فَرِحْتُ بِهِ كثيراً يومَ آشْتَرتْهُ أُمِّي من سوق “جبيل” القديم . عَقَدْتُ رِبَاطَهُ، وَمِنْ ثُمَّ رِجْلايَ اسْتَوَتَا على الأرضِ حيث شَرَعْتُ أقومُ بعَدَدٍ من الخُطواتِ الثَّابتَةِ. أنْظُرُ إلى الحذاء، حِذائي، مَشغوفاً بِه وآخِذاً في السَّيْر مُجدّداً. أمشي وفي الطريق تَتَثَبَّتُ عَيْنَايَ عليهِ. وكُنتُ أُسْرِعُ في المَشْي، وأعودُ لأَتوقَّفَ. أنظُرُ إليهِ باهتمامٍ، أَنحَني لأَمسَحَهُ. وأحياناً، كان يَعْلَقُ الوَحْلُ في “آلنَّعْل” كأَنَّهُ يَعْلَقُ في قَرارة نَفسي هذا آلوَحْلُ. ويَدورُ الزّيَّاح، زِيَّاح الشَّعْنينة، دَوُرَةً كاملةً أمام الكنيسة، وأنا بحذائي أتنَقَّلُ بَيْنَ الجُمُوعِ كالحجل، أحمِلُ الشَّمعَةَ الكبيرةَ، وعَينايَ إلى تَحتٍ، إلى حِذائي الأبيض الجديد الذي يُلائمُ تماماً قدميَّ. المُشكِلة الوحيدة في حِذائيَ الجديد كان رِباطَهُ الذي لم أُوَفَّق في اليومين الأولين إلى حَلّ عُقَدِهِ. فكنتُ أجتهدُ في ذلكَ من غير جَدوى إلى حدّ الشُّعور بالألم في أصابعي. فتأتي أُمِّي وتَحِلُّ الرِباطَ وتُريحني من هذه المشكلة كُليّاً.
مشاهد زيَّاح الشعنينة استعيدها اليوم واحكي عن الطفولة والعالم البسيط الصغير التي لا يتجاوز حدود البلدة، عن حذاء وشمعة ولم يَبْقَ من ذكراهما غير الحب …