الحكومة تدفن رأسها في الرمال

بقلم علي خيرالله شريف

قبل كُلِّ شيء نتوَجَّه بالشكر للجيش اللبناني والقوى الأمنية، وهم يُمَثِّلون ما تَبَقَّى من أجهزة تدُلُّ على وحدة لبنان، على جهودهم السريعة والرائعة في كشف حقيقة جريمة اغتيال الـمغدور باسكال سليمان، والكشف عن الفاعلين الحقيقيين في حادثة غير سياسية وغير طائفية وغير قابلة للاستغلال كما يرغب المصطادون في الماء العكر.
للأسف بدل أن تسارع حكومة تصريف الأعمال وأركان ما تَبَقَّى من دولة، إلى معاقبة قاطعي الطرق والنافخين في الطائفية رغم انجلاء الحقيقة، وبدل أن تسارع إلى تحريك النيابة العامة لـمُداهمة المناطق التي حصلت فيها جريمة قتل المواطن محمد سرور، بأيدي جهاز الموساد الصهيوني والجهة اللبنانية المتعاونة معه، في شقة سكنية مُستأجَرة في بيت مري، وبدل أن تعدُل بتعازيها بالمغدورين من أبناء شعبها، استخَفَّت بفئة منهم، وسارع رئيسها مع بعض وزرائه وبعض قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى تقديم التعازي بالمغدور سليمان الذي قضى بجريمة سرقة سيارة، بينما لم يفعلوا الشيء نفسَهُ مع ذوي المغدور محمد سرور مع أنَّه استُشهِدَ باعتداء صهيوني على أمن الوطن. وانسحبت لا مبالاتُهم على الشهداء على طريق القدس من كُلِّ فصائل المقاومة، إسلاميَّة كانت كحزب الله والجماعة الإسلامية أم وطنيَّة كالحزب القومي الاجتماعي أم غيرهم من المدنيين والمقاومين والنازحين السوريين الذين قضوا على أيدي الحاقدين الطائفيين.
ثم يخرج رئيس الحكومة ليُحَدِّثنا من منصة بكركي عن أن “الوطن يجمعنا”. ولا ندري كيف يجمعنا الوطن وحكومتُهُ تُصَنِّفُنا “ناس بسمنة وناس بزيت”. وتَكَلَّم دولَتُهُ بلهجةٍ مُتَرَدِّدَة مُرتَبِكَة عن سعيه الـمَزعوم لإعادة النازحين إلى سوريا، ولم ينبُس ببِنتِ شَفَةٍ عَمَّا يُحاك للوطن من قبل الموساد والمتعاملين معهم. وهذا موقف لامبالاة خطير صادر عن رئيس الحكومة. فإذا كان دولتُهُ مستهتراً إلى هذا الحد باستباحة الوطن، فلا عتب على غيره إذن.
ماذا يعني لأصحاب الدولة والمعالي والسعادة، إنشاء غرفة عمليات للموساد في بيت مري بكلِّ أريحية؟ أليس من الخطير أن لا تتخذ الحكومة أي إجراء لوقف استباحة لبنان بهذا الشكل من قِبَلِ العدو بالتعاون مع بعض اللبنانيين الخونة، تحضيراً لحربٍ أهلية جديدة؟ أم أن الموساد قد أصبحوا من “عظام الرقبة” بِبَرَكَةِ الصداقة “الأنتيم” مع الإسرائيلي “عاموس هوكشتاين”؟
كل الدلائل تشير إلى تورط حزب القوات اللبنانية بجريمة قتل المرحوم محمد سرور، من خلال تنسيق وتعاون مع الموساد، واستضافة خلايا ذلك الجهاز في مناطق تواجدهم. مع ذلك لم تتحرك النيابة العامة ولا الجهات الرسمية لملاحقة هذا الحزب وفق القوانين اللبنانية التي تُحَرِّم التعاون مع العدو. بل نحن نشهدُ زحفاً رسمياً للوقوف عند خاطر القوات وعند خاطر البطريرك الراعي الذي يرعاهم بِجُبَّتِهِ وصولجانِه، وكأنهم يقدمون لهم جوائز شكرٍ وتقدير على عَبَثِهِم بمصير الوطن.
والذي يؤكد تورط “القوات” وأحزاب يمينية أخرى، هو الكم الهائل من تصريحات مسؤوليهم ونوابهم ومناصريهم، منذ زمن غير قصير، برغبتهم الجامحة للتعامل مع العدو، بل وبالتفاخر بعلاقاتهم السابقة معه. ووصل بهم الأمر إلى الدعوة لإطلاق النار على القوى الأمنية والجيش إذا حاولوا الدخول إلى مناطقهم، بالإضافة إلى تشكيكهم بتقارير الجيش التي كذبت اتهاماتهم لح. الله بقتل المغدور باسكال سليمان. وكأنَّهم يريدون إعادة نفس سيناريوهات اتهاماتهم العشوائية وشهود الزور.
في حرب 1975 كانت حجتهم للتعامل مع العدو وجود الفلسطينيين، أما اليوم فحجتهم سلاح الم-قا-ومة مع العلم أن هذا السلاح هو لبناني ومُوَجَّه فقط إلى العدو، وهو الذي حمى لبنان وحماهم، مهما شوهوا الحقيقة. إنهم يتصرفون بمنتهى الغباء بعد كل ما شهده لبنان من سعي أميركي قديم لتهجير المسيحيين منه.
والمشهد المعيب هو مشهد فرقة الشتامين البذيئين قليلي الأدب والأخلاق، من الذين يتصدرون الصفوف الأولى عند اليمين اللبناني، ويضعون حرف الدال قبل أسمائهم، بينما هم لا يمتلكون من الدال إلا همجية الدواب. تصوَّروا أن يطل أمثال هؤلاء على بعض الشاشات بكل صفاقةٍ وقِلَّةِ أخلاق، وبأسلوبٍ زقاقيٍّ فاجر، ليتطاولوا على قاماتٍ وطنية كبيرة تُمَثِّلُ أكثر من نصف الشعب اللبناني من كل الطوائف. فأيُّ شهاداتٍ جامعية هم يحملون ومن أي حظيرة حيواناتٍ يتخرجون. لن أمنحهم شرف ذكر أسمائهم بقلمي، بل ستعرفونهم من سوء سمعتهم وسمعة الشاشات التي تفتحُ هواءها لصفاقَتِهِم.
إذا تابعت الحكومة اللبنانية دفن رأسها في الرمال والتغاضي عن هذه التجاوزات، واستمرت في التطنيش على فجور بعض الجهات، ومداراتهم والتراخي معهم، فإنها تفسح لهم المجال بالتمادي أكثر في أخذ لبنان نحو التفكك والاندثار، وهذا ما يسعى إليه العدو منذ زمنٍ بعيد. والتقسيميون، بسبب غبائهم لا يعلمون ولا يريدون أن يُصَدِّقوا أن لبنان هو من بين الدول الـمُخطَّط تقسيمها وتدميرها في إطار تدمير العالمين العربي والإسلامي.

*الاثنين 15 نيسان 2024*

شاهد أيضاً

نبوءة الغراب بزوال الكيان

احمد الشريف  قبل فترة ليست بطويلة من حدوث عملية طوفان الأقصى يوم 7أكتوبر من العام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *