العملية القيصريّة التي ستنقذ الإقتصاد اللبناني.

بقلم الخبير المالي الأستاذة رولا ناصرالدين

بين إجهاض المبادرة الفرنسية و تكليف الرئيس سعد الحريري و تعثُّر عملية التأليف يقف الشعب اللبناني اليوم أمام الإستحقاق الأصعب و هو مواجهة الوباء الذي يغزو البشريّة منذ عام و نيّف و يضع إقتصادات الدول جميعها تحت إمتحان “تحمّل الإستنزاف الإجباري” ، حتى شهدنا تقلُّبات عالمية للدولار و الذهب.
تمسّك اللبنانيون بالمبادرة الفرنسية و أمل بمبادرة عربيّة و طمع بمساعدة من أشقاء أو حلفاء ، ولكن مصائب الدول الداخلية تخطّت مرحلة مساعدة الآخرين ووصلت إلى حد إستعمال الإحتياط بعد وصول الجائحة إلى العام الجديد دون حل نهائي قد ينهي الغزو الفيروسي الذي قد يستمر مع البشريّة و رغم فعاليات اللقاحات ستصبح الكمامة جزء من ملابس البشر، والتباعد الإجتماعي شيء طبيعي لتواصل البشر مع بعضهم البعض…
أما في لبنان فعلى الشعب اللبناني أن يتحمّل الانهيارات المالية والنقدية والاقتصادية والمعيشية التي لا حدود لها حتى اللحظة طالما العملية السياسية بقيت في ثلاجة العام 2020 ، والمواطن لم يعد يحتمل هذا الوجع بينما الاحزاب الحاكمة غارقة في المحاصصة الطائفية و الحزبية التي لا يمكن للنظام النقدي و المصرفي اللبناني أن يسترجع قوته ونشاطه دون الخروج بتسوية تعتمد على استثمار الطاقات الشبابية المتعلمة التي يمكنها بناء اقتصاد لبنان المستقبل الذي يتّسع للجميع.
 
أما وقد وضع ملف التشكيل الحكومي في الثلاجة، ووقفت الطبقة السياسية موقف المتفرج حيال الأزمة المالية الحادة التي يمر بها لبنان مع يقينها الكامل بأنّ لبنان يسير نحو جهنم حيث الانهيار الكبير، ها هي لا تزال بعيدة كل البعد عن المعالجات المطلوبة. فهل تملك ترف الوقت لبقائها في حال المراوحة هذه؟ وما الثمن الذي سندفعه نتيجة تأخر وصول الدعم المالي؟
 
منذ عام وأكثر والبلد ينزف مالياً واقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، وأولويتنا كانت ولا تزال الحصول على دعم مادي خارجي سريع لوقف النزيف وتأمين المواد الاساسية وتوفير شبكة حماية اجتماعية ووقف تدهور العملة. لماذا لم تكن اولوياتنا هي تحويل النظام الاقتصادي اللبناني الى نظام منتج فنصبح دولة مصنّعة لتكتفي ذاتيا و من ثم لتبدأ توريد منتوجاتها و و بيعها في الاسواق العالمية بالعملات الصعبة؟ لماذا لا نركز اكثر على دعم القطاع السياحي اللبناني الذي يمكن تنشيطه من خلال سعر الدولار الذي يشجّع السياح على الحضور الى لبنان و جعل المصيبة النقدية التي يعاني منها معظم الشعب اللبناني منذ عام مخرجاً للأزمة.
 
فلننسى الدعم المادي الخارجي لأنه لا يوجد دولة في العالم تدفع فلساً لتنشيط اقتصاد دولة اخرى دون الاستثمار في ثروات الدولة المدعومة او في امور اخرى يعلم بها أهل السياسة.
سيشهد الوضع الاقتصالي والمالي مزيداً من التدهور منذ إعداد الحكومة السابقة خطة الإنقاذ المالي في نيسان، وانخفض الاحتياطي في البنك المركزي بمعدل سريع وتفاقم حجم الخسائر في القطاع المالي. وبالتالي، انّ حاجاتنا الى الدعم التي قدّرتها الخطة بـ10 مليارات دولار ازدادت منذ وضع هذه الخطة في نيسان. أضف الى ذلك، كارثة انفجار المرفأ ااذي أدّى الى خسائر جسيمة اضافية تقدر بـ5 مليارات دولار على الاقل، وهذه بدورها تشكّل حاجات اضافية للدعم الخارجي او بدائلها الإقتصادية الواضحة على طريقة BOT .
 ولكن علينا ان نعي جيداً أن حاجة لبنان الى الدعم الخارجي في السنوات الخمس القادمة قد تفوق الـ30 مليار دولار. ويمكن تقسيمها بين دعم الوضع المالي والنقدي وتحفيز الاقتصاد وتأمين شبكة أمان اجتماعية وتعويض خسائر كارثة بيروت… ولا شك انّ جزءاً كبيراً من هذه الاموال يجب تأمينها سريعاً وفي السنة الاولى. صحيح أن الدعم الخارجي صعب ولكن مع الأسف انّ المعادلة أصبحت واضحة “لا خلاص بدون دعم مالي خارجي” ، ولا دعم مالياً خارجياً بدون اتفاق مع صندوق النقد، ولا اتفاق مع صندوق النقد بدون خطة مالية واصلاحية واضحة، ولا خطة مالية وإصلاحية واضحة بدون حكومة من الكفاءات والاختصاصيين تضع الخطة وتنفذها.
وعلى أهل السياسة في لبنان أن يفرجوا عن الحكومة بأسرع وقت ممكن من أجل البدء بالعملية الدقيقة التي ستنقذ لبنان.

شاهد أيضاً

مأتم جماهيري حاشد لشهيد حركة امل القائد وسيم موسى ( طاهر ) في بلدة كفركلا الحدودية مع فلسطين المحتلة

مصطفى الحمود . المفتي عبد الله : لبنان لا تقوم له قائمة الا بالحوار . …