سليلة الكلمة الفارسة

بقلم : عبدالكريم العفيدلي

كثيرا ما نسمع من بعض المقلدين وأنصاف المثقفين عبارة ” لاتكن شرقيا” وكأن الشرقية نقص أو مسبة لمن يعتز بشرقيته ، ونسمع هذه العبارة دائماً عند التطرق للحديث عن المرأة ونقد السلوكيات الغريبة عن ثقافتنا .
أكاد أجزم إن من يتبنون هذه العبارة في ردودهم لاينتمون إلى الشرق ولم يقرأ أي منهم عن تاريخ المرأة في الشرق ، هذا الشرق الحضاري الذي أعطى للبشرية ما أعطى وسطعت شمسه على الغرب الذي كان غارقاً في ظلمة الجهل .
المرأة في الشرق سبقت المرأة الغربية بالحضارة منذ آلاف السنين فوصلت إلى أعلى المراتب والقدسية بل كانت درة التاج بالحضارة المشرقية ومساهمة فعالة في صناعتها ..
فالمرأة في الشرق وصلت إلى مرتبة آلهة ف ” عشتار ” مثلاً كانت آلهة الحب والخصب والتضحية والحرب لدى حضارات بلاد مابين النهرين وبلاد الشام وكانت ملكة أمثال ” بلقيس ” ملكة سبأ والتي جاء خبرها بالقران الكريم مع نبي الله سليمان و ” زنوبيا ” ملكة تدمر ، وكليوبترا وفينوس وسميرا ميس وغيرهن …
وفي تاريخ العرب قبيل الاسلام كانت المرأة لها مكانة فهي الحكيمة ك ” بهيسة بنت عوف ” زوجة الحارث بن عوف التي ساهمت بنهاية حرب داحس والغبراء عندما حثت زوجها على حقن دماء العرب ، وهي الشاعرة الناقدة الأديبة ك ” الخنساء ” تماضر بنت عمرو بن الشريد التي وصفها النابغة الذبياني قيّم الشعر بأنها أشعر الجن والأنس ، وهي الأميرة الفارسة التي تخرج مع الجيش لتذكي الحماسة بنفوس المقاتلين ك ” حليمة الغسانية ” ومايوم حليمة بسر ..
وعندما جاء الإسلام أعطى للمرأة مكانتها وكانت خديجة رضي الله عنها الحضن الدافىء للنبي ص أمتدته بالقوة والعزيمة صدقته عندما كذبه الناس وأمنت به عندما كفر به الناس وواسته بمالها عندما حرمه الناس ورزقه الله الولد منها ورزقه حبها .
وكانت الصحابيات خير مثال لمقولة :« وراء كل عظيم إمرأة »… وكانت المرأة قاضية في زمن عمر رضي الله عنه ك ” الشفاء بنت عبدالله ” وفارسة مقاتلة في مقدمة الجيش ك” خولة بنت الأزور ” وفي العهد الأموي والعباسي كثيرة هي الأسماء النسائية التي لعبت أدوار مهمة في مفاصل الحياة والحكم .. كالخيزان بنت عطاء أم الرشيد و زبيدة بنت جعفر زوجته صاحبة مقولة : « اضرب ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا» …
هذا العرض السريع لمكانة المرأة في الشرق لكي يعلم جهلة التاريخ من المقلدين وأدعياء الحضارة أي مكانة كانت تحظى بها المرأة في الشرق العربي منذ آلاف السنين بالوقت الذي لم تحصل به المرأة في الغرب على شيء من حقوقها إلا منذ عقود قريبة ..
وفي سوريا التي هي قلب الشرق النابض منذ الأزل كانت مكانة المرأة عالية ومرموقة وها هي في العصر الحديث وصلت للمكان الرفيع نائبة لرئيس الجمهورية ومستشارة تسهم في صناعة القرار ووزيرة وأديبة ومقاتلة ….
لم تحظى إمرأة في الغرب والشرق مثلما حظيت به المرأة السورية ومن هنا أقف عند وجه إعلامي قدم النموذج الأمثل للمرأة السورية المناضلة المكافحة القائدة التي حملت هم الوطن وأمنت بالدور الحضاري والريادي للمرأة السورية ، أقف عند أنسام السيد السيدة الفاضلة الإعلامية والأديبة مديرة قناة دراما التي تنتمي إلى أسرة عريقة الثقافة والإنتماء ، إعلامية مخضرمة إطلالتها تذكرنا بزمن الطيبين ، بملامحها الهادئة وسمارها العربي الذي يشبه سمرة هذه الأرض تأتي أنسام السيد لتبعث في أرواحنا عبق الإنتماء وحب الوطن ..
كرست جهودها وطاقاتها ضمن الإمكانيات المتاحة رافضة كل العروض الخارجية التي تسابق لها البعض لما لها من مردود مادي ، ضربت كل المغريات بعرض الحائط وعملت على تعزيز ثقافة الإنتماء فصالت وجالت بعزيمة المقاومة بالميادين الإعلامية والثقافية فنراها على الشاشات وفي الندوات والمحاضرات تلهج بالوطن متألمة لما حل به بالوقت الذي تبعث الأمل في نفوس الشباب .. لقادم لايخلو من بارقة للأجمل .

أنسام السيد تقدم الوجه الأجمل في بلادي التي أنهكتها الظروف والكوارث .. بلادي الجميلة التي تكالب عليها شذاذ الآفاق كتكالب الآكلة على القصعة .. تقف شامخة في وجه كل العواصف المدمرة التي تستهدف مسح عقول شبابنا وتفريغها من الإنتماء لهذا الوطن ..
أمنت بسورية الوطن ، وجعلت من الكلمة رصاصة تستقر بصدر كل حاقد يحاول النيل من كبرياءه وعنفوانه ..
بالإمكانيات البسيطة المتاحة بقيت أنسام ممسكة بتلابيب المشروع الثقافي الذي أمنت به بأنه حاجز الصد بوجه كل المشاريع التي تستهدف كياننا ووجودنا ..وهويتنا .
ومنذ بداية مسيرتها الإعلامية معدة أو مذيعة كافحت المحتوى الهابط وخير مثال على ذلك إداراتها لقناة دراما التي تحاول من خلالها تقديم المحتوى الذي يسهم في تشكل الوعي حتى أنها تعيد عرض مسلسلات قديمة ذات قيمة ،وهذا ينبع من إيمانها وادراكها برسالة الفن التي تعكس ثقافة مجتمعنا والدراما تحديدا أدركت خطورة تأثيرها على العقول لقدرة وصولها ولما لها تأثير بالأسرة السورية .
ومن خلال برنامجها ” مابعد العرض ” تتناول الأعمال الفنية
المعروضة وتستضيف أكبر عدد من المشاركين تضيء على الجوانب الإيجابية والاحترافية بالأعمال وتصويب الأخطاء بطريقة متقنة وذكاء لايستغرب من إعلامية جاهدت لتقدم الوجه الأجمل لوطنها رغم كل ماحل به ، أمنت بهذا الوطن بأنه كطائر الفينيق الذي ينتفض من خلال الرماد .
أنسام السيد السيدة الجليلة والإعلامية المربية نموذج مشرف يمثل ثقافة المجتمع السوري وقدوة يحتذى بها عن الإعلامية التنويرية التي تحمل مشعل اليقظة في لحظات تغييب الوعي ، لم تبتذل ولم تقدم نفسها كسلعة رخيصة كحال المفروضات على المشهد الإعلامي من فنانات أو إعلاميات حملن زورا هذه الصفة وهن لايملكن من الثقافة إلا العري الفاضح الذي ضجت به المنصات والشاشات وبات مقززا لكثرة الابتذال به .
أنسام اسم على مسمى .. نعتز بها .. نحبها .. ونشعر بالفخر أننا في زمانها .. وجه شرقيتنا الجميل الذي إن سئلنا عنه نشير بأصابعنا نحوه .

…………

شاهد أيضاً

همسة ضوا ورحلتها في عالم الغناء

حوار مديرة الصفحة الثقافية _ الفنية لمجلس كواليس : دلال موسى في هذه الأيام المضطربة، يرتسم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *