بين الباب وبيت الأحزان.. صفعة وكسر ضلع وغصب حق

 
 *د.جميل ظاهري*

تعمد رسول المودة والمحبة والخلق العظيم خاتم المرسلين المصطفى الأمين محمد بن عبد الله خير خلق الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، على أخذ يد بنته وروحه التي بين جنبيه بين الحين والآخر الى جموع الصحابة وتعريفهم بها وبمنزلتها ومكانتها لديه ولدى الله سبحانه وتعالى، ويرفع مكانها وكان يخاطبهم بقوله: “إنَّ فاطمة شجنة منِّي ، يؤذيني ما آذاها ، ويَسُرُّني ما سرَّها، وإنَّ الله تبارك وتعالى يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها”- المناقب: ج3، ص 333، و في کتاب فضائل الصحابة،ابن حنبل،ج ۲،ص ۱۲۷۸.. “فإنما ابنتي بَضْعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”- صحيح البخاري، وفي مسلم، وفي المناقب لابن شهرآشوب 3 / 112 عن سعد بن أبي وقاص.. “من أحبَّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ، ومن أبغضها فهو في النار.. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.. ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذرِّيتها وشيعتها)- رواه الخوارزمي بإسناده – كشف الغمة 1 / 467.
ذات يوم أخذ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يوماً بيد أبنته فاطمة عليها السلام في جمع من أصحابه، وقال مخاطباً إياهم: “وأما أبنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، ونور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي… وإني لما رأيتها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأني بها وقد دَخل الذل بيتها، وأنتهكت حرمتها، وغُصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية … فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها…”- جاء في فرائد السمطين: ج 2 ص 34-35 والأمالي للشيخ الصدوق ص 99- 101 وإثبات الهداة: ج 1 ص 280 -281 ، وإرشاد القلوب ص 295، وبحار الأنوار: ج 28 ص 37 -39، وج 43 ص 172- 173، والعوالم: ج 11 ص 391 و392، وفي هامشه عن غاية المرام ص 48 والمحتضر ص 109، وجلاء العيون للمجلسي: ج 1 ص 186- 188 وبشارة المصطفى ص 197- 200 والفضائل لابن شاذان ص 8- 11، وتحقيق المحدث الأرموي.
أستعرض خاتم المرسلين بكل ذلك بداية مكانتها ومنزلة فاطمة الزهراء سلام الله عليها الكبيرة دون غيرها عنده وعند الباري سبحانه وتعالى، ثم ما سيقدم عليه القوم من بعده من مظالم وإجحاف وغصب للحق والدين والحقيقة والولاية والعودة الى القبلية الجاهلية بعد أن أنقذهم من ظلمتها ووحشيتها وبراثنها ومساؤئها؛ وتمعنهم في التنكيل بـ”أم أبيها”- رواه الاربلي في كشف الغمة 2/ 90، وببعلها وبنيها الواحد تلو الآخر عليهم السلام أجمعين، وجسدوا كل ما قاله الرسول.. فما أن أغمض صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين عيناه حتى إنهال أهل القوم حقداً وضغينة وعنفاً وجوراً وظلماً عليها وعلى وصيه دون فصل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رغم أنه أوصاهم بهم قائلا: “أني تاركم فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا” وهو حديث يشهد على صحته العامة والخاصة ومنهم صحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن الدارمي، ومسند أحمد بن حنبل(11119) و(11147)، والبزَّار (864)، وأبو نُعَيم (حلية الأولياء) (9/64)، وأبو يَعلَى (1027) وابن سعد (الطبقات الكبرى) 2/194، ومسند ابن الجَعد 2711، والآجُريُّ (الشريعة) 1702، والطبراني (المعجم الكبير) 3/66-2679، والخطيب (المتفق والمفترق) 2/31، وابن أبي عاصم في (السُّنة) 1465.. وكثير آخرون لا يستوعب المقال لذكرهم جميعاً.
ما زال جسد رسول الله صلوات الله عليه لم يوارى الثرى وإذا بالقوم ينقلبون على أعقابهم {فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..}- آل عمران:144؛ ويقومون بعملية الإنقلاب في سقيفة بني ساعدة, حيث إزاحة القوم للخليفة الشرعي المعين من الله سبحانه لقيادة الأمة، وإبعاد كل من يرفض نتائج هذا الإنقلاب حتى وأن تطلب الأمر القتال، وهذه السيطرة لا يمكن أن تتم إلا بقبول علي بن ابي طالب بهذه النتائج لأنه المستهدف الوحيد بهذا الإنقلاب؛ فما كان من القوم إلا أن قاموا بالهجوم على بيت فاطمة عليها السلام ذلك البيت الذي لم ولن يدخله الرسول الأكرم دون استئذان من أهله بأمر من الله سبحانه وتعالى.. ويضرمون النار بالباب ويعصروا فلذة كبده وروحه التي بين جنبيه بين الباب والحائط فيشق المسمار طريقه بين اضلعها وأسقطوا جنينها ولطموا خدها، كما ذكره خاتم المرسلين بكل تفاصيله التي ذكرناه فوق.
أتفق مشاهير الرواة وكبارهم من أهل السنة على حادثة الباب وكسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها ومنهم “البخاري” في “الصحاح” و”المسعودي” صاحب تأريخ “مروج الذهب” في كتابه “إثبات الوصية” و”أبي الفتح الشهرستاني” في “الملل والنحل” و”أن قتيبة” في ” الامامة والسياسة” و”أبن أبي الحديد” في “شرح نهج البلاغة” و”الطبري” وغيرهم من كبار علمائهم ، حيث كتبوا ..”أن أبو بكر وعمر بن الخطاب وجمع من الناس أتوا بيت علي ن أبي طالب عليه السلام وكان عمر يحمل الحطب وقبس النار .. وأخذ يصرخ عمر بصوت عالي عند باب بيت علي: والذي نفس عمر بيده لتخرجن لمبايعة أبو بكر أو لأحرقها على من فيها ! فقيل له: يا أبا حفص أن فيها فاطمة ! فقال : وإن!! .. كان هجوماً قاسيا وتكرر عدة مرات، وفي مرة منها خرجت الزهراء البتول (س) الى الدار وصاحت من وراء الباب :” يارسول الله ماذا لقينا من أبن أبي … من بعدك؟ يا … جئت لتحرق علينا الدار؟،تركتم جنازة رسول الله (ص) بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً…”..، فهجم عمر ومن معه  فدفعوا باب الدار بشدة وهم يعلمون بأن فاطمة خلفه .. فكسروا بعض أضلاعها.. وتسببوا في إسقاط جنينها، ثم مرضها، وشهادتها.. حقيقة لا يمكن إخفائها وذكرها إنما لتبيين ما وقع وجرى وصدق ما بينه الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار لما سيجري على أهل بيته خاصة أبنته ووصيه دون فصل، أمام جموع الصحابة خاصة كبارهم.
“ولقد وثبت وثبة على شهاب بني هاشم، وقرنها الزاهر، وعلمها الناصر، وعدتها وعددها المسمى ب‍حيدرة، المصاهر لمحمد، على المرأة التي جعلوها سيدة نساء العالمين، يسمونها: فاطمة..حتى أتيت دار علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينب وأم كلثوم والأمة المدعوة بفضة ومعي خالد بن وليد وقنفذ مولى أبي بكر ومن صحب من خواصنا.. فقرعت الباب عليهم قرعا شديدا.. فخرجت فاطمة تمنعي من الدخول الى الدار، فأخذت سوط قنفذ فضربت فاطمة يديها بالسوط فألمها، فسمعت لها زفيرا وبكاء، فكدت أن ألين وانقلب عن الباب فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره، فركلت الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: “يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضة! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل.. “وسمعتها تمخض وهي مستندة الى الجدار، فدفعت الباب ودخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت الى الأرض..” – كتاب طويل جدا لعمر بن الخطاب إلى معاوية بن أبي سفيان، رواه محمد بن هارون بن موسى التلعكبري بسنده عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني بسندين، والعلامة البياضي في غاية الاختصار بسندين، ومثالب النواصب: ٣٧١ – ٣٧٤، ٤١٨ – ٤١٩، وابن عبد ربه الأندلسي – العقد الفريد – كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيامهم ج5 ص31، وابن قتيبة الدينوري في الامامة والسياسة ج1 ص30، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – كتاب الخلافة – باب كراهة الولاية ولمن تستحب ج5 ص 202.. وكثيرين آخرين بمختصر تغيير في بعض العبارات.
“إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن” – رواه الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي دارم التميمي، (راجع ما يذكره فيه في سير أعلام النبلاء ج15 ص676)، وابن أبي دارم (ميزان الاعتدال ج1 ص139)، وإبراهيم بن سيّار النظام (الشهرستاني في الملل والنحل ج1 ص57 و59 ، والصفدي في الوافي بالوفيات ج6 ص17)، والصفدي عن النظام (الوافي بالوفيّات للصفدي ج6 ص17)، والبلاذري عن سليمان التيمي وعن عبد الله بن عون – وكلاهما من الثقات عندهم – أنهما قالا: “إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة! فتلقتّه فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب! أتُراك محرّقا عليَّ بابي؟ قال: نعم”! (أنساب الأشراف للبلاذري أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي ج1 ص586)، ثم بقية ما جرى الذي اشرنا اليه آنفاً؛ ولم ينتهي الأمر بهم بهذا فقط فقد غصبوا “فدك” منها، ومنعوها من البكاء في بيتها على أبيها، وقطعوا شجرة الآراك التي كانت تستظل بها، وهدموا بيت الأحزان الذي أقامه علياً لها خارج المدينة لتندب أباها و..
ندم الخليفة أبي بكر وهو على فراش لموت، على أمره بالهجوم على بيت الزهراء البتول صلوات الله عليها وما دار ما دار من حرق للباب وضرب أم أبيها وكسر ضلعها وغصب فدكها وإسقاط جنينها.. حيث قال: “وددت أني لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أُغلق على الحرب”- مسند فاطمة للسيوطي ص34، والطبراني في المعجم الكبير ج1 ص62، والطبري في تاريخه ج3 ص430 وابن عبد ربّه في العقد الفريد ج2 ص254، وسليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، و ابن زنجويه – الأموال – كتاب فتوح الأرضين وسننها وأحكامها والعقيلي في الضعفاء الكبير – باب العين (1461) عن علوان بن داود البجلي، والمتقي الهندي في كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ج 5 ص 631 و 63..  وغيرهم كثير.
*jameelzaheri@gmail.com*

شاهد أيضاً

الأسد: موقف سوريا من المقاومة يزداد رسوخاً.. وستقدّم كل ما يمكن للفلسطينيين:

الرئيس السوري، بشار الأسد، يؤكد ثبات موقف بلاده من القضية الفلسطينية والمقاومة، على الرغم من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *