من صناعة الاستعمار في بلادنا إلى فلسطين!

بقلم// جهاد أيوب

لا جديد إذا قلنا أن الاستعمار لبلادنا صنع أنظمة بغالبيتها تابعة له، صحيح المستعمر أدرك أن خدمات هذه الأنظمة له أكثر إفادة لمشاريعه الخبيثة من أن ينشر جنوده في بلادنا، ولكن مع حركة تزايد الوعي الفردي تنبه المستعمر إلى كثير من معالجة وكي الوعي في بلادنا فسارع بزرع فتنة بين الطوائف الدينية المختلفة عقائدياً، ومن ثم زرع الفتنة بين الطائفة الدينية الواحدة، وعمل على إبراز عائلات معينة كزعامات دورها استغلال الناس واستثمارها للفتنة واستحمارها كوقود لزيادة التقوقع الوطني، وبذلك يُشعل الحروب داخل الوطن بسهولة كلما أراد!

ومع حركة الزمن تفهم المستعمر أن العابه أصبحت أكثر مكشوفة فتعمد إلى إعادة إحيائها عن طريق الإعلان والإعلام، والفن مع إلغاء قيمة الثقافة ودور المثقف، وطالب بتغييب المثقف، واستبدالة بثقافة ” الهامبرغر “!

هذه النظريات الاستعمارية فرضت وحمت أنظمة وظيفية في بلادنا مخلصة ومتفانية وتقدس كل ما يبوح به المستعمر المعلم والصانع لها، أنظمة تمول وتصنع الإرهاب الديني، وتشد وتد التعصب للدين كما هي تشتهي، وتقوم بتنفيذ جرائمها بهمجية العصر الحجري، ولا تؤمن إلا بشريعة المال، وحتى شريعة الغاب لا تعترف بها، وهذه المزارع على شكل دول زرعت في العالم العربي والإسلامي، وهمها تشويه الإسلام بحجة المحافظة على الإسلام، والتخفيف من الوهج المسيحي المشرقي حتى الانقراض بمساعدة بعض رجال الكنيسة المبشرة دائماً بالاستعمار!

هذه الدول هي عبارة عن أنظمة وظيفية بحماية بريطانية سابقاً ومستمرة، واليوم بحماية أميركية، وبتغطية إسرائيلية حيث تستخدمهم هذه الآخيرة كشركات تجارية صهيونية واسعة لأرباحها…

دور بعض هذه الدويلات المزارع ضرب أي مشروع تنويري يطالب بالفكر الحر، بالثقافة الدينية المنفتحة، وترك شعوبها متخلفة تُحرق بحب المتعة الجنسية وكتب الطبخ والبرامج الفضائية الساذجة، وضرب أي مشروع تطويري لآي بلد، وتوسيع السلطة والنفوذ عبر شراء النفوس بالمال، ومحاربة اي مقاومة دفاعية أو تغييرية، وجعل الشعوب الإسلامية والعربية مشغولة بالبحث عن لقمة العيش دون الصوت حتى العوز المخزي، لا بل هذه الأنظمة تحدد الرزق مع إن الرزق من الله، وتقطع الرزق مع إن الله هو من ييسر رزق عباده، ومع ذلك يتعمدون بالقول انهم من المسلمين مع إنهم يشوهون كل ما جاء في كتاب المسلمين وسيرة نبي الإسلام!

هذه الدول الوظيفية أدخلت كل دول المسلمين بالفتنة، سلحت المتطرفين دينياً، أودت بالمسلمين إلى المذابح فيما بينهم، وأقنعتهم أن مشاكلهم لا تحل إلا بفتك عرض المسلمين، وبذبح المسلمين، وكل من لا يوافقهم الفكر والعقيدة!

هذه الأنظمة مذهبت كل شارع في مدن العرب، ومذهبت الدول الإسلامية، واشتغلت على تشويه اي مشروع تحرري ديني عبر إقحام أكاذيب وروايات دينية عنصرية طائفية عبر رجال دين متخصصين بالفتنة، وكان لها فضائيات تخرج من بريطانيا، وعبر إعلام فرنسا، ومن خلال شخصيات تابعة لها، ومرتزقة محلية!
هذه الأنظمة سيطرت على الفن والفنان، ورسمت حدود عمله من التمثيل إلى الغناء، وسيطرت كلياً على المسرح حتى خنقته، ولجمت المثقف من خلال اغتيال كتابه، وهمشته إعلامياً حتى أصبح حالة خارج الزمن العربي!

علينا أن نعترف أننا اليوم نعيش خارج الزمن رغم بهرجة أيامنا في صورة فارغة، وعلينا أن نقول بصوت مرتفع أنه يوجد تراكمات إسلامية تاريخية لم يعرف المسلم حلها، لكون الأنظمة الإسلامية الوظائفية تهربت من معالجتها، والاستعمار لبلادنا درسها بعمق، تفهم حدوثها، واستغلها بتفوق، وترك الإسلام في خزائن الماضي، وسمح بظهور الإسلام المتعصب الذي يكفر الإسلام الآخر!
وبعض الإسلام السياسي الحالي صنعته أيديولوجيا المستعمر، لذلك لم يتمكن بمخاطبة الغرب إلا من خلال تكفيره رغم استخدامه لكل إنتاج الغرب من دواء وسيارات وملابس وغلمان وصبايا، وألخ…
والغرب بدوره نجح في تقديم الإسلام قاتلاً مجرماً يشرب الدماء، وتمكن أيضاً من زرع كل هذا بفضل أنظمة متأسلمة زرعها الغرب بين بلاد العرب والمسلمين والمسيحيين!

نعم…الدعاية الغربية الصهيونية غزت بلاد المسلمين، وحركت الفتن الطائفية الداخلية، وتمكنت من السيطرة على خطاب غالبية الزعامات ورجال الدين، لا بل جعلت الشارع الديني في دولها اكثر طائفية، واكثر خمولاً ضد نظامه الذي يهرول إلى التطبيع مع العدو، والشارع يثرثر عبر السوشال ميديا، ومن ثم يسعى للتكاثر والسُبات العميق!

هذا الشارع خيم فيه الصمت حول التطبيع، ردود فعله مخيفة ومخجلة، وغاب فيه صوت الأحرار إلا نادراً، ولم يعد يجد حالة ثقافية تؤمن بحق المظلوم، وللأسف تفهم الحرية من خلال السفر إلى بلاد الغرب وتقليد مجتمعه، وأنا أولاً!

بعض الأنظمة التي صنعها وفرضها الاستعمار في بلادنا تمكنت من شارعها، وجعلته أكثر من شارع، أو اغرقته بتخمة استسهال الحياة، وادلجته، وسيرته كما ترغب، وجعلته يعيش اليوم الصدام الطائفي، متأثراً بإعلام الفتنة الطائفية، ومن لم يقتنع بذلك غُيب وحُورب، وهجر، أو سجن، أو طلب منه الصمت الحديدي، وهو ارتضى بذلك لآن هذا الآخر لم يعد يصارع في المواجهة!

على من يعتبر نفسه من أهل الاعتدال بأن يسارع بمراقبة ما يحدث في ليبيا ومصر وتونس وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وفلسطين، ويعيد الحيوية إلى فكره، وإيمانه بالله، وبدينه، وبثقافته، والاهم أن يؤمن بدوره وبمحاسبة الذات والزعيم، ويقف بإندهاش عند تنحي الأزهر أمام أخطر قضايانا المصيرية، وما يحدث حول الكعبة، وكيف تتلاشى دول العرب والمسلمين، والأهم أن يعود إلى فلسطين وما أصابها من خيانات الأقربين!

فلسطين هي المرض و الدواء إذا قررنا التواجد بشرف، والقدس توحد الأمة، وترفع الصراع إلى النصر

والانفتاح، ومن ثم قراءة جدية خارج اللعبة الطائفية والعنصرية لتجربة المقاومة في لبنان، وذلك من أجل الانفتاح على الذات والوطن والدين والإفادة الوجودية وحتى لا نبقى حالات وجودية افتراضية عابرة لا قيمة لنا!

شاهد أيضاً

جهاز أمن مطار رفيق الحريري في بيروت يوقف طائرة تحمل عبارة “تل أبيب”

المديرية العامة للطيران المدني في لبنان تطلب من طائرة تابعة للخطوط الجوية الأثيوبية إزالة عبارة …