قبل الضربة القاضية… العودة إلى مبادرة بري

رضوان عقيل

لا صحة لكل المعلومات التي تحدثت عن حصول انفراجات على خط تأليف الحكومة وحصول تنازلات من المعنيين الأولين: الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري حيث لا يزال الاستعصاء السياسي سيد الموقف بين الرجلين بعدما أخذت القضية بينهما أبعاداً شخصية وعامة في مقاربة التعاطي مع شكل الحكومة المقبلة.

وفي زحمة تقاذف الاتهامات والردود والمسؤوليات يسأل كثيرون ماذا يفعل رئيس مجلس النواب نبيه بري المنزعج من كل المشهد. وينقل عنه انه أصيب بالاحباط نتيجة ما وصلت اليه أمور تاليف الحكومة ولا سيما بعد تعثر عجلة الاقتصاد وسائر القطاعات الانتاجية في البلد فضلاً عن حالة اليأس التي وصل اليها اللبنانيون جراء حالة القرف التي تسيطر يومياتهم. وتقول جهات متابعة انه في النهاية لا مفر من العودة الى #مبادرة بري التي دوزنها وطرحها بعناية شديدة وان حسابات البعض أبعد من مسألة حجز الثلث المعطل او من يتسلم وزارة الداخلية والبلديات. وان كل ما يدور عن الحصول على الثلث المعطل “يبقى حكي بحكي”. ولذلك لم يصدق كثيرون ان فريق العونييين تخلى عن هذا الثلث اي قبولهم بخمسة وزاراء زائد مقعد حزب الطاشناق وان تكتل “لبنان القوي” برئاسة جبران باسيل لن يمنح هذه الحكومة الثقة مع سؤال كيف ستسقيم العلاقة هنا بين مجلس الوزراء والتكتل النيابي المسيحي الاكبر؟

 ومن هنا تأتي الدعوة الى طرح بري الحكومي والتمسك بها وسيتم العودة الى مندرجاته اذا توفرت النيات الحقيقية لتشكيل الحكومة التي تحكمها ثوابت التوازن مع ضرورة التنبه والانتباه الى خطورة ما وصلت اليه الامور على الارض من تدهور وملامسة الفوضى المفتوحة في بلد مشرع على شتى أشكال الانهيارات والانقسامات ومعاودة نبش طروحات وخيارات من صناعة سبعينات القرن الفائت.

في هذا الوقت لا ينفك خصوم الحريري من الاشارة الى ان لعبة التأليف واقدامه على تحمل هذه المسؤولية لم تعد عنده او ملكه وان قرار الربط والحل يمسك به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وينقل هنا عن ديبلوماسي يمثل دولة مؤثرة ان الحريري ليس موجوداً الان على شاشة رادار ولي العهد المنهمك بأكثر من ملف في بلده زائد قضية الصحافي الراحل جمال خاشقجي اضافة الى غوصه في ترتيب علاقاته مع الادارة الجديدة في البيت الابيض. وان الحلقة الضيقة بالحريري الى رؤساء الحكومات السابقين ولا سيما الرئيس نجيب ميقاتي يعرفون “حقيقة معاناة” الرئيس المكلف ومن دون التقليل بالطبع من وطأة شروط عون حيال تعاطية مع ملف تشكيل الحكومة المنتظرة وكل الحسابات التي يرسمها حيال مستقبل فريقه السياسي. 

في غضون ثمة تغيير في الموقف الفرنسي حيال التعاطي مع عون مع ميل لدى باريس وان لم يكن ظاهراً انها اخذت تحمل رئيس الجمهورية مسؤولية التأخير الحاصل في تأليف الحكومة زائد ان موسكو ليست بعيدة من هذه الخلاصة. ولم يعد “حزب الله” يتبى ما يقوله العونيون مئة في المئة بل يرد بديبلوماسية ان الطرفين عون والحريري يتحملان المسؤولية حيث يتم الامسك بالعصا من وسطها. ومن هنا كان السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم يقولان بصريح العبارة انهما لا يريدان الثلث المعطل في حوزة أي جهة حيث تتم العودة الى مبادرة الرئيس بري. ويتلقى الحزب ضغوطاً تدفعه الى فرض تأثيره أكثر في لعبة التأليف. ومن الخطأ اتهامه ان هذه المراوحة تخدم سياساته بل على العكس فأنه سيكون اول المتضررين في حال اتساع مساحة الفوضى في البلد ولا سيما ان التظاهرات والاعتراضات وصلت على عمق ساحات الشيعة وخزانهم الجماهيري الانتخابي في الضاحية والجنوب والبقاع الناقم على سوء الاوضاع المعيشية.

وليس في مصلحة صديقتهم طهران الاستمرار في هذه المراوحة في البلد التي تستعجل بدورها ولادة الحكومة. وثبت ان ملف الحكومة لا يقدم او يؤخر في ملفها النووي مع واشنطن التي لا تضع لبنان في مرتبة متقدمة على أولوية أجندتها، وفي المقابل لم تعد تسمع اصوات تتهم الاميركيين بالتعطيل ولا سيما بعدم اصيبوا بأكثر من خيبة في الشرق الاوسط وان كانوا لا يتراجعون بالطبع عن الاهتمام ببلدان الخليج ولكن ليس وفق نظرية الامس التي كان يرفعها الرئيس الاسبق جيمي كارتر وهي “حماية نفط الخليج بأي ثمن”. ويظهر من الاسماء التي تحضرها واشنطن في “غرفة عملياتها” الجديدة انها لا تأتي باسماء من الصقور على غرار الوجوه المرشحة لتحل في موقع ديفيد شنكر. 

من جهة اخرى يشدد كثيرون على توزير اسماء تتمتع باستقلالية في اتخاذ القرارات التي تنتظرها، وان عينة الاسماء التي تم طرحها من الشيعة على سبيل المثال تحظى بمقبولية ويمكن التعويل عليها في تعاطيها مع الملفات التي تنتظرها مع طموح اللبنانيين الحائرين الى توزير وجوه استثنائية هذه المرة ولاسيما ان صيغة لبنان القديم لم تعد تنفع عندما كان يكثر الاسهاب في الحديث عن بلد السياحة والخدمات. وان الحرب التي انتهت في اواخر الثمانيتات اتت بأكثر الوزراء من الخنادق الى مقاعد السرايا الحكومية وان الحرب الاهلية التي كانت تدور في الشارع انتقلت متاريسها الى طاولة جلسات مجلس الوزراء. وان هذه العينات من الحكومات لم تعد صالحة في الخدمة ولا سيما في ظل وجود هذا الكم اليوم من التحديات المالية والمعيشية في دولة لم تعد الا على بعد أمتار قليلة من الفوضى المفتوحة والافلاس والموت بالضربة القاضية.

شاهد أيضاً

في أجواء سورة الجمعة

✒️ المرجع الراحل السيِّد محمد حسين فضل الله. 📖 تفسير من وحي القرآن . _________ …