أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

برت دكاش
كاتبة وصحافية في مجال الأعمال والاقتصاد، ومسؤولة قسم الرفاهية والساعات في مجلة الاقتصاد والأعمال وموقع أولا- الاقتصاد والأعمال.

تتمتع بخبرة أكثر من 20 عاماً في مجال الصحافة المكتوبة أعدت وأشرفت خلالها على إصدار أعداد خاصة في قطاعي التأمين والرفاهية. سبق ذلك تدريسها اللغة الفرنسية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة اللبنانية.

أصدرت روايتين هما “قلوب من ذهب” العام 2013 (دار المختار) و”حب في أتون النار” العام 2018 بالتعاون مع وكالة مواهب أدبية (دار الفارابي)

خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية.

من هواياتها المطالعة والسفر والتعرف على حضارات وثقافات جديدة والرياضة.

في قلمها نكهة خاصة ، تجذب القارئ فيتوحد مع فكرتها
ويبحر في رحلة في أتون الإبداع.

الكاتبة برت دكاش:

المثقفون وحدهم يقدرون على تهيئة الأرضية لقيام ثورات حقيقية مبنية على أفكار ورؤيا وهدف

*البدايات تترك لمسة خاصة في الذاكرة.
كيف اكتشفتِ موهبة الكتابة لديك ؟


الحياة كناية عن تراكم للتجارب، بعضها نعيشه نحن وبعضها الآخر يعيشه أشخاص آخرون إنما تجربتهم تؤثر فينا. وأحياناً تتحول هذه التجارب إلى مصدر إلهام لنا، ونود بداية لو نتحرر من ثقل بعضها بتدوينها، أو نرغب في مشاركتها مع الآخرين خصوصاً عندما تكون التجربة، شخصية كانت أو تجربة أثرت بنا، يمكن أن تكون عبرة للآخرين – لكن بعيداً عن لغة الوعظ – أو لإثارة قضية ما اجتماعية وإنسانية ربما نتمكن من إحداث ولو تغيير بسيط في المجتمع. واللافت في الأمر أن أول رواية كتبتها “قلوب من ذهب”، حلمت بعنوان الرواية وعندما استيقظت شرعت بكتابتها.

*كيف ومتى ينالُ الكاتبُ ثقة اللغة؟


اللغة العربية بحر واسع والتعمق بها إبحار مستمر في قواعدها وأسسها. أعتقد أن الكاتب ينال ثقة اللغة عندما تأتي الفكرة المكتوبة تجسيداً دقيقاً لما يريد إيصاله، بمعنى أن يصبح متمكناً منها لدرجة أنه يصبح بمقدوره انتقاء التعابير والكلمات التي توصف فكرته بشكل أدق. وأيضاً عندما نكتب فكرة جميلة، قد تكون أحياناً بأسلوب بسيط لكن عميق في آن واحد.

*بين الرواية الأولى والثانية خمس سنوات.
كيف صقلت الكاتبة برت دكاش موهبتها وقدراتها؟ حدثينا عن تعاونك مع وكالة مواهب أدبية التي ساهمت في إصدار روايتك الثانية؟

نحن كائنات حية، وبالتالي في تغير دائم، ليس في جوهرنا وعلاقاتنا بالآخرين، إنما في تكوين شخصيتنا المستمر. وخمس سنوات كانت كفيلة بصقل تجربتي الشخصية وتفاعلي مع الظروف وما يجري من احداث في محيطي الضيق والواسع، ولعلي ترجمت ذلك في روايتي الثانية “حب في أتون النار” التي تلقي الضوء على المعاناة الإنسانية خلال الحروب، إنها واحدة، بعيداً عن أبعاد الأخيرة السياسية وأهدافها، مستندة في ذلك إلى الحرب الدائرة في سورية. إذاً، خمس سنوات من الاختبارات والتجارب لا شك كان لها الأثر على الأفكار والأسلوب والقدرة على تطويع الكلمات لإيصال الفكرة المنشودة.
بالنسبة إلى مواهب أدبية، في الحقيقة تربطني معرفة قديمة وصداقة بالمفكر والأديب مؤسس مواهب أدبية دريد عوده، لذلك لم أتردّد قط في التعاون معه، ليس من باب الصداقة فحسب، إنما لريادة فكرة وكالة أدبية على مستوى لبنان والمنطقة، وللمهنية والحرفية العالية التي يتمتع بها دريد عوده شخصياً والتي انعكست في روايتي وجميع الإصدارات التي تحمل توقيع مواهب أدبية من ناحية الشكل والمضمون الرفيعين اللذين تشّدد عليهما الوكالة كمؤسسة وكمؤسس يملك في رصيده 11 مؤلفاً باللغة العربية والفرنسية والإنكليزية، يضاف إليهما قدرتها على نشر أعمالنا على نطاق إقليمي وعالمي. وأطمح إلى تكرار التجربة مع مواهب أدبية ما أن تستقر الأوضاع في لبنان.

*ينحاز البعض إلى الرواية لما فيها من تبحّر في الفكرة وأبعادها.
ما الذي تستطيع أن تقدّمه الرواية ويعجز عنه الشعر؟

ربما لأن الرواية لا تقتصر على حالة وجدانية التي غالباً ما تكون حالة الشاعر، للرواية أبعاد مختلفة منها إنسانية واجتماعية وأحياناً سياسية هادفة، إلى جانب طبعاً الحالة الوجدانية التي يسبغها الكاتب على شخصيات روايته.
وبمقدور الكاتب التوسع بها قدر ما يشاء شريطة ألا يضيع الفكرة.

*الرواية تشكِّل وثيقة مُهمة من وثائق فكر الأديب.
هل استطاع كتّاب الرواية العربية أن يصلوا بها إلى العالميّة؟


للأسف، لم تتمكن الرواية العربية من غزو الغرب مثلما غزت منطقتنا الروايات الغربية من كل حدب وصوب. أما الروايات التي نجحت وراجت في الغرب، فهي روايات لأدباء عرب كتبوا بلغات أجنبية وهنالك شواهد كثيرة على ذلك. في المقلب الآخر، نادرة هي الروايات العربية التي ترجمت إلى لغات أجنبية على نطاق واسع، أو إنها لم تأخذ حقها في الكلام عنها. ولعل للوكالات الأدبية، مثل مواهب أدبية دور تلعبه في هذا المجال من خلال الترويج للمؤلفات على اختلافها في البلدان الغربية كما العربية وهو بالفعل أمر بدأ يحصل.

*معروف عن الكاتبة برت دكاش حبها للساعات، هل برأيك تخطتنا عقارب الوقت في لبنان أو اننا ما زلنا نملك زمام المبادرة؟


للساعة رمزيتها، فهي ذلك العداد الذي يقيس لحظاتنا بحلوها ومرّها. وفي ما يخص لبنان، للأسف، لا أعتقد أننا ملكنا زمام المبادرة يوماً لنملكها الآن، والدليل موجات الهجرة الجماعية مطلع القرن الماضي والمتواصلة لغاية اليوم. يظهر ذلك بوضوح في أدب المهجر، في مؤلفات أدبائه الذين سعوا إلى واقع أفضل لم يتمكن لبنان من منحهم إياه، وبالفعل سطع نجمهم هناك، أما هنا، فلا أعتقد أنهم نالوا حقهم. لكن الأمل موجود دائماً. الأمل بأن يتنبه المثقفون أو من بقي منهم في رحاب الوطن للعمل على تغيير الواقع وبناء لبنان الذي نطمح جميعنا إليه. المثقفون وحدهم يقدرون على تهيئة الأرضية لقيام ثورات حقيقية مبنية على أفكار ورؤيا وهدف. ثورات قادرة على بناء لبنان دولة المواطنة وليس دويلات الطوائف.

*كيف توفقين بين عملك في مجال الأعمال والاقتصاد الذي يعتمد على الأرقام والحسابات وعالم الكتابة الذي مهما عقلنّاه يسبح في بحر الرومنسية؟

ربما لأنني من خلال الكتابة أعود إلى حقيقتي، وهي في كوني رومانسية حالمة.

*في ظلّ الأزمات الخانقة التي تعصف بلبنان هذه الفترة ، هلّ فكّرت في الرّحيل أو تعتبرين أنّ المثقفَ كالجندي دائمًا في الخطوط الأمامية للدفاع عن أرضه?

لم أفكر يوماً بمغادرة لبنان لأنني لطالما اعتبرت أن ما سأجنيه وأحققه في الخارج إنما على حساب شيء ما عزيز هنا. وللأسف، وجدنا اليوم أن كل ما آمنا به وبنيناه بكدّ وعناء، ينهار أمام أعيننا ما لم يكن قد انهار أصلاً. لا أخفيك سراً أنني شعرت بالندم أخيراً لكونني لم أغادر قبلاً لأن ما نشهده اليوم لا يشبه لبنان ولا مثقفيه بشيء. وكلما لمع اسم لبناني في الخارج أشعر بالأسى على لبنان الذي كان ليزدهر بوجود أمثال هؤلاء المبدعين كل في مجاله، وأحزن عليهم لأنهم لا يكرمون في وطنهم.

*أترك لك الختام في فقرة تهدينها لقراء كواليس .

مقتطف من رواية “حب في أتون النار”:

ينادينا الأفق ويغوينا مده الفسيح.
تغرينا الدرب المترامية التي ترسمها الشمس الذهبية على وجه الماء؛ كأنها تدعونا لنعبر من شاطئ حاضرنا إلى بر مستقبلنا.
تنادينا أحلامنا المحملة دوماً بصور الماضي، بصور الأمس الغافي في ثنايا الذكريات المنسية. فمهما يَطل عناق الموج للشاطئ، فإنه يعود إلى أحضان البحر. ومهما تَطل رحلتنا، ومهما أبعدتنا المسافات عن الأماكن المسكونة بأطيافنا، والساكنة فينا، فإننا سنعود إلى حيث تركنا ماضينا ورحلنا.

شاهد أيضاً

دبوس

ا لتآكل… سميح التايه ثلاثمائة من الصواريخ البطيئة، وبضع عشرات من المُسيّرات التي لا تندرج …