أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

رشيدة الشانك، شاعرة وزجالة من المغرب الشقيق أستاذة مادة الاجتماعيات .
باحثة في سلك الدكتوراة، تاريخ وحضارة.

لها ديوانين مع ثلة من الأدباء المغاربة والعرب إصدار جامعة المبدعين المغاربة بالدار البيضاء. 

شاركت إلى جانب مبدعات عربيات في حوارات شعرية مع الشاعر  العراقي تحسين عباس في مجموعته الشعرية “فاكهة العطش”

صدر لها مجموعتان شعريتان:
هذه المتى سنة 2012
و”سماء ليست لي” سنة 2015
وقريبا إصدار مجموعتها الثالثة “عيون لكسوس”.
وديوان زجلي بعنوان “شكون للي تمم لحكاية”.

قامت بالعديد  من القراءات والدراسات الشعرية  لمبدعين عرب ومغاربة نشرت في صحف ومجلات مغربية وعربية.

قدمت مهرجان الزجل الدولي بمراكش.
وحفل تكريم صحفيات بمراكش، إضافة إلى العديد من المشاركات الشعرية في مهرجانات وطنية.

نشرت لها جرائد و مجلات عربية ناشطة في المجال الإبداعي الالكتروني والورقي، وترجمت قصائدها إلى اللغة والفرنسية والاسبانية .

لغةٌ أنيقة ترسم معالم الإبداع في نغمات معانيها، تشبه عنفوانها وفرادتها .

الشاعرة رشيدة الشانك: إنفتاحي على كتب التاريخ جعل قصيدتي تنهل من الاسطورة

*كيف تقدمين نفسك للجمهور اللبناني والعربي ؟

كنت أتمنى أن تقدمني أعمالي الشعرية وقراءاتي النقدية، وان تكون  الناطقة بإسمي الصغير في عالم الشعر الفسيح، وان يتعرف عليّ  الجمهور اللبناني والعربي من خلالها، وان تُحتضن مجموعتي الشعرية في مكتبات لبنان العامرة. ولكن  الحمد الله مواقع التواصل الآن  تقرب المسافة وتسهل الحوار والتعارف، عرفتنا بأدباء ونقاد من شتى بقاع العالم. قرأنا لهم، بل أننا تواصلنا معهم وأصبحنا أصدقاء مثلك الغالية رانيا مرعي سفيرة الأدب وحاملة مشعل التقارب بين الأدباء العرب.

شكراً مرة أخرى صديقتي الأديبة الشاعرة رانيا مرعي، يدك الممدودة بالصداقة والمعرفة، كنت السباقة بهذه المبادرة وهذا الإشعاع الثقافي، لتقديمي لجمهور عريض من محبي الثقافة والشعر خصوصاً في لبنان والمنطقة العربية.

رشيدة الشانك من مدينة مراكش الحمراء، من المغرب بلد الأطلس الشامخ والمحيط الرهيب، ما زلت اعتبر نفسي محبة للشعر وقراءته أكثر من أني شاعرة وهذا ما يجعل علاقة به فرحة متواصلة لا تفتر أبداً، وهذا ما يدفعني كذلك  للكتابة عن مجموعة من النصوص وتجارب لامست جنوني الشعري لأدباء عرب ومغاربة، وعقد صداقة مع النصوص في إطار قراءة متجددة (تجديد القراءة) وان كنت لا اعرفهم شخصياً، بل فقط قرأت قصائدهم المجنونة شعراً علاقتي  بالنصوص أقوى من أصحاب النصوص.

تكويني كباحثة في تاريخ المغرب وانفتاحي على كتب التاريخ جعل قصيدتي تنهل من الأسطورة أو بكل بساطة من التاريخ برموزه وأحداثه والجغرافيا بسطوة بأمكنتها، وربما مهنتي كأستاذة مادة الإجتماعيات كان لها نصيب من التأثير على قصائدي التي تختال مزهوة أحياناً بالكثير من التفاصيل من أساطيرنا القديمة. وبكل بساطة رشيدة تنسج من البياض خطوطاً معجونة بجرح، متبلة بفرح تلك هي قصائدي.

*ما زال البعض يرى في إبداع النساء خرافة العصر .
كيف استطاعت الشاعرة رشيدة الشانك تأسيس هويتها الشعرية مما جعلك تتصدرين قائمة النساء المبدعات في المغرب؟

بصمة المرأة في الكتابة والإنتاج الأدبي والإبداع عموماً، مميزة فيها شحنة كبيرة من الإحساس، لا يمكن لأحد أن يتجاهلها وأن لا يلتفت إليها. المرأة أبانت عن أناقتها في رسم لوحاتها الشعرية وفي الغور إلى دهاليز نفس المرأة،  وسبر أغوارها  بل أحياناً تفردت في كتابة بعض المواضيع عن الظلم الاجتماعي، التهميش، عن الأزمات النفسية، عن الحب، الخيانة … هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبشكل واضح لا جنس للكتابة. الكتابة تعترف بمن أبدع وأنار شمعة الإبداع وأزال القليل من  العتمة التي يعيشها العالم اليوم، لا شيء غير الإبداع، الذي لا علاقة له هل من يكتب رجل أم امرأة ولا  يعترف بأي نوع من التفرقة.

رشيدة كمبدعة مغربية أبحث عن الجمال الذي ليس له حدود معينة ولا مسافات وصول، الكتابة الشعرية هي فن القول، وفن البوح، وفن التحدي وأنا أتحدى العالم حين اكتب.

اهتم كثيراً بتطوير تجربتي في الكتابة (النضج) وان تكون كتابتي  الشعرية فيها تطور على مستوى: إختيار المفردة الشعرية (عمق الكلمة)  وجمالية الصورة، على مستوى الفكرة “(عمق الفكرة ).
فالقضية التي أحاول أن اعبر عنها وأعبر إليها يجب ان تكون قصيدة مكتوبة بنضج، انشد الاختلاف وابتعد عن التكرار الذي يقتل القصائد ويقبرها، وهنا ارحل دائما لعالم الاسطورة . 

*قد تبدو لغة الزجل بسيطة لكنها مليئة بالإشارات التي  يحتاج فهمها الانتماء إلى ذات الثقافة والتراث الشعبي الذي أبدع هذه التعابير العامية.
حدثينا عن تجربتك في هذا المجال لا سيما أنك من النساء القليلات اللواتي كتبن الزجل؟


الزجل المغربي اقتحمته بحب كبير، بل أحياناً أقول هو الذي أتى إليّ يداعبني لأعانق قصائد الزجل. بالفعل اكتب الزجل وأحب اللغة العامية، بها يتحدث كل المغاربة، فيها شحنة كبيرة  من الإحساس. اكتبها كلما زارني ملاك الزجل أغوص في بحاره، وأحب أن اقرأها أمام جمهوري، وأن اندمج إلى حد الذوبان في معاني حروفها. وحاليا  أصبحت قصائد الزجل تقرأ في كل الأمسيات الوطينة وخارج الوطن، بل لها جمهور عريض جداً يعشقها ويتابع جديدة قصيدة الزجل .

في المغرب مبدعات ومبدعون لا يكتبون إلا الزجل، وتصدر كل سنة العديد من المجموعات الشعرية باللغة العامية، بل أن الزجال المغربي الكبير أدريس المسناوي يكتب حتى الروايات بالغة العامية. قصيدة الزجلية لا يمكن أبدا أن نعتبرها سهلة وان أي أحد يمكن أن يقترب منها، الزجل له  مقومات  فنية أدبية ولا يدخل محرابه إلا العالمين به وبحوره.

*يتميز الأدب المغربي بوفرة الإنتاج لكنّه يعاني من ضعف الانتشار في السوق المشرقي.
ما سبب هذا الأمر وكيف يجب برأيك الترويج له ليصل إلى كل المكتبات العربية؟


الأدب المغربي  بكل حساسياته، وأنواعه وبمختلف اللغات التي يكتب بها فرض نفسه  وجديته. الحمد الله لنا أدباء كبار  يكتبون الرواية في أعلى مستوياتها  “عبد لكريم جويطي” الذي تفوق على نفسه في رواية بعنوان “المغاربة”، الروائي “طارق بكاري” وروايته “نوميديا”. شعراء يغزلون القصيدة  بدهشة كبيرة “كمصطفى لفطيمي”،مصطفى المل ، كأمال الرحماوي”، واللائحة طويلة.

الآن في المغرب نشتغل  على الثقافة كورشة من ورشات التنمية الاجتماعية، لم تعد عندنا عقدة الشرق /الآن المشرق هو الذي بدأ يطرق باب الكتاب المغربي ووسائل التواصل المختلفة كسرت وصححت العديد من الأفكار المغلوطة أن الشرق يكتب أحسن من باقي المناطق.

الكتاب المغربي فرض وجوده في العديد من المعارض والمهرجانات ويحظى الآن  بإهتمام كبير من طرف المتتبعين والنقاد.

*قال الشاعر والأديب “أحمد السقال” عن لغتك أنها لا تتنازل عن عنفوانها لصالح المألوف.
كيف تخاطبين جمهورك وما هي العلاقة التي تجمعك به؟


معزوفتي الشعرية عنونتها “سماء ليست لي” كتب تقديماً لها المرحوم الصديق الأديب “احمد السقال” خطفه الموت فجأة، ترك فراغاً في الساحة الأدبية كان صديقاً عزيزاً ما زالت ذكراه الطيبة في قلوبنا جميعاً،وتقديمه بصمة لن تنسى.
معروف عنه انه لا يجامل أبداً وبالتالي كتابته لتقديم  لمجموعتي افتخر به واعتز كثيراً ودوماً.

امتلاك اللغة كما قال الأستاذ “احمد السقال” هو سر النجاح،  القصيدة رقعة شطرنج يجب ان تعرف كيف تحرك الكلمات بكل اقتدار وفنية تركب مالا يركب وتخلق مالا يخلق.

*لك مجموعتان شعريتان، حدّثينا عنهما وما هي القضية التي جنّدتِ لها قلمك؟


عنونت مجموعتي الأولى “هذه المتى” ، واخترت هذا العنوان نكاية بالإنتظار التي لا تنتهي فصوله  والتي لا نمل منه، ننتظر كل شيء ونرهن أنفسنا للغيب الذي يفترسنا، ولا نعيش لحظاتنا وتفاصيلها الصغرى “المتى” التي كتبت عنها تمتد عارية فوق شواطئي، تتلو صلواتها بين اخاديدي، ترسو بمراكبها فوق فجيعتي بين المد والجزر ترهبني هذه “المتى” التي اكتبها علامات استفهام موحشة “المتى” هي ذلك المجهول المبحوح.


المجموعة الثانية عنوانها “سماء ليست لي” فيها أراقص حبل الكتابة ألما، لتتساقط على رقعة البياض بعض الحروف، هي عطور تيه، رماد مدن، هي جنون اللحظات، وهج الروح، هي أنا رشيدة الطفلة الحالمة، قديماً قالت – سيدوري لجلجاميش ـ إن الحياة التي تبغي لن تجد، أنا هذه الحياة التي لا توجد اكتبها قصيدة ومازلت ابحث عن دهشة القصيدة .

*كيف تقيمين الوضع الثقافي في العالم العربي في هذه الفترة تحديدًا، خصوصًا مع تراجع القراءة عند شريحة لا يُستهان بها؟


لسنا بخير في العالم العربي، متأخرون كثيراً بالنسبة لبعض المجتمعات الأوربية والأمريكية، مازالت رتبنا جد متأخرة في نسب القراءة، وفي نسب اقتناء الكتاب، ربما الفقر، الأزمات الاقتصادية الأمية، الهدر المدرسي، كذلك  المسؤولون عن الثقافة في الدول  العربية يظنون  أن الثقافة ليست من الأولويات وان هناك هموماً يجب حلها قبل ـ أن ننظر في الكتاب وانتشاره ، ولكن الحقيقة أظهرت أن العديد من المشاكل التي يقبع فيها الآن المجتمع هي نتيجة لإهمال الشأن الثقافي.

* أترك لك الختام في قصيدة تهدينها لقراء كواليس.


قصيدة بعنوان : هلوسات امرأة

من ثلاثين سنة
أبحث عن ذهب في منجم بعيد
في حارة سابعة
حيث أحلم أن أموت ميتة صغيرة

حين أبكي
أتسـلق
فوهة بركان
جبل الله
بمطرقة حداد
لأسكت غضب فولكانوس
أرمي شهوة
وخرائب ذاكرة من نار

أنا امرأة بورقتين
وحب يغمز للجدار
الجدار تسكنه قلوب حمراء
رسمتها وأنا صغيرة
لا ادري إن كنت امرأة رسائل

لست امرأة رسائل
ولا أقفاص
ولا نقط استرسال
لست “غادة” الطليقة
التي أحبها “غسان “
كخبز قلب
وهو متروك هناك “كشيء”
على عتبة جنون
ينضج بالمرارة

ماذا هناك أدهى من هنا 
يا صغيري
حتى تزهر تلك الساحات
صوت فيروز المترع بالحنين
ماذا هناك .؟؟
نفس الجُحر
لعنة الحطاب
نفس الأيادي ملطخة ببؤس الحرب
كيف تزهر تلك الساحات
ونحن هنا
مازلنا نئن من ليلة
ماطرة بالخواء

لأن القوس بيدي
اليد مبتورة 
تلك اللغة المبهمة 
هي عنادي 
لم يبق لي 
إلا أن أذهب
قبل أن يصحو العالم
وقبل أن أكون بارعة
في شيء ما !!

كان علي..
أن ابتعد كراهب هندي
أدور  كمحنة “الهيرا “
إلى اليمين إلى الشمال
إلى متاهة
كان عليّ
أن احمي الغابة
من حطابي فكرة
من نار أشعلتها الحواس

عش واسحب صنارتك
لا أسماك في الجوار
الوقت ماكر
لا مناديل تنظر الغائبين
هكذا هو البحر
لعبة قرش جائع
مراكش 04—01–2021
 
 شكرا الصديقة الأديبة  رانيا مرعي على هذه الفرصة الثمينة التعرف على الجمهور اللبناني والعربي  العزيز  علينا ،واتمنى ان يستمر هذا التعاون الأدبي في أوجه مختلفة .
ختامًا ،استشهد بمقولة جميلة هادئة لأحد الشعراء، ” “اكتب الشعر على دفعات متباعدة  ومازلت أتعلم المشي العسير على الطريق الطويل إلى قصيدتي التي لم أكتبها بعد.”

شاهد أيضاً

هذه هي الحياة!!!

علي منير مزّنر ”و يبقى’ في القلـب أشخاصً لا. يقدر الزمان ولاالمكان ان يغـيرا موقعهم …