بعد 41 سنة على المجزرة .. رحل الموثق

بقلم : حمدي فراج

في الذكرى الحادية و الأربعين على مجزرة صبرا و شاتيلا التي تصادف هذه الأيام ، و التي استمر ارتكابها بدم فاشي قذر على مدار ثلاثة أيام أيلولية ، قتلا و بطشا و اغتصابا و تقطيعا للاوصال ، وصولا لبقر البطون الحوامل ، تأكدا من القضاء على الأجنة ، يأتي السؤال ، لماذا ؟ لماذا هذه المجزرة بحق أبرياء هجروا من وطنهم قبل حوالي ثلاثين سنة ، يعيشون في ظروف غاية في الصعوبة و الفقر و الجوع و البطالة ، تشرف على اغاثتهم و حمايتهم وكالة أممية ؟ ليسوا على ارض فلسطين لكي ينافسوا القادمين الجدد من أوروبا و أمريكا ، ليسوا في بلاطة او العروب او الدهيشة او جنين ، لكي يشكل قتلهم و جزرهم على تلك الشاكلة ، عظة لغيرهم بأن يحملوا أنفسهم و يرحلوا الى الأردن “البديل” و القريب ؟
تذكرت انني سألت هذا السؤال  للمفكر الأمريكي التقدمي رالف شونمان ، الذي طرق باب بيتي بعد حوالي ثلاثة اشهر من ارتكاب المجزرة ، كان يحمل في جعبته “سلايدات” مصورة لفظائع المجزرة بعيد ساعات من ارتكابها ، قام هو و قرينته “مايا شون” بتصويرها في المخيمين المنكوبين ، و يريد أن اساعده في عرضها على الناس ، رأيت مشاهد لا يستطيع الانسان تحملها ، و لا تصديق ان انسانا اخر ارتكبها بحق أخيه مهما كانت جريمته او جريرته ، فهمت بعد مشاهدتها ، لماذا كانت بعض القنوات الامريكية المحلية تحذر الحوامل و ضعاف القلوب من مشاهدتها . و خلال أسبوع ، عرضنا هذه الشرائح في غالبية مخيمات الضفة و مخيمات غزة و بعض القرى العربية في الجليل .
تواصلت علاقتي برالف و مايا ، الذي بدأ يعد لمسيرة كبرى في الذكرى الأولى على المجزرة ، دعا اليها مئة شخصية أمريكية اعتبارية ، من ضمنهم وزير العدل الأمريكي رامزي كلارك في حكومة جونسون ،  و أندرو يانغ ممثل الحكومة في مجلس الامن في حكومة كارتر  و القس جيسي جاكسون مرشح الرئاسة الامريكية عامي 1984 و 1988 ، و لكن إسرائيل منعته و احتجزته في المطار و اعادته في اول طائرة مغادرة .
في عام 1988 وضع كتابه النوعي “التاريخ المخفي للصهيونية” الذي لا يستقيم بدون ارتكاب المجازر ، و ان “صبرا و شاتيلا” لن تكون المجزرة الأخيرة . في زيارته الثانية لفلسطين عام 2005 كشف لي انه عمل سكرتيرا خاصا للفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل ( 1872- 1970) و انه تعلم منه كيف يجب على الثوريين ان بعيشوا طويلا ، كما كشف انه اعتقل في بوليفيا على خلفية مقتل تشي جيفارا عام 1967  بتهمة انه احد افراد مجموعته.
قبل حوالي 50 يوما ، رحل رالف شونمان عن عمر ناهز 87 سنة ، و بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيله نظمت قرينته “مايا” حفلا تأبينيا على “الزووم” شارك فيه العديد من أصدقائه و رفاق دربه الطويل في عدد من دول العالم ، و كنت من ضمن المتشرفين بتقديم مداخلة قصيرة “خمس دقائق”، تذكرت سؤالي إياه قبل أربعين سنة، عن: لماذا مجزرة صبرا و شاتيلا، اجابني يومها: التخلص من الشعب الفلسطيني فسيولوجيا ، و دفع نصف مليون فلسطيني في جنوب لبنان “شمال إسرائيل” الى سوريا  او ما هو أبعد من سوريا .

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *