصلت الرواية العربية الى طور النضج الذي يسمح لها أن تحجز مكانها على خريطة الثقافة العالمية؟

الرواية العربية عموماً، استطاعت أن تشقّ عنها شرانق الزمان والنظام – الرقيب السلطوي، وأن تُجسِّدَ تجارب هائلة روحية فكرية فلسفية إجتماعية إنسانية وأخلاقية عظيمة. وقد تفرّدت في العصر الحديث بإلقاء الضوء على القضايا الهامة المُلّحة، والخيال لذاته إبداع الفكرة، والفكرة حُلُم، وللحُلُم ظلال، منها المتكاملة ومنها المنكسرة المهيضة الجناح، وقد نجحت الرواية العربية وحطّت على موسوعة الثقافة العالمية والأدب.
ولأنها الرواية والراوية، حكواتي الحكايا الشعبية ذات الصلة بالموروث، قصص المقاهي الشعبية، في مصر، وغيرها، الأقصوصة والحدوتة في الحارة، ودون عقد المقارنة مع الغرب الأوروبي، فإن الرواية العربية، انوجدت بين الأيدي لعامة الناس من القرن الماضي، وتواصلت صيرورتها تكشف عن المكين في المكان في أعماق الروح والوجدان، وتعمّقت واقتمرت بخزين الفكرة والإحساس، وهنا بالضبط نعقد المقارنة بينها والروايات العالمية؛ فحجزت دورها وحضورها باتقان وفرادة، ولا يغيب عن البال أن الرواية والأدب والشّعر من بنات الأفكار المناخية للمجتمعات، وذات نكهة خاصيّة الدلالات والتحديات، وقد جرى جَسر المسافة ذات الذائقة الموضوعية للرواية، ونستطيع القول وبجدارة، أن الرواية العربية في العصر الحديث نوعاً وكمّاً تطوّرت ونضجت برغم الهزائم التي أصابت كيان الأمة العربية في الصميم، ولا يفوتنا في هذا المقام، هناك السمين، وهناك الغثّ، والرواية الأقرب للناس، هي، التي تحاكي الشباب والمستقبل والهموم، تؤثّر، تخلق عوالهما الحياتية، وقد نالت حظها الواسع من القرن الماضي.. أكثر من وقتنا الحاضر برغم وسائط التواصل، فالواقع المعيوش مؤلم، ويجري إسقاطات مرعبة نالت وتنال من الوعي الجمعي، والقدرة على التغيير والتثقيف…
الرواية، نتاج الثقافة والأدب والمعرفة، عناصر أساسية متداخلة غير منفصلة، ولأنها تُشابه الولادة، وهي الوجود بماهية الحياة في العقل والروح والوعي والضمير، هي.. في البدء كانت الكلمة. الكلمة طفلٌ يولد على تعب المسافات، وتستمرُّ الرواية، رواية الناس على مرّ الزمان.

*التطور التكنولوجي أفقدنا الرومنسيّة، وباتت معظم الأقلام تتلعثم في المجاز وتنهزم أمام جنون الشعر .
أين موقع القصيدة في ظل المتغيرات التي نشهدها؟

التكنولوجيا، كلمة فضفاضة الخطوط والامداء في عصرنا الحديث. ولأنها مُستقدَمة؛ فهي نتاج الآخر على وجه البسيطة، الآخر الخارجي المُستعمِر المُنتصر بقوّة السلاح، السلاح الذي أيضا نتاج التكنولوجيا الحديثة. وهذي المفارقة جد حيوية لتبيان أهمية ودور الأمم في النهوض والتطوّر، واللحاق بالركب الحضاري.
هنا تقع كارثتنا الوجودية كأمة نالها ما نالها من الاحتلالات الأجنبية ولقرون، واختلال سابق ولاحق في النظم، وحفر هوّة سحيقة بين القاعدة الناس، وبين ساكني القصور العاجية؛ فجرى هدم العقل بالمعاول وبالحرق، والتحريف والتجريف والتسخيف…
إبّان حقبة الأندلس، وبعيداً عن النقاش السياسي، فإن عملية تثاقف غنّاء شهدتها تلك المرحلة، حيث كان العُشّاق في أوروبا، يقول الحبيب للحبيبة، أُحُبّكِ، باللغة العربية. وبعكس ممّا يجري في عالم اليوم، حيث بغداد في عصرها الذهبي العباسي، كانت مقصداً لطلاب العلوم في جامعاتها، كلّ ذلك يخضع لديمومة عمارة الدولة – الكيان – العقلية الروحية النفسية، ومكانتها كحاضرة علمية متقدّمة، وتمكّنها من عناصر القوة، هناك، كانت حواضر العرب والمسلمين، ولا يمكن، ومن غير الجائز الوقوف على الأطلال والبكاء، والتغنّي بأوهام السراب والخواء، وإلّا الويل ثم الويل…
لذا، شكّلت القصيدة مشهديتها، وتشكّلت لذائقة  المجتمعات، وحاجتها للانعتاق من براثن الاستبداد والقهقرى والاستعمار والتخلّف، ولامست مختلف الشرائح الاجتماعية الراحة تحت وطأة الفقر العلمي والمعرفي في التكنولوجيا والتقنية الحديثة، تحت وطأة البطالة. تحدّت السلطة والهيمنة والاستبداد، وتذاوبت في الغزل، وتنافحت في المديح والهجاء.
ولأنها القصيدة لذات الشاعر والوطن والناس، تناءت في العصر الحديث عن سوق عُكاظ والمعلّقات؛ فالشّعر ديوان العرب، والفلسفة وعاء العلوم، وفي الحروب كان يحضر الشعراء لإثارة الحماسة، وإذا بزغ نجمُ شاعرٍ لقبيلةٍ ما.. كانت القبائل الأخرى تُقدّم لها التهاني والتبريكات.
فإذن، الشاعر، هو، ربُّ القصيد، وابن التحوّلات والمتغيرات، وإن طغت قبضة الواقع المأزوم على الفكرة والإحساس، فإن الرومانسية تقبع بين طوايا النفس في الكلمات، وكما هو معلوم، القصيدة تبدّلت في الشكل والمضمون، فالشّعر الحديث المتحَرّر من القواعد والأوزان، ليس ردَّ فعلٍ على الأنماط الشعرية، بقدر ما هو تعبير عن مأزقٍ حضاريّ شاسع الأبوان، حيث نسترجع الدولة، الدول في أوج عطائها وقوتها، وفي هبوطها. القصيدة لم تنقلب على لغة الضاد بالتأكيد، واليوم العالمي للغة العربية، إنما دعوة لحفظ اللغة والعودة الى منابتها وجذورها، لذا، الشّعر ديوان العرب، لأنها اللغة الوارفة المعاني والمفردات، ذات المكوّنات الجمالية الباهرة، وما الارتقاء والهبوط غير نِتاج لهاتي محطات، والكمد الحاصل الآن، بأنّنا نستهلك التكنولوجيا التي بين أيدينا في غير محل التثقيف، إلّا لمن يهتم ويحتاج، الوسائل الحديثة سيف ذو حدين، تُحفظ فيها العلوم والكتب والمعرفة وكلّ ما يهم الناس في المأكل والملبس والمسكن والمشرب واللهو، والألعاب إلخ…
في النهاية، الحاسوب يمنح القصيدةَ للغاوين، لكن، لا يمنح، أو يمنحني الرومانسية، لذا، لا زلتُ أعشق الكتاب الورقي، لكن، التطوّر العلمي يفرض نفسه علينا، نطّلع، نكتب، نتبادل الرسائل، نختلف إلى مواقع لا حصرَ، والغاية، والأهم أن لا نفقدَ بوصلتنا الإنسانية…

*أنت حاصل على دراسات عليا في التاربخ. هنا يستحضرني سؤال مهم .
من كتب التاريخ الذي نعلمه، المنتصر الذي تحكم بالواقع أو المهزوم الذي تعلّم منه؟

للتاريخ وجهان، التأريخ والسردية التاريخية. في  الأولى، على المجتهد المؤرّخ أن يتجرّد من مشاعره، كي يكتب بموضوعية وأمانة.. في الفكرة المُحاكاة، أو الاقتباس، والتمكّن بإضافة رأي أو فكرة برّاقة، لامعة تُجسّد ما فات غيره من المؤرّحين.
والسردية، هي أشبه بعمل المراسل في عصرنا الحديث، كما أسلفت، في الحروب كان يرافق الجُندَ بعض الكتبة، ينقلون ويسجّلون الحدث بتفاصيله، وقد وصَلنا الكثير عن الحقب الماضية البعيد منها والقريب.
بعد الحرب الكونية الأولى والثانية، تشكّل نظام عالمي جديد، بعيد كلّ البُعد عن هيكلية الإمبراطوريات السابقة، نظام تحوّل إلى إله جديد، مادي، يتوسّل السيطرة والهيمنة ونهب المقدّرات، من خلال امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، فانتقلت الأمم من تحت نير المرحلة الكولونيالية، الإحتلال المباشر إلى اللامباشر، والاحتلال الوحيد الجاثم على أرض فلسطين، أي الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، هو من مخلّفات المرحلة السابقة.
واذا أمعنا وأنعمنا النظر في الأفلام والمنشورات والمؤلفات، وكتب التاريخ، نقع على كمٍّ هائلِ الجحيم من الكذب والجدل والتزييف والتجريف والتحريف بحق الأمم، التي خرجت من الحرب منكسرة، هكذا حال الأمة الجرمانية، اليابان، الهنادرة في الولايات المتحدة الأميركية، أي الهنود الحمر، العرب، أو ما يسمى بالعالم الثالث، التدخل في الشأن الداخلي لجميع الدول بأشكالها المختلفة الحديثة.
للأسف الشديد، التاريخ يكتبه المنتصرون، لكن، لا يستطيع أن يطمس، دور الشعوب في المقاومة، نراها في فلسطين، في لبنان، في سوريا، في العراق ومختلف بلدان العالم، المقاومة حق طبيعي في الدفاع ضدّ كلِّ غازٍ ومحتل، وخير مثال، المقاومة في لبنان بما راكمت، استطاعت أن تهزم العدو الصهيوني الغاصب، لتبدأ صفحة جديدة من الصراع، مقاومة شكّلت مدرسة في فنون وضع الخطط والقتال، وكما يقول، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ما أُخِذَ بالقوة، لا يُسترَد بغير القوة، كذلك المقاومة تصنع التاريخ أنفاً عن غطرسة العدو، أي عدو…

*تُحلّق في الكتابة بجناحين: الشعر والرواية.
عدَلتَ بينهما ؟ أو أن الشعر يبقى عندك رأس هرم الإبداع؟

لننطلق من صفاتنا الإنسانية. المشاعر خزينٌ معجوقٌ بالذكريات والمواقف والتفاعل سلباً، إيجاباً، بمؤثّرات حياتية عمرها الزمن والحدث.
والسؤال إلامَ أسعى في خوضي ميادين الشّعر، والوقوع على مدارس الشرق والغرب..؟ أيضاً في الرواية..؟ وبتلقائيةٍ مطلقة، الشاعر يقع في أسار الرواية، في تلاثم الألوان كيف تطرح الأنامل لوحتنا الذاتية، في النحت، وجلّها بقدر تداخلها، هي محاولات متواضعة تعبّر عن ذائقة الشاعر الراوي الفنان والموسيقي، وهي إدراك لطيف للوقوع في غمار التجربة، تفترش فيها المشاعر ملاءات الحياة بمدّها وجزرها.
وليس التوفيق ما بين الشّعر والرواية بالأمر الهيّن، كونهما يحتملان التداخل، والمُتعة الفكرية والنفسية هو حكمة المحاولة، وتحتاج لجرأة أدبية عالية، بمعنى، أن يذهب المرء منّا في الضوء، يعني أن يكون عُرضة للرأي، للنقد الأدبي. الكتابة تصير الغاية المنشودة لإيصال الفكرة والرأي والإحساس، ولا تستقيم الرواية بغير الخيال، والخيال سهوب من الأقمار المتساكبة في مجرى الوريد، في إعقالها قصائد مسموعة الإحساس. لذا الشّعر من خلال تجربتي، المدخل الأساس للرواية، فيهما يطير الشاعر الأديب الكاتب بجناحين.. سابراً تلك الأبعاد اللامتناهية، يحمل عنها تجربته، أسلوبه، منجاته أو بالأحرى وقوعه خارج جاذبية المؤقت؛ حينها لا عودة، جسدُهُ على الأرض وروحُهُ هناك…!!

*يقول احسان عبد القدوس : “الثقافة تمثل نوعًا من الإرادة .. إرادة التمرد”
ما هي القضية التي حفّزت قلم الشاعر احمد وهبة لمحاكاة المجتمع العربي المطمئن لتبعيته العمياء؟

هل يمتلك المرءُ إرادة وجوده في الحياة.. في المكان والزمان، يمتلك في ما بعد القدرة والجرأة والتمرّد. ومن خلال تجربتي، التمرّد بحدِّ ذاته، اكتشاف يعادل معادلات الفيزياء، كونها تخضع للاكتشاف. هكذا نحن معشر البشر، علينا أن لا نُهمل البيت، المدرسة، الشارع، اللبِنات الأولى في تشكّل شخصية الإنسان.
الأحداث بمجرياتها وتحوّلاتها الكبرى في السياسة والاجتماع والعسكر، في القضايا الوطنية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والظلم اللاحق باللاجئين الفلسطينيين، في لبنان خلال تلك الفترة، حيث ولدت وترعرعت في ضيعة الدكوانة، وشاهدت بأمّ العين الحيف والظلم والمهانة بحق شعب أصيل من قبل أجهزة السلطة اللبنانية آنذاك، كذلك هم لاجئون في بلادهم فلسطين، هم في الشتات والمنافي، وتآمر وخذلان العرب بجموعهم واجتماعهم لنصرة فلسطين شعباً وارضاً وتاريخ.. الأقصى، بيت لحم، والمعراج. كما تشكّل وعينا المُبكّر على قاهرة المعز – مصر عبد الناصر، وإيقاظ المشاعر القومية والوحدة ومواجهة الإستعمار في مختلف الأقطار العربية، وتحديات الأحلاف – أدوات الأميركان، منها حلف بغداد، ولم يمض كثير وقت، ومع تفتّح براعم الإطلاع والتعرّف على المادية التاريخية والديالكتيك.. كنّا في اليسار، حاملين، هاجسين بالتغيير، لإسقاط النظام الطائفي المقيت، كلّها عوامل محرّكة للإرادة، للتمرّد، لأخذ موقف حاد وصريح من النظام الرسمي العربي، المسؤول الأول عن مآسي الأمة من الماء إلى الماء، كنّا نتلمّس بعين البصيرة واليقين بأن لا أملَ من هذه الأنظمة بحكّامها وتبعيتهم للصهيو اميركي، ولم يطل بهم الوقت لإماطة اللثام عن وجوه الخيانة…
عوامل حفلت بها النفوس والعقول، تعرّضنا فيها لكيْ الوعي، للقتل والتهجير والدمار. وهذا الإبتسار للعقل، للوجود، للكرامة، للحقوق، ما المرجو من هكذا جلاوزة، وليس للشعوب أن تستكين، أن تصمت طويلاً، الشعوب بركان مهما خبا وهمد، لسوف يثور.

*اترك لك الختام مع نص تهديه لقراء كواليس…

الضوء الأوّل…

ماذا يفعلُ كي ينام، وقد شدَّ السابلةَ على خوفهِ كطاقيةِ الإخفاء، وعند المساء، عارياً بين سلالات العتمةِ يرتمي، بين يدين تعرفان شهوات الدّموع…

وقد صُيِّرَ الدّمُ ماء جسده، يحملهُ إلى إبط الرمال، كمن يُلاطفها بلحم المذابح، يمنح لليل أفكاراً، أقماراً، روائحَ.. تنثال طحالبُها بلهيب جراحٍ بأنفاسِ الرعشات، والوردة قارئةُ الأرواح.. لا تحملها مرايا مكسورة الوقت، لهذا الوقتِ آلهةٌ حمقى، جوعى ومتاريس وضِعوا على الأحلام…

وكان يثير جذاذاتِ أرقٍ في أحشاء الحياة، ينسى غريبَ ذاته عن فعل الحُبّ، يذهب ليُطلقَ عناصر التأوّهات، ويكاد من وجهٍ تقلّدَ العِقابَ بوجوهِ شرسة الطباع، هناك، حيث صفّقَ المُعجَبون، وتخلّفَ الخبزُ والملح، وانكسرَ نبيذُ الشّفاه، وتفتَّتَ القلبُ بين فكيْ.. مَنِ اكتملَ حتّى الإنكسار، ولا إفراج…

ختاماً كل الشكر والتقدير للقيّمين على مجلة كواليس والشكر موصول للأستاذة الإعلامية رانيا مرعي لإتاحة الفرصة ان اطل على قراء كواليس الأحبة.

شاهد أيضاً

في ظلال طوفان الأقصى “62”

وقفُ الحرب وانتهاءُ العدوان ضماناتٌ واهيةٌ ونوايا كاذبةٌ بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي تدرك المقاومة …