الرئيس الكذاب!

نصر القفاص

أتذكر الشهور والأيام التى سبقت إنفجار مصر بثورة يناير 2011
كان “أحمد عز” يسبق اسمه لقب “المهندس”, وقد تحول إلى مركز دائرة النظام السياسى.. وفجأة وجد نفسه فى مرمى ضرب النار داخل الإعلام كما تحت قبة البرلمان وفى أوساط الشارع المصرى.. ولما كان نظام مبارك قد جعل منه طفله المدلل, فقد اختار الرأى العام التعبير عن غضبه بالتصويب تجاهه تحاشيا لبطش من هنا أو محاولات تشويه من هناك.. وبعد ثورة يناير, كان “خيرت الشاطر” الذى يسبق اسمه وصف “المهندس” فى مرمى ضرب نار الشعب المصرى بأثره.. وكان المقصود الرئيس الإخوانى مع أهله وعشيرته!! وفيما يبدو أن لكل نظام طفلا مدللا يسبق اسمه لقب أو وصف “المهندس” لذلك عشنا أكبر عملية فبركة وتزوير لأحدهم – لا يستحق أن أذكر اسمه – وجعلوه “مهندسا”.. وهنا وجبت المداعبة بذكر فيلم “جعلونى مجرما”.. لكن “المجرم” الذى فشلوا فى أن يجعلوه “مهندسا” أصبح نجم نجوم المرحلة.. فهو رجل الأعمال.. كبير القبائل.. رجل البر والتقوى.. ثم غنوا له: “يا ضهر السيناوية”!! أى أن السيناوية لا يلقون بالا إلى الدولة لكى تكون ظهرهم.. بل يتجاوزون القيادة السياسية ببرلمانها ووزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها.. فقد أصبح هذا الشخص الذى يحمل مؤهل دبلوم التجارة, هو “ضهر” سكان مساحة تتجاوز ربع مساحة مصر!!
لا يشغلنى “المهندس المفبرك” كما لا يشغلنى مجرم آخر أصبح مسئولا عن أكبر شركة أمن فى الوطن.. لكن ما يشغلنى ويجعل النوم يخاصم عينى هو هذه السذاجة فى اللعب بالنار بمجتمع يغلى لأسباب كثيرة!!
أعلم أننا نعيش زمن يكذب فيه الكثير من الرؤساء.. فنحن نتابع الرئيس الأمريكى – بايدن – وهو يكذب نهارا وليلا وما بينهما.. فهو مع إسرائيل وضدها فى الوقت نفسه.. وهو صديق للعرب ويسعى لتدميرهم جميعا.. والحال نفسه مع الرئيس الفرنسى – ماكرون – وهو يكذب طوال الساعات الأربع والعشرون من اليوم.. فهو يعلن استعداده لإرسال جيشه للقتال ضد روسيا.. ثم يقول يجب أن نحرص على الحوار مع القيادة السياسية فى روسيا!! كذلك الأمر مع رئيس وزراء بريطانيا إلى آخر قائمة الصغار الذين يحكمون العالم.. وقد يعتقد البعض أنه لا علاقة بين ما يجرى فى مصر وخارجها.. والحقيقة أن مصر أصبحت ترى وجهها فى مرآة هؤلاء الكذابين, مع إضافة آخرين يمارسون كذبا من نوع رخيص, بأن يعلنوا التطبيع مع إسرائيل ويستثمرون المليارات داخلها.. ثم يذرفون الدموع على الشعب الفلسطينى ويتبرعون له بالفتات.. ووصل حد الكذب والسخرية من عقولنا أننا نجدهم يسقطون المعونات والطعام من السماء بطائرات اشتروها بمليارات من أموال شعوبهم على أمة خذلناها بما لا يوصف!!
النقطة الأهم فيما أفكر فيه هى تلك الحملات التى يشارك فيها “أرخص من يمارسون الإعلام” دفاعا عن محاولة فبركة “مهندس” يحمل دبلوم تجارة!! وكم كان المشهد يفجر الضحكات مع الدموع على النحو الذى صاغه المتنبى حين قال: “وكم ذا بمصر من المضحكات المبكيات” فهذا إعلامى ونائب تحت قبة البرلمان يقاتل لأجل “المهندس أبو دبلوم تجارة” وعلى الجانب الآخر كان هناك نائب يمسك بيده الثانية ويمضون به فى حفل قالوا أنه لإعلان ما أسموه “إتحاد القبائل العربية” ولما فزعت مصر من هذا العبث.. فوجئنا بأنهم يحدثوننا عن قيمة وأهمية وعظمة هذا الكيان الخطير والخبيث.. فهؤلاء قتلوا الأحزاب ودمروها.. ثم راحوا يحاولون إحياء القبيلة بعد أن كنا نسخر من الرئيس الإخوانى حين تحدث عن “أهله وعشيرته”!! وهذه آلاعيب تعكس حالة من السذاجة ناتجة عن عقول شديدة الضحالة.. وسبب وصفى المهذب لذلك هو خشيتى من أن نمد الخط على استقامته لنرى تدشينا لعودة زمن “المماليك” فى ظل علاقات أصبحت جيدة مع الباب العالى فى “إسطنبول”!!
إذا كان العالم يحكمه من يقولون عنهم “زعماء” وهم يمارسون الكذب البواح.. فكل شئ يصبح مباحا.. حتى الجريمة من أدناها إلى أقصاها حسبما كتب “ديستويفسكى” فى رائعته “الإخوة الأعداء”.. وللذين لا يقرأون أحيلهم إلى الفيلم والجملة على لسان الفنان “محيى إسماعيل” وهو يقول: “إن لم يكن الله موجود.. فكل شئ مباح حتى الجريمة من أدناها إلى أقصاها”!!
يجب أن نصدق ما يحدث حولنا.. خاصة وأننا تعلمنا رفض تصديق حكاية التوريث وأن المهندس “أحمد عز” العمود الفقرى لنظام سقط.. كما أننا رفضنا تصديق أن المهندس “خيرت الشاطر” كان العمود الفقرى لنظام سقط.. فتم فبركة مهندس يحمل مؤهل دبلوم التجارة.. وكل ذلك يحدث ونراه بأعيننا وقت أن قال الدكتور “سليم حرب” وهو واحد من مفكرى سوريا, أن “درهم مقاومة خير من قنطار مساومة”!! لنتأكد أننا نراهن على القنطار باعتباره أكبر من الدرهم لذلك ليس غريبا أن يظهر كيان آخر فى الوقت نفسه.. يحمل عنوان “تكوين” وهى كلمة لها معناها أتمنى أن ندقق فيه.. فهى تعنى البداية.. لكنها تمضى فى طريق نهاية يبدو أنها ستكون شديدة القتامة, فى وقت أصبحت كلمة “خطير” لا تعكس الحقيقة.. فهذا “التكوين” هو امتداد لتكوين آخر ظهر فى الجزيرة العربية إسمه “اعتدال” وكليهما يمثلان محطات على طريق ما زعموه “الإبراهيمية” وكل ذلك اجتهاد لفبركة دين جديد كما حدثت محاولة فبركة “مهندس” يحمل مؤهل دبلوم التجارة.. ومجرم بحكم قضائى نهائى أصبح مسئولا عن أكبر شركات الأمن فى مصر المحروسة.. وباعتبار أن الخجل فقد حمرته أخذونا للمناقشة والاختلاف حول هذا العبث الذى تعكسه جملة نقول فيها أن هذا لعب بالنار!!
لا تشغلنى التفاصيل والنميمة.. بل ما يشغلنى أولئك الأغبياء الذين لا يقرأون.. ولا يفهمون.. وللأسف هم يتحكمون فى مقدرات أمم وشعوب.. فلو أنهم حاولوا ممارسة فعل فاضح بالنسبة لهم إسمه القراءة.. لأدركوا أن “الولد الذى حكم مصر” عاش بهذه السذاجة ولعب بالنار ذاتها.. فخرج منها وبين يديه طفل جعلوه وليا للعهد حسب النظام الساقط.. ولما تم إلغاء الملكية قبل تنصيب الطفل ملكا.. فوجئنا باستدعاء الرضيع ابن الولد ليدخل على المشهد مؤخرا.. وتقام له الحفلات والليالى الملاح مبشرين بزمن الملكية السعيد.. وهو الزمن الذى كانت الحكومة تلو الأخرى تتعهد أمام الشعب بأنها ستقضى على “الحفاء”!!
كل ذلك هدفه شئ واحد.. هو شطب إسم “جمال عبد الناصر” من ذاكرة هذه الأمة, مع تصفية كل إنجازاته بداية من السد العالى الذى خنقه سد النهضة الإثيوبى.. ومرورا بتأميم قناة السويس التى خنقها باب المندب عبر ما يحدث فيه.. وليس نهاية ببيع مئات المصانع لتمتلكها دولة – للأسف – سبق لى أن أن اعتقدت أنها “المحترمة” فإذا بها المرض الخبيث فى جسد مصر والأمة العربية.. كما كنا نعتقد أن دولة أخرى علمها يحمل اسم الله ورسوله تسعى للحفاظ على مقدسات كل المسلمين.. دون داع لذكر البقية من الذين يمثلهم “كوافير الخارجية السابق” بمسمى أمين عام جامعة الدول العربية.. فنحن يا سادة نعيش الواقع الذى يحكمه الرئيس الكذاب, فى أمريكا وفرنسا وبريطانيا وعدد آخر من دول كبيرة لا داعى لذكر اسمها.. فكلنا أصبحنا نعرف الحقيقة.. دليلى على ذلك أن جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واستراليا تنتفض دفاعا عن فلسطين بينما الجامعات المصرية فى سبات عميق!!

شاهد أيضاً

وحدة التدخلات الطارئة تدشن مساهمتها لمشاريع المبادرات المجتمعية بمحافظة إب اليمنية من مادتي الاسمنت والديزل ..

تقرير /حميد الطاهري دشنت اليوم وحدة التدخلات المركزية التنموية الطارئة بوزارة المالية بالتنسيق مع السلطة …