دول البريكس وآفاق النّظام العالميّ الجديد..

ما من شكٍّ أنّ منظومة دول البريكس ( brics ) تسعى لإيجاد نظام عالميّ جديد تقوده لاحقاً ، ومن الجدير بالذّكر أنّ دول ذلك التّكتّل كانت بداية دول ” البريك ” ، وهي البرازيل وروسيا والهند والصّين، وانضمّت جنوب إفريقية إلى ذلك التّكتّل في عام 2010م ، ليغدو اسم التّكتّل ( دول البريكس ) ، وكان الهدف تأسيس نظام عالميّ جديد ثنائيّ القطبيّة، ولعلّ من أبرز الأهداف التي يسعى لها تعزيز التّعاون الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ لتحقيق مصالح تلك الدّول المشتركة، وأبرزها تشكيل نظام اقتصاديّ متعدّد الأقطاب، يكون مؤثّراً في رسم السّياسة العالميّة الجديدة ، وله القدرة على الصّمود في وجه ما يعتري العالم من أحداث اقتصاديّة عالميّة ، وقد أنشأت تلك الدّول بنكاً جديداً موقعه في شنغهاي الصّينيّة سمّي “بنك التّنمية الجديد” وصندوقاً أُطلِق عليه ” صندوق بريكس” ، وهما سيكونان بديلين للبنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّوليّ في النّظام العالمي الجديد ، وتمّ إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى العالميّ ، وهذا يمثّل خطوة أولى في مخطّطها لإعلان النّظام العالميّ الجديد ، ولعلّ الهدف غير المعلَن يتمثّل في إنشاء مؤسّسة دوليّة رديفة للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة الحالية ، أي : البنك الدّوليّ وصندوق النّقد الدّوليّ ، لتحرير العالم من قيودهما وتأثيراتهما ، ومن المعلوم أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة تسيطر عليهما في رسم سياستهما العامة بما يخدم مصالحها، وكذلك فإنّ دول البريكس تسعى ليكون لها تأثيرها في مختلف الجوانب الاقتصاديّة والسّياسيّة على العالم برمّته ، وسيكون وجودها مؤشّراً حقيقيّاً لبداية حقبة عالميّة جديدة ينتهي فيها النّظام العالميّ الحالي ذو القطب الواحد الموحَّد الرُّؤى بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وهذا ما يدعو لتشكّل نظامٍ متعدّد الأقطاب، وتكون الصّين وروسيا قوّتين بارزتين في مواجهة الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً، ويكون دورهما استراتيجيّاً ومؤثّراً في العالم في مرحلة قريبة قادمة لاحقة ، وسيظهر بوضوح وجلاء خصوصاً بعد حالات الفشل الأمريكيّ والانقسام والرّكود الاقتصاديّ، ولعلّ من شبه المؤكّد أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة في إدارتها السّياسيّة لن تسلّم بالتّغيير بسهولة ، ولكنّ المؤسّسات الأمريكيّة الاقتصاديّة لن تكون أكثر وطنيّة من المؤسّسات الاقتصاديّة الأوربيّة التي هجرت أوربا إلى أمريكا عندما اقتضت مصالحها الذّاتية ذلك، وجاءت الأحداث التي تعصف بها الآن لتمثّل بداية انهيار العالم القديم ، وربّما نشهد فترة انتقال رأس المال الأمريكيّ إلى تلك الدّول لإحداث تغييرات عالميّة متسارعة تصبّ في مصلحة دول البريكس ونموّ اقتصادها المتسارع بما يلبّي تغييرات منظومة الاقتصاد العالميّ الحالي لبناء اقتصاد عالميّ متعدّد الأقطاب ، وهذا ما تسعى له دول البريكس، ولعلّ من شبه المؤكّد أنّ الدّولار الأمريكيّ بدأ يتراجع مع الرّكود الاقتصاديّ العالميّ ، وسيكون نشوء البنك والصّندوق الدّوليين الجديدين أكثر جذباً لرأس المال الدّوليّ ، وهذا ما يسهم في القدرة التّنافسيّة المتصاعدة ، وكذلك فإنّ أسواق دول البريكس ستكون بالتّالي أكثر حرصاً على اجتذاب رؤوس الأموال العالميّة بما يرسم سياسة عالميّة اقتصاديّة جديدة تؤسّس لنظام عالميّ جديد، وبالتّالي هناك أهداف لتلك المنظومة غير الاقتصاد.
وبرأيي: فإنّ منظومة دول بريكس لم تصل بعد إلى تحقيق أهدافها المنشودة حتّى الآن ، فهي منظومة مستحدثة منذ عقدين تقريباً. لأنّ هدفها الحقيقيّ هو إعلان ولادة جسد جديد هو النّظام العالميّ الجديد ، والذي ستكون منظومة بريكس قلب ذلك الجسد.
ولعلّنا هنا نتساءل : هل سنشهد أيضاً هجرة لرأس المال الأمريكيّ أو العالميّ عموماً لدول البريكس وبنكها وصندوقها ؟! ومَن يستطيع الصّمود أكثر الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفاؤها أو روسيا والصّين وحلفاؤهما في المرحلة القادمة ، وكنت قد أشرت في مقال بعنوان : ” هل الكورونا مؤشّر لانهيار النّظام الاقتصاديّ الأمريكيّ ؟!” بتاريخ 31/3/2020م في (الوكالة العربيّة للأخبار ) وفي الإعلام الرّسميّ السّوريّ، لتأتي تلك الرّؤيا التي قدّمتها متطابقةً مع ما صرّح به السّيّد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق في يوم السّبت 4/4/2020م عبر مقال له في صحيفة ( وول ستريت جورنال ) بأنّ جائحة كورونا ستغيّر النّظام العالميّ للأبد ، وبالتّالي : فإنّ ذلك الوباء سيكون مؤشّراً لبداية حقبة عالميّة جديدة ينهي النّظام العالميّ الحاليّ ويؤسّس لحقبة عالميّة جديدة، وربّما أنّ الوقت قد حان لتتزعّم الصّين العالم بعد أن بدأت تباشير السّقوط الأمريكيّ تلوح في الأفق ، وهنا يمكننا أن نتساءل:
ما مقوّمات القوّة وعوامل الضّعف في مجموعة دول ” بريكس ” ؟!.
ولعلّ مقوّمات القوّة تتمثّل فيما تمتلكه دول المنظومة من قدرات وإمكانيّات اقتصاديّة وبشريّة ومساحات جغرافيّة وثروات .. وهي تمتلك خمس النّاتج القوميّ العالميّ ، ومن المقوّمات أيضاً ما تحمله من رؤى استراتيجيّة عالميّة تستطيع ترجمتها تَبَعاً لمقتضيات الواقع بما يلبّي طموحها لبناء نظام عالميّ جديد.
أمّا عوامل الضّعف فهي متفاوتة بين دولة وأخرى ، ولعلّ ما يجمع بينها من عوامل يتمثّل في معاناة دول تلك المنظومة من مستويات الفقر الاجتماعيّ وعدم المساواة ، ويمكن للبعد الجغرافيّ بين تلك الدّول أن يكون أحد تلك العوامل ، إضافة إلى وجود تيّارات تنافسيّة مختلفة بين تلك الدّول وخصوصاً بين روسيا والصّين .
وتسعى دول منظومة البريكس أن تعمل لهجرة رأس المال الأمريكيّ أو العالميّ عموماً إليها وبنكها وصندوقها، وهنا أودّ الإشارة إلى أنّ أصحاب رؤوس الأموال العالميّة وخصوصاً العائلات الأمريكيّة المتحكّمة بالاقتصاد العالميّ أدركوا أنّ مركز الثّقل الاقتصاديّ القادم يتّجه شرقاً خصوصاً ودول البريكس عموماً، ولاحظنا أثر حرب الأسعار في الاقتصاد الأمريكيّ ، وانطلاقاً من ذلك نتساءل :
هل ستسلّم الولايات المتّحدة بهزيمتها أمام تعاظم الدّور القادم لدول البريكس ؟! وهل تستطيع دول البريكس كسر الهيمنة لمجموعة الثّماني الكبار العالميّة لاحقاً؟!، وبالتّالي تكون دول البريكس قد انتزعت الموافقة العالمية على تأسيس نظام عالميّ جديد ، وهذا يدلّ على أنّ النّظام الحالي مآله للسّقوط.

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ والاقتصاديّ :
نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …