أعيادنا الدينية وطنية

كتب الدكتور يحيى الكعكي


على الرغم من كل الأقاويل التي تنتشر في مثل هذه الأيام من كل عام، من قبل أصحاب “الغلو المتشدّد والجهل والأمية الدينية”، في عدم وجوب التهاني والتزاور من المسلمين للمسيحيين -إخواننا في الوطن الواحد- في أعيادهم الدينية، التي هي أصلًا أعياد وطنية، كالأعياد الدينية عند المسلمين، سواء بسواء. أو عدم وجوب التهاني والتزاور بين المسلمين والمسيحيين، إخواننا في الانسانية، في أعيادهم الدينية.

والحقيقة التي تستند.إلى “اجتهاد الواقع المعاصر”، لا التراثي هي عكس ما يقوله أصحاب الجهل والجهالة الذين يعيشون زمن “محمد” صلى الله عليه وسلم، لا حياته-
لأنها عبث محض لا تعترف بالواقع المعاصر ، ولا بمنظومة المفاهيم ، والعلاقات الاجتماعية التي لم تكن موجودة من قبل ، و أقوالهم ماهي الاّ اجترار تعودنا عليه من هؤلاء أصحاب الغلو والجمود ، الذين لا يحيون الاّ على الفتنة وعدم ادراك حياة “محمد” صلى الله عليه وسلم ، بل يدفون رؤوسهم في الرمال بأقواله هذه التي لاتمت للفقه بصلة.
وفي ردي عليهم أشير بالاستناد إلى منهج الإسلام، بأن تهنئة المسلمين للمسيحيين، والزيارات المتبادلة بينهم، نابعة من تعاليم الدين الاسلامي، التي أوصتنا بالتآلف، والتواصل، كما آن وصايا جميع الانبياء أكّدت على ضرورة الأخوة بين الناس. فما بالك بين أبناء “الوطن الواحد”، وإن كنا متعددين في الدين، ولكننا متحدين في المواطنة، من دون وجود أي خلاف في أن “الدين لله والوطن للجميع”.

ونحن أخوة متحابين في دعم الوحدة الوطنية، وتقوية الجبهة الداخلية، معًا في وطن واحد ينعم فيه الجميع بالحب والخير، ويتساوى فيه الكل في الحقوق والواجبات، فلا تفرقة بين مسلم ومسيحي في أي نمط من أنماط الحياة، فالجميع سواسية في “حق الحياة” وفي “العدل الاجتماعي”. ويتزاورون في الأعياد الدينية، ويهنّئ بعضهم بعضًا فيها لأنها “أعياد وطنية” بعكس ما يدّعي هؤلاء الغُلاة المتشددون، أو أصحاب “الأمية الفكرية الدينية..”.

وأعود لأشير إلى أن الدليل على جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم من القرآن قوله تعالى في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين} [الممتحنة /٨]، والتي فتح الله تعالى لتا بها بابًا عظيمًا من السعة والتعايش..
وقوله تعالى في سورة البقرة: {وقولوا للناس حسنًا} [البقرة /٨٣]؛ كما ان التهنئة تُعد من قبيل العدل معهم والإحسان إليهم، وهو ما أمرنا به المولى عز وجل في سورة النحل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل /٩٠]..

لذلك يجب علينا أن نحترس أشد الإحتراس من أي فكر ضال منحرف يدعو إلى الإساءة إلى المسيحيين، أو يكفّر المسلمين، فهذه الأفكار هي أفكار خارجة عن هدي الإسلام وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأحكام شريعته التي امرت المسلم بالإحسان إلى أخيه المسلم أيًا كان مذهبه في الفقه أو العقيدة، كما أمرته بالبر والإحسان إلى غير المسلم، أيًّا كان دينه، وأيًّا كانت طائفته.

وفي هذا السياق، يؤكّد فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور “أحمد محمد الطيب” شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين قائلاً: “نحن المسلمين نؤمن بأنّ كلًا من التوراة والإنجيل والقرآن، هُدًى ونور للناس، وأنّ اللاحق منها مصدق للسابق، ولا يتم إيماننا بالقرآن ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم إلاّ إذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسى وعيسى وبمن قبلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم”.

هذا، وفي ٢٠٢٠/١٢/٢٢ هنّأ فضيلة الإمام الأكبر اخيه “البابا فرنسيس” بابا “الكنيسة الكاثوليكية حول العالم، وجميع المسيحيين بمناسبة احتفالات الميلاد المجيد، متمنيًا أن تُعاد هذه المناسبة على العالم بالأمن والأمان.

وأشير في هذا السياق أيضا إلى أن فضيلته يزور في كل عام بمناسبة احتفالات الميلاد المجيد عند “المصريين الأقباط الأرثوذكس” يرافقه مفتي مصر، ووزير الأوقاف المصري، وكبار علماء الازهر الشريف، مقر الكاتدرائية المرقسية في العاصمة المصرية القاهرة، لتهنئة أخيه “بابا العرب تواضروس الثاني” بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والمواطنين المصريين الأقباط في مصر والخارج.

وأخلص إلى القول، بالرجوع الى ما كان قد أكًد عليه الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور “أحمد محمد الطيب” في ٢٠١٩/١٢/٢٥ قائلًا: “إعلموا لو أن الله تعالى لو أراد أن يخلق الناسَ على دين واحد، أو لغة واحدة، لخلقهم كذلك سبحانه، شاء أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم وعقائدهم ولغاتهم، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة} [هود /١١٨]، فالقرآن الكريم يقرّر أن الناس سوف يظلون مختلفين إلى يوم القيامة، وأنّ مرجعهم إلى الله، وهو محاسبهم”..

شاهد أيضاً

في أجواء سورة الجمعة

✒️ المرجع الراحل السيِّد محمد حسين فضل الله. 📖 تفسير من وحي القرآن . _________ …