*عن قضاء ينتهك القضاء والقانون: من محمد مازح الى غادة عون

 

“أقسم بالله بأن اقوم بمهامي في مجلس القضاء الأعلى بكل أمانة وإخلاص وأن أحفظ سرّ المذاكرة وأن أتوخّى في جميع أعمالي حسن سير القضاء وكرامته واستقلاله”.

هذا نصّ القسَم الذي يؤديه أعضاء مجلس القضاء الأعلى أمام رئيس الجمهورية وبحضور وزير العدل، بحسب المادة الثالثة من قانون القضاء العدلي. ومن صلاحيات هذا المجلس، تأديب القضاة الذين يرتكبون ما يخلّ بالقانون وبصلاحيات عملهم، أي المحافظة على القضاء من خلال مراقبة عمل القضاة وحفظ الضوابط التي تحكم سلطتهم.

الكلام النظريّ جميل دائمًا، خاصّة أن مفهوم القضاء كمؤسسة يرتكز على الفصل في النزاعات القائمة بين الأطراف (سواء كانوا أفرادًا أو جهات أو شخصيات معنوية) على أساس النصّ القانوني وروحيّته، بدون السماح لأي تأثيرات من خارج هذا النصّ بالدخول على خطّ الحسم ومنها التدخلات السياسية المحلية وغيرها، والرشاوى، والأهواء الشخصية، الخ.

ننتقل إلى الأرض: ماذا لو عدنا قليلًا ناحية صيف ٢٠٢٠، حين انتهكت السفيرة الأميركية كل القواعد الدبلوماسية النظرية التي تحكم عمل السفراء وانتهكت القوانين اللبنانية المرعية الإجراء والتي تنص على تجريم التحريض ضد طرف لبناني (وهو أمر تفعله دائمًا بالمناسبة). حينها، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح وبناء على شكوى من مواطنة لبنانية، أي ضمن مسار قانونيّ وقضائي واضح، قرارًا يمنع الوسائل الإعلامية اللبنانية من مقابلة أو استصراح السفيرة الأميركية بسبب تدخلاتها التحريضية في الشؤون الداخلية اللبنانية.

ما جرى بعدها يوجب أن يضاف إلى القسم المذكور أعلاه عبارة “ومراعاة الرضا العوكري في شأن عمل القضاة، ونسف قراراتهم القانونية وتأديبهم عليها إذا ما تعارضت مع مسارات السياسة الأميركية في المنطقة”. لو أُضيفت هذه الجملة إلى القسم، لحافظ المجلس على مصداقيته ولو شكلًا، لأن في ذلك الحين، رأينا كيف يمكن للاجراءات القضائية بحقّ قاض لم يخطىء في عمله أن تكون مباشرة وسريعة وجازمة، بعكس تلك التي قد يطالب بها متضرّرون من عمل قاض فاسد خرج عن النص القانوني بصراحة ونكّل بالمحتكم إليه! استدعي القاضي مازح للاستجواب واعتبر قراره مسًّا بألوهية السفارة الأميركية، واستقال بعدها حرصًا على كرامته وكرامة القضاء.

هذا السيناريو نفسه تكرّر وإن بوتيرة أبطأ في ملف القاضية غادة عون بعد أن استخدمت القانون، القانون فقط، في مسار ملاحقة الأداة الأميركية المدلّلة رياض سلامة. مجلس تأديب أقالها من السلك القضائي رغم سلوكها المهني المشهود له. الغريب أنّنا في لبنان لم نشهد إجراء مماثلًا تجاه أيّ قاضٍ انتهك القانون أو استخدم صلاحياته لغايات شخصية أو تلقى رشاوى أو “هدايا”. هذا الإجراء بشكله أو بمضمونه تمّت ممارسته فقط حين مسّ قاضيان الخطوط الأميركية الحمراء التي يبدو أنّها على الأرض هي القانون وهي روحيّته.

من جهة أخرى، تعاطى الإعلام العوكري مع الملف بنفس الروحية التي حكمت تعاطي مجلس القضاء الأعلى، وتماهى مع الرغبة الأميركية بشكل مقزّز: يوم منع القاضي مازح الوسائل الإعلامية من استصراح السفيرة، توافدت المؤسسات العاملة في فلك عوكر إلى أعتاب شيا وتسابقوا على استصراحها ومقابلتها تحديًا للقرار القضائي، وهاجموا بكلّ ما اوتوا من أدوات سافلة القاضي مازح وقراره، الذي وقع عليهم وقع تكسير صنم يركعون له ويفترضون أن المسّ به خطيئة تستوجب القتل، وإن كان فعل القتل هنا لا يتعرض لجسد المستهدف بل إلى شخصيته المعنوية ومساره المهني. أمّا في ما يتعلق بملف القاضية عون، فقد عملت هذه المؤسسات بجهد ضد القاضية الجادة في مسار محاسبة سلامة عمّا اقترفت يداه وعمدوا إلى تشويهها على الصعيدين المهني والشخصي ويمكن القول إنّهم قاموا بالتهيئة لاغتيالها مهنيًا وهو ما جرى في الأيام الماضية.

نعود إلى القسم، نضع خطّين تحت عبارة “حسن سير القضاء وكرامته واستقلاله”، ونضحك لأن شرّ البليّة ما يضحك. فحسن سير القضاء مفضوح بعثراته ومئات الموقوفين المتأخرة محاكماتهم خير دليل على “حسن السير” هذا، والملفات المودعة في جوارير القضاة بإيعازات سياسية تتناسب مع الرغبات العوكرية دليل آخر. أما كرامة القضاء فقد مرّغها مجلسه الأعلى بتراب عوكر، والقاضيان مازح وعون خير شاهدين وأصدق دليلين، وفي ما يخصّ استقلاله فحدّث ولا حرج: لقد صار مرادفًا للسيادة التي يدعّيها الكثيرون وهم يقفون صفًّا ذليلًا على أبواب السفارة، حالهم حال السفيه اذا اشتدت فصاحته محاضرًا بالعزّة!

🇱🇧 *موقع العهد الإخباري*

شاهد أيضاً

وحدة التدخلات الطارئة تدشن مساهمتها لمشاريع المبادرات المجتمعية بمحافظة إب اليمنية من مادتي الاسمنت والديزل ..

تقرير /حميد الطاهري دشنت اليوم وحدة التدخلات المركزية التنموية الطارئة بوزارة المالية بالتنسيق مع السلطة …