كابي لطيف: إذا كانت المرأة بخير يكون الوطن بخير 

كافي لطيف

هي رائدة في الإعلام، بدأت في تلفزيون لبنان لتصبح علامة فارقة في الذاكرة. كرّستها إذاعة Monte Carlo صوتاً ذهبيّاً وفكراً نيّراً عابراً للحدود. تخطّت لطيف العقبات الحياتية بذكاء وحنكة وإرادة متينة، مستعينة بحكم ودروس تعلّمتها على دروب العمر. “نداء الوطن” التقت لطيف في يوم المرأة العالمي وكان هذا الحوار الصادق.

*ماذا تقولين للمرأة اللبنانية في يومها؟

كل يوم هو يوم المرأة العالمي. مؤسف جداً عدم السماح لها بالمشاركة في صنع القرار كما يجب. فالمرأة مغيّبة عن صنع المستقبل، على الرغم من كونها مرآة تطوّر المجتمع، فإذا كانت المرأة بخير يكون الوطن بخير. عانت المرأة اللبنانية كثيراً. عاشت الحروب والهجرة وإعادة الإعمار والنكسات الأمنية المتكررة والأوضاع الاقتصادية المتردية وفقدان الأحبّة وغياب الأمان والخوف على المستقبل. هي جميلة مثقفة وعصرية ومعدنها صلب كالارزة. تلتوي ولكنها لا تنكسر، لأنها مؤمنة وحامية الهيكل. وقد أثبتت قدراتها في الثورة. تحية لكل امرأة تناضل لكرامتها ونيل حقوقها لصنع غدٍ أفضل.

*ما الذي تغّير بين إعلام الأمس واليوم؟

أمور كثيرة أهمها موقع الطرف الذي كان يساهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في التوجّه إلى الناس عبر الإعلام وتبلور سلوكيات جديدة لدى القارئ أو المشاهد أو المستمع بانعكاسات إيجابية وسلبية في آن. ففي السابق كان الصحافي يتولّى صياغة المادة الإعلامية. أما اليوم فتنافسه أطراف أخرى على هذا الدور. والمنافس قد يكون القارئ أو المشاهد أو المستمع الذي قد يتغلب على الصحافي بـ” السبق الصحفي” مثلاً. فقد يوثق الحدث بهاتفه لمصادفة وجوده في المكان فيضعه على الإنترنت. وعزاء الصحافي التقليدي هو تمكّنه من إنجاز السبق من حين لآخر عبر العمل الاستقصائي الميداني المتأني.

*إلى أي حد يلتزم إعلاميو اليوم بأخلاقيات المهنة؟

لا يزال الصحافيون يستخدمون الضوابط المهنية والأخلاقية. ولكن الأمر أكثر تعقيداً اليوم، فهم معرّضون لضغوط كثيرة فالركض وراء ما يستهوي المستمع أو المشاهد أو القارئ وللظهور في هذه المؤسسة الإعلامية أو تلك عوامل تحد من هامش تحرّك الإعلامي الملتزم بالممارسة النزيهة. وما يعقد المسألة أنّ الإعلام المتوازن وغير المنحاز يحتاج إلى أموالٍ دائمة وطول نفس. وواضح اليوم أن وسائل الإعلام أصبحت غير قادرة على الثبات أمام الصحافة الإلكترونية الحريصة على تعزيز “ما يطلبه المستمعون والمشاهدون والقرّاء” بكلفةٍ منخفضة أكثر من حرصها على الإعلام النزيه. وهذا ما يفسّر اختفاء الطبعات الورقية من صحف ومجلات عريقة في العالم كان يضرب بها المثل في الحيادية والالتزام بقواعد المهنة.

مع الروائي اسكندر نجار من أمام Monte Carlo

ما رأيك بطريقة تعاطي وسائل الإعلام مع أزمة كورونا؟

قبل جائحة كورونا كان الإعلام المتعلّق بالصحة يُدرج ضمن ما يسمى ” الإعلام البارد” مقابل “الإعلام الساخن” المتصل بالأحداث الميدانية أو المواضيع السياسية ذات البُعد الوطني أو الإقليمي أو العالمي. وكانت الأولوية للأخير. أعادت أزمة كورونا النظر في هذا الطرح فالضيوف ما عادوا سياسيين بالدرجة الأولى بل كبار الأطباء المتخصصين بالأمراض المتصلة بالمناعة والجهاز التنفسي.

ما الفرق بين إعلامي جريء ووقح وما نصيحتك لأبناء المهنة؟

علمتني تجربتي الطويلة أنّ الجرأة ليست في طرح الأسئلة التي يُراد منها تعجيز الضيوف أو إحراجهم. بل في حثّهم على اعتماد الصدق. والصحافي الوقح هو الذي يتعامل مع الضيوف كما لو كانوا خصوماً لا بدّ من مناصبتهم العداء أو أصدقاء لا بد من مجاراتهم. أما الصحافي الجريء فهو الذي يطرح الأسئلة المناسبة من دون أن يدفع الضيف إلى الانغلاق على نفسه أو مغادرة البلاتو. إجراء مقابلة مع ضيف كمن يتعاطى مع امرأة في المخاض. أما نصيحتي لأبناء المهنة فهي أن يكونوا ملتزمين بالقضايا الثقافية والوطنية والاجتماعية والسياسية وشغوفين في الدفاع عن الحق والحقيقة. كونوا أنتم! ففي السماء مساحةٌ لكثير من النجوم.

ما الذي تعنيه لك بيروت؟

شكّلت السنوات القليلة التي تعرّفت فيها على عاصمتنا الحبيبة ذخيرةً لحياتي المستقبلية. كنت مبهورة بجمالها وتنوعها والتعددية والتحرر والديموقراطية فيها. والمدينة حيث يعيش الانسان فيتأثّر بها ويصبح مديناً لها. وأنا مدينةٌ لبيروت. لم أعرفها إلا في المراهقة عبر شارع الحمرا مثلاً، الذي يختصر العالم. ‎ففيه تتلاقى الجنسيات والثقافات والثورات وتحاك السياسات. أعشق بحرها وهواءها وشوارعها وذكرياتي معها. بيروت تسكنني في كلّ لحظة وموقف وهي الملهمة الأبدية. وكما يقول الروائي المبدع أسكندر نجار في “رواية بيروت”: “بيروت تسكنني. هي خارج المكان والزمان. إنها واحدة من تلك الأماكن التي لا يمكن لاحدٍ غزوُها كالجنة”.

لماذا غادرتها إذاً؟

بعد 11 عاماً من الحرب لم احتمل التناحر الداخلي بين إخوة البيت الواحد. قرّرتُ المغادرة الى فرنسا بعد تلقي عرض من إذاعة Monte Carlo. أما تلفزيون لبنان الذي عملتُ فيه لـ13 عاماً فتمت إقالتي منه برسالة من سطرين ومن دون تعويض، لأنني لم ألتحق بالمحطة بالموعد المحدّد لاندلاع الحرب. بدأتُ مسيرة كبيرة في Monte Carlo مع المستمعين العرب في أنحاء العالم كافة واستضفت أهم المثقفين والفنانين والشخصيات. وهي تجربة أغنتني ومكّنتني من خدمة وطني وأنا في الغربة. وقد رفع المغتربون إسم وطنهم في العالم كافة، وقدري أن أحبّ لبنان من غربتي.

هل من كاتب أو روائي يستفزّك؟

أنا محظوظة لأنني عاصرتُ الشاعر الكبير أنسي الحاج وعايشت زمن محمود درويش وأدونيس والبياتي وغيرهم. كما التقيت وحاورت المبدع العالمي اسكندر نجار مرات عدة. مهنتي قائمة على التواصل البنّاء. وأرى أنّ نجار يلعب دوراً ريادياً في الإضاءة على لبنان عالمياً ثقافياً واجتماعياً وتاريخياً وسياسياً. وأنا قارئة نهمة، فبالكتب أسافر الى العالم أجمع. أعشق رائحة الورق وحفيفه وملمسه. لكنّي كذلك مدمنة الحاسوب والتكنولوجيا. فتح لنا “غوغل” مجال البحث عن المعلومات لإيجاد الأجوبة عن الأسئلة. أنا مدافعة عن الكتاب لكنّ وسائل التواصل الإجتماعي توثّق المعلومات وتضمن استمراريّتها.

ما هو حلمك؟

أن أرى لبنان مجدداً جنة الشرق ونموذجاً للتعايش. وكلّما تأملت أصبت بخيبة.

رفيقك على درب الحياة؟

حدسي. أعود دائماً الى ذاتي في القرارات الصعبة. ولكن الحياة مدرسة. تعطينا دروساً في كل لحظة. أتعلم من تجارب الآخرين. وأصغي الى الصمت.

ماذا ينقص العالم؟

المحبة، التسامح والعدل.

حكمتك؟

هذه هي الحياة شئت أم أبيت: لن تتعافى من دون أن تتألم، ولن تتعلم من دون أن تخطئ، ولن تنجح من دون أن تفشل ولن تحب من دون أن تفقد.

المحامية ليلى عواضه: المرأة ضحية الذكورية وحمايتها واجب

عن يوم المرأة العالمي

يوم المرأة العالمي ك

كابي لطيف: إذا كانت المرأة بخير يكون الوطن بخير
8 آذار 2021
02 : 00
هي رائدة في الإعلام، بدأت في تلفزيون لبنان لتصبح علامة فارقة في الذاكرة. كرّستها إذاعة Monte Carlo صوتاً ذهبيّاً وفكراً نيّراً عابراً للحدود. تخطّت لطيف العقبات الحياتية بذكاء وحنكة وإرادة متينة، مستعينة بحكم ودروس تعلّمتها على دروب العمر. “نداء الوطن” التقت لطيف في يوم المرأة العالمي وكان هذا الحوار الصادق.
ماذا تقولين للمرأة اللبنانية في يومها؟

كل يوم هو يوم المرأة العالمي. مؤسف جداً عدم السماح لها بالمشاركة في صنع القرار كما يجب. فالمرأة مغيّبة عن صنع المستقبل، على الرغم من كونها مرآة تطوّر المجتمع، فإذا كانت المرأة بخير يكون الوطن بخير. عانت المرأة اللبنانية كثيراً. عاشت الحروب والهجرة وإعادة الإعمار والنكسات الأمنية المتكررة والأوضاع الاقتصادية المتردية وفقدان الأحبّة وغياب الأمان والخوف على المستقبل. هي جميلة مثقفة وعصرية ومعدنها صلب كالارزة. تلتوي ولكنها لا تنكسر، لأنها مؤمنة وحامية الهيكل. وقد أثبتت قدراتها في الثورة. تحية لكل امرأة تناضل لكرامتها ونيل حقوقها لصنع غدٍ أفضل.

ما الذي تغّير بين إعلام الأمس واليوم؟

أمور كثيرة أهمها موقع الطرف الذي كان يساهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في التوجّه إلى الناس عبر الإعلام وتبلور سلوكيات جديدة لدى القارئ أو المشاهد أو المستمع بانعكاسات إيجابية وسلبية في آن. ففي السابق كان الصحافي يتولّى صياغة المادة الإعلامية. أما اليوم فتنافسه أطراف أخرى على هذا الدور. والمنافس قد يكون القارئ أو المشاهد أو المستمع الذي قد يتغلب على الصحافي بـ” السبق الصحفي” مثلاً. فقد يوثق الحدث بهاتفه لمصادفة وجوده في المكان فيضعه على الإنترنت. وعزاء الصحافي التقليدي هو تمكّنه من إنجاز السبق من حين لآخر عبر العمل الاستقصائي الميداني المتأني.

إلى أي حد يلتزم إعلاميو اليوم بأخلاقيات المهنة؟

لا يزال الصحافيون يستخدمون الضوابط المهنية والأخلاقية. ولكن الأمر أكثر تعقيداً اليوم، فهم معرّضون لضغوط كثيرة فالركض وراء ما يستهوي المستمع أو المشاهد أو القارئ وللظهور في هذه المؤسسة الإعلامية أو تلك عوامل تحد من هامش تحرّك الإعلامي الملتزم بالممارسة النزيهة. وما يعقد المسألة أنّ الإعلام المتوازن وغير المنحاز يحتاج إلى أموالٍ دائمة وطول نفس. وواضح اليوم أن وسائل الإعلام أصبحت غير قادرة على الثبات أمام الصحافة الإلكترونية الحريصة على تعزيز “ما يطلبه المستمعون والمشاهدون والقرّاء” بكلفةٍ منخفضة أكثر من حرصها على الإعلام النزيه. وهذا ما يفسّر اختفاء الطبعات الورقية من صحف ومجلات عريقة في العالم كان يضرب بها المثل في الحيادية والالتزام بقواعد المهنة.

مع الروائي اسكندر نجار من أمام Monte Carlo

ما رأيك بطريقة تعاطي وسائل الإعلام مع أزمة كورونا؟

قبل جائحة كورونا كان الإعلام المتعلّق بالصحة يُدرج ضمن ما يسمى ” الإعلام البارد” مقابل “الإعلام الساخن” المتصل بالأحداث الميدانية أو المواضيع السياسية ذات البُعد الوطني أو الإقليمي أو العالمي. وكانت الأولوية للأخير. أعادت أزمة كورونا النظر في هذا الطرح فالضيوف ما عادوا سياسيين بالدرجة الأولى بل كبار الأطباء المتخصصين بالأمراض المتصلة بالمناعة والجهاز التنفسي.

ما الفرق بين إعلامي جريء ووقح وما نصيحتك لأبناء المهنة؟

علمتني تجربتي الطويلة أنّ الجرأة ليست في طرح الأسئلة التي يُراد منها تعجيز الضيوف أو إحراجهم. بل في حثّهم على اعتماد الصدق. والصحافي الوقح هو الذي يتعامل مع الضيوف كما لو كانوا خصوماً لا بدّ من مناصبتهم العداء أو أصدقاء لا بد من مجاراتهم. أما الصحافي الجريء فهو الذي يطرح الأسئلة المناسبة من دون أن يدفع الضيف إلى الانغلاق على نفسه أو مغادرة البلاتو. إجراء مقابلة مع ضيف كمن يتعاطى مع امرأة في المخاض. أما نصيحتي لأبناء المهنة فهي أن يكونوا ملتزمين بالقضايا الثقافية والوطنية والاجتماعية والسياسية وشغوفين في الدفاع عن الحق والحقيقة. كونوا أنتم! ففي السماء مساحةٌ لكثير من النجوم.

ما الذي تعنيه لك بيروت؟

شكّلت السنوات القليلة التي تعرّفت فيها على عاصمتنا الحبيبة ذخيرةً لحياتي المستقبلية. كنت مبهورة بجمالها وتنوعها والتعددية والتحرر والديموقراطية فيها. والمدينة حيث يعيش الانسان فيتأثّر بها ويصبح مديناً لها. وأنا مدينةٌ لبيروت. لم أعرفها إلا في المراهقة عبر شارع الحمرا مثلاً، الذي يختصر العالم. ‎ففيه تتلاقى الجنسيات والثقافات والثورات وتحاك السياسات. أعشق بحرها وهواءها وشوارعها وذكرياتي معها. بيروت تسكنني في كلّ لحظة وموقف وهي الملهمة الأبدية. وكما يقول الروائي المبدع أسكندر نجار في “رواية بيروت”: “بيروت تسكنني. هي خارج المكان والزمان. إنها واحدة من تلك الأماكن التي لا يمكن لاحدٍ غزوُها كالجنة”.

لماذا غادرتها إذاً؟

بعد 11 عاماً من الحرب لم احتمل التناحر الداخلي بين إخوة البيت الواحد. قرّرتُ المغادرة الى فرنسا بعد تلقي عرض من إذاعة Monte Carlo. أما تلفزيون لبنان الذي عملتُ فيه لـ13 عاماً فتمت إقالتي منه برسالة من سطرين ومن دون تعويض، لأنني لم ألتحق بالمحطة بالموعد المحدّد لاندلاع الحرب. بدأتُ مسيرة كبيرة في Monte Carlo مع المستمعين العرب في أنحاء العالم كافة واستضفت أهم المثقفين والفنانين والشخصيات. وهي تجربة أغنتني ومكّنتني من خدمة وطني وأنا في الغربة. وقد رفع المغتربون إسم وطنهم في العالم كافة، وقدري أن أحبّ لبنان من غربتي.

هل من كاتب أو روائي يستفزّك؟

أنا محظوظة لأنني عاصرتُ الشاعر الكبير أنسي الحاج وعايشت زمن محمود درويش وأدونيس والبياتي وغيرهم. كما التقيت وحاورت المبدع العالمي اسكندر نجار مرات عدة. مهنتي قائمة على التواصل البنّاء. وأرى أنّ نجار يلعب دوراً ريادياً في الإضاءة على لبنان عالمياً ثقافياً واجتماعياً وتاريخياً وسياسياً. وأنا قارئة نهمة، فبالكتب أسافر الى العالم أجمع. أعشق رائحة الورق وحفيفه وملمسه. لكنّي كذلك مدمنة الحاسوب والتكنولوجيا. فتح لنا “غوغل” مجال البحث عن المعلومات لإيجاد الأجوبة عن الأسئلة. أنا مدافعة عن الكتاب لكنّ وسائل التواصل الإجتماعي توثّق المعلومات وتضمن استمراريّتها.

ما هو حلمك؟

أن أرى لبنان مجدداً جنة الشرق ونموذجاً للتعايش. وكلّما تأملت أصبت بخيبة.

رفيقك على درب الحياة؟

حدسي. أعود دائماً الى ذاتي في القرارات الصعبة. ولكن الحياة مدرسة. تعطينا دروساً في كل لحظة. أتعلم من تجارب الآخرين. وأصغي الى الصمت.

ماذا ينقص العالم؟

المحبة، التسامح والعدل.

حكمتك؟

هذه هي الحياة شئت أم أبيت: لن تتعافى من دون أن تتألم، ولن تتعلم من دون أن تخطئ، ولن تنجح من دون أن تفشل ولن تحب من دون أن تفقد.

مواضيع ذات صلة
في يوم المرأة العالمي: من التحدّي يأتي التغيير وخيارنا التحدّي

المحامية ليلى عواضه: المرأة ضحية الذكورية وحمايتها واجب

عن يوم المرأة العالمي

ابي لطيف

شاهد أيضاً

مبدعون تحت سماء صيدا “.. مدينة تتنفس ثقافةً وفنوناً!

تحتار وأنت تجول في معرض ” مبدعون تحت سماء صيدا ” من أين تبدأ وأين …