اللغة_الخشبية

بقلم الدكتور سلمان صبيحة

درجت العادة هذه الأيام عندما تختلف مع شخص في النقاش ان يتهمك مباشرة بأنك تتحدث باللغة الخشبية فما هي هذه اللغة وما معناها وما هو المعروف عن تاريخ وجودها ومن يستعملها ولمصلحة من ؟؟!

لقد اختلفت الروايات عن تاريخ ظهور هذه اللغة وتنوعت واختلفت تعاريف اللغة الخشبية , فقد عرّفها البعض بأنها كلام غير مفهوم وغير مفيد وبدون معنى , بينما عرّفها البعض الآخر بأنها تأتي من كلمة خشب، …فالخشب جمع خشبة ( أغلظ العيدان ), يقال للرجل الصلب والخشن في المعاملة بأنه خشوشب أو خشَّب.
يذهب آخرون بعيداً في هذا المجال حيث يطلقون على اللغة الخشبية صفة الكذب والنفاق وخاصة في عالم السياسة والعلاقات الدولية والدبلوماسية …

حتى الآن كما قلنا لا أحد يعرف بالظبط متى تم اكتشاف هذه اللغة ومن أطلق عليها هذه التسمية . لكن هناك شبه إجماع أن هذا النعت إن صح التعبير, ظهر بأشكال وألوان مختلفة وفي مراحل زمنية وتاريخية متعددة , فمثلا قبل ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 كان يطلق على لغة المتحدثين باسم القيصر الروسي ” لغة البلوط “, حيث أطلق المعارضون هذه التسمية على النظام القيصري السائد أنذاك من أجل السخرية منه وامتدت هذه السخرية لاحقا لتصل للخطاب السوفياتي الإيديولوجي ولكل الأحزاب الشيوعية والقومية والعلمانية لتنال منها , وهكذا سارت الأمور، ونعت اللغة الخشبية يعلو وينخفض وأحياناً ينعدم حتى انتهت الحرب العالمية الثانية وتشكُّل العالم من جديد وانقسامه بين طرفين معسكر اشتراكي ومعسكر رأسمالي إمبريالي غربي واندلاع ما كان يعرف بالحرب الباردة بين الطرفين , حيث استخدم المعسكر الغربي كل الوسائل للضغط والتآمر على الاتحاد السوفياتي والدول التي تدور في فلكه, وكان أهمها الحرب السياسية والإعلامية والدعاية وتشويه الحقائق وفبركة المواقف والأحداث وأطلاق التهم وشراء الذمم لضرب المعسكر الاشتراكي وإسقاطه وهذا الذي حدث فعلاً، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية في عام 1991، وهرولة بعض قادة الأحزاب الشيوعية والقومية لحضن الإمبريالية الأمريكية وإعلانهم التوبة والبراءة والتخلي عن الماركسية اللينينية والذين أصبحوا فيما بعد ألد أعداء الماركسية والشيوعية، ويطالعنا هؤلاء المرتدون بمقالات القصد منها تشويه الحقائق وقلب المفاهيم فمثلا يحاولون النيل من هيبة الوطن ونزع القدسية عنه والتسويق لمفهوم الخيانة وجعلها وجهة نظر…كل هذه الحرب الثقافية والفكرية تقوم بها ماكنات اعلامية وفق خطط وبرامج محددة متوسطة وبعيدة المدى عبر عملائها ومرتزقتها… لذلك قامت السلطات الغربية ودوائر استخباراتها المنتشية بنصرها المؤقت في هذه الجولة على الدول الاشتراكية , بمتابعة سياستها للضغط على من تبقى من أحزاب ودول لم تنخرط مع سياستها الأحادية القطب والمبنية على استغلال ونهب ثروات الدول الأخرى , حيث استخدمت ما سمي بالحرب الناعمة والحرب بالوكالة والثورات المخملية وصولا ًإلى ما سُّمي بثورات الربيع العربي , والتي كان كما نعلم أهم سلاحها الإعلام المفبرك منطلقين من مقولة استعمارية قديمة ” اذا كانت الطلقة تقتل رجلاً واحداً فالفكرة تقتل جيل بأكملهِ ” ومن هنا تم التركيز على مفهوم اللغة الخشبية من جديد ولكن بأسلوب آخر, حيث بدأت المكنات الإعلامية تشوه وتتهم كل من يتحدث بالأفكار الوطنية والقومية والشيوعية بأن لغتهم خشبية وأكل الزمان عليها وشرب … حتى حاولوا بحربهم الإعلامية القذرة إخفاء وتشوية وتزوير التاريخ والحقائق وقلب الأمور وتصوير المناضلين والأبطال والرموز الوطنية والقومية بأنهم عبارة عن عصابات قطاع طرق ومعتوهين وغيرها من أوصاف لا يصح ذكرها، فكل من يتحدث بأمجاد الماضي وبالثورات التحررية والاجتماعية ويسلط الضوء على القهر والظلم والاستغلال والاحتلال يقال عنه انه يتكلم باللغة الخشبية، كل من يتطرق الى ذكر المجازر والإبادة الجماعية للهنود الحمر في أمريكا وللأرمن في تركيا وكل من يتحدث مجرد حديث عن النظام العنصري الأمريكي واضطهاده وصيده “للعبيد ” في أفريقيا وبيعهم في سوق النخاسة ومن يذكر رواية الجذور وبطلها ” كونتا كونتي ” ومن يحاول أن يُّذكر بثورة الزنوج وثورة لينين ونصر الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين ينعت بأنه ما يزال يتحدث باللغة الخشبية, من يذكر تشي غيفارا وفيدل كاسترو وتشافيز ومن يتحدث عن الصمود الأسطوري لسورية وشعبها وجيشها الجيش العربي السوري البطل وقائدها المقاوم السيد الرئيس بشار الأسد ومن يتحدث عن السيد حسن نصر الله ومحور المقاومة وعن الأصدقاء والحلفاء الروس والصينين والإيرانيين يقولون عنه أنه يتحدث باللغة الخشبية التي لا تعجب الغرب وعملائه وصبيانه وزعرانه وينعت هذا المتحدث بأنه من الخريجين الأوائل للمعهد العالي لتعليم اللغة الخشبية الكائن في دمشق.

بأية لغة يريدوننا أن نتكلم هؤلاء الأوغاد هل يعجبهم أن نقول ((هاي وباي)) هل يريدون أن تحل لغة الميوعة مكان لغة الرجولة والبطولة ولعلهم يريدوننا أن نحذف من قاموس لغتنا كلمات مثل ((المقاومة والوطنية والقومية)) وأن ننسى تاريخنا وأمجادنا وأن نوافق على ما يقوله المعتوه ترامب وبلا تردد أو تفكير لنقول مع معسكر النعاج ماع- مع – ماع…

نقول لكل من يتهمنا بأن لغتنا خشبية، نقول لهم بأنهم هم أصحاب لغة الكذب والنفاق والخداع…لغتنا الخشبية هي لغة السنديان التي تظهر قوية و مطّهرة من كل الشوائب التي أُلصقت زوراً وبهتاناً بها..

لغتنا السنديانية هذه التي تظهر اليوم من سورية التي تنتصر في حربها الوطنية العظمى على أعتى القوى الإرهابية في العالم ترسم واقعاً جديداً بلغة جديدة من سنديان بلادي بقواعد جديدة ولفظ مختلف بعنوان الصمود والمقاومة عنوان الانتصار وستتكلم كل دول العالم هذه اللغة التي لا تفهم قوى الشر والإرهاب والامبريالية الأمريكية والصهيونية غيرها…ألا وهي كما قلت لغة النضال والمقاومة من أجل تخليص العالم من الإرهاب والظلم والطغيان والخنوع واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان …هي لغة خشبية مصنوعة من غصون السنديان …سنديان العزة والكرامة الوطنية …السنديان الذي لا يموت إلا واقفاً، أنا واثق بأن هناك أشخاص لن تعجبهم كتابتي هذه وسوف يتهموني مباشرة بأنني أكتب باللغة الخشبية، وأنا بدوري سأقول لهم نعم صدقتم فإن لغتي المفضلة هي لغة السنديان الخشبية (سنديان بلادي )التي سأبقى دائماً وفياً لها وسأعلمها لأولادي وأحفادي من بعدي.
د.س.ص. ٢٨/٨/٢٠٢٠.

شاهد أيضاً

علامة عرض اوضاع لبنان والمنطقة مع سفير هنغاريا

استقبل رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النائب الدكتور فادي فخري علامة سفير هنغاريا في لبنان …