قراءة لرواية حنين للكاتب محمود النجار

بقلم: إبراهيم رسول
 


المكان والسرد


اعتمدت رواية حنين في بناءها الفني على تقنية السرد الأفقي, الذي هيمن على اسلوب بناء كثير من الروايات العربية, السرد بدأ بعمليةٍ استرجاعية للماضي البعيد, وهذه العملية التي انطلق السرد منها تسمى السرد الأفقي, البدايةُ الأولى للرواية من فصلها الأول الذي حمل عنوان ( هناك) إشارة إلى الماضي البعيد, ويدل على إن القاص يريد بالماضي تلك الذكريات التي مازال دماغه وقلبه يحتفظ بالكثير منها, الماضي بحلاوته ومره يقول الكاتب: ( هناك حيث ينبض قلبٌ بعيد في إحدى واحات المنافي النائية وصدى ذلك البعد القسري عن الوطن, ذلك البعد القاسي الذي فرضته علينا أنظمتنا السياسية من جهةٍ ومن جهة أخرى قساوة مجتمعاتنا وطبائعها المتوارثة عبر قرونٍ سحيقة..) فهو يبرر خروجه من الوطن بأن الأنظمة القاسية والدكتاتورية هي السبب نتيجة فرضها الحكم بقوة الحديد والنار, والتبرير الأخرى الذي يبدو غريباً إذ إن عادات وتقاليد المجتمع كانت سبباً في نفوره وغضبه! لعل هذه الكلمة تدلُ على ألم المرارة والغربة التي يعيشها الكاتب بنرجسية واضحة, هذه المجتمعات كانت قاسية بطبائعها العتيقة بدلالة كلمة( المتوارثة) التي تشير إلى إن هذه التراكمات باقية متجذرة في هذا المجتمع الذي يميلُ إلى البداوة في حياته وطريقة تفكيره التي لا يحبذها القاص, ثم مضى السرد يمارس تقنية الفلاش باك أو الاسترجاع والحنين لذلك الماضي البعيد في مدينة بغداد, المكان مؤثرٌ في نفسية القاص الذي أعرب عنه من خلال النص, فالحنين هو إلى المكان وليس إلى المجتمع القاسي! وكان البناء الفني قائماً على هذه التقنيتين تقنية الاسترجاع وتقنية السرد الأفقي الذي يخلو من التلاعب والمخاتلة والتشويش والتشويق على المتلقي, بل سار السرد بصورةٍ هادئةٍ, كانت شخصية جلال انطوائية نوعاً ما, إذ إنه لم يخالط الكثير من الاصدقاء على الرغم أنه كان صاحب عملاً حراً, بدأ يسرد الكاتب ذكريات تلك الايام التي قضاها في بغداد  وكيفية كانت الايام قاسية عليه إلا إنها لا تخلو من متعة وحلاوة قضاها مع اصدقاء الدراسة, فالمكان ظل هاجساً يؤرق الكاتب في غربته القاسية المفروضة عليه, الاسلوب كان مليئاً بكم من الاحاسيس والمشاعر, فالكاتب يريد  أن يبكي وبحرقة على غربته المفروضة لكنه حائرٌ بين نارين , نار شوقه إلى بغداد ونار غربته التي عاشها على مضض, فالرواية لمن يبحث عن الشوق  لوطنٍ هُجر منه قسراً، إلى الذي يشعر بدفء وحرارة الحنين إلى أماكن الصبا ومرابع اللهو في إحدى أزقة بغداد أيام الستينيات من القرن العشرين، لمن يأسره الألم على بغداد إبان عصرها الذهبي وما جرى عليها من تقلبات في صورتها وشكلها وطبيعتها، إنه الألم الذي يؤرق على صاحبه ويضنيه ويجعله يعيش المضض والحسرات على الدوام، لعل بعنوانها تكتمل الصورة وتفصح عن نفسها، إنه حنين عاطفي بين جسد نأى هناك حيث بلاد بعيد وترك هذا الجسد روحه تلعب وتلهو في منزلها الأول وهو الكرخ الجميل، هؤلاء يكتبون بقلوبهم وليس بأقلامهم، الدم كان هو الحبر الذي يسطر مشاعره ولهفته المتأججة على بغداد، هذا البعد القسري المفروض فرضاً على أبناءه لم يكن هيناً ليناً، بل بقيت النفس أسيرة الحنين إلى مستقرها، الكاتب يبث إلى بغداد مشاعره وموته السريري وهو ناءٍ هناك عنها، هذا الموت كان قاسياً ، خبيثاً، لم يرحم هذا الإنسان الذي شطر إلى شطرين ما بين روح سكنت بغداد ولم تفارقها وجسد بعُد هناك بعيداً عنها، هذه الروح لم تتركه يهنأ برغبته بل بقيت تطلق آهاتها إليه مغرية له بأن يعود يلعب ويلهو ويستنشق عبيرها، الكاتب يخبرها بأنه يكاد يموت ألف ميتة من جراء هذا الانشطار الجسدي – الروحي وهيهات أن يتم اللقاء بين مدينة تركت في ذاته أعظم الأثر، يعرف المدينة بأنها الأهل، الأقارب، الجيران، المحلة، الجنة، الأصدقاء، السعادة والنجاح، كل هذه تجدونه بين طيات هذه الرواية العاطفية.


شاهد أيضاً

*تيار الفكر الشعبي* في لبنان يشارك في لقاء حواري.

احيا “الائتلاف اللبناني الفلسطيني لحملة حق العمل للاجئين الفلسطينيين في البقاع ” مناسبة عيد العمال …