هُنا دمشقُ

حسن عليّ شرارة

هُنا مهدُ الحـضارةِ مُنذُ كانَتْ** لهـا في جُـلّـقٍ إرثٌ وسَبْقُ
هُنا حُصنُ الكرامةِ والمبادي**هُنا حِضنُ الإباءِ هُنا دمشقُ
هُنا دمشق:
شقيقةُ بغداد اللّدودةُ، ومصيدةُ بيروت، وحسدُ القاهرة، وحُلمُ عمّان، وضميرُ مكّة، وغيرةُ قرطبة، ومُقلةُ القدس زهرةُ المدائن، وعكّازُ التّاريخ!
هُنا دمشق:
امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء، وعشرة ألقاب، مثوى ألف وليّ، ومدرسة عشرين نبيّ، وفكرة خمسة عشَر إلهًا خرافيًّا لحضارات شنقت نفسها على أبوابها..
هُنا دمشق: الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة، وملهمة الشّعراء .
دمشق الّتي تتقن اللّغات كلّها ولا أحد يفهم عليها غير عبقريّ جلّ شانه، أو ملهم عزّ مكانه.
دمرَّ هولاكو بغداد، وصار مسلمًا في دمشق، حرّر صلاح الدّين القدس، وطاب موتَا في دمشق..
لديها من العشّاق ما يكفي حبر العالم. ومن الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس .
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفّس مُلحدوها عبق الملائكة..
ومن المداخن ما يكفي “لتشحير” وجه الكون .
لديها من الصّبر ما يكفي لتنتشي ب “هزّة أرضيّة”، ومن “الشّحاحيط” المعلّقة في سوق الحميديّة ما يكفي للاحتفاء بجميع طغاة العالم .
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشُرفات ما يكفي سكان آسية ليحتسوا قهوتها، ويدخّنوا سجائرهم على مهل..
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم الّتي لا تقبل القسمة على اثنين في أرقى أحيائها تسمع وجع “الطبّالة”، وفي ظلمة “حجرها الأسود” يتسلّق كشّاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من “المُهاجرين”
دمشق …لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربيّة وشرقيّة، ولا كما القاهرة أهليّ وزملكاويّ، ولا كما باريس ديغوليّ وفيشيّ، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التّايمز، ولا كمدن الخليج العربيَ مواطنون ووافدون، ولن تكون كعمّان فدائيّون وأردنيّون، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدّم .
دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية..
وإذا أقفل باب مصلّى فلديك مفاتيح باب السّريجة..
وإن أضعت طريق الجامع الأمويّ، ستدلّك عليه “كنيسة السيّدة ” .
لا تُتعب نفسك مع دمشق، ولا تحترْ، فهي تسخر من كلّ من يدّعي أنّه يحميها، ومن يحاصرها، ومن يهدّد بترويضها، فتودّ أن تعانقها أو تهرب منها، وتقول جملة واحدة للجميع: أنا دمشق!
فالياسمينُ بغيرِ الشّامِ ما نَفحا*والشّعرُ يومًا لغيرِ الشّامِ ما صدحا
عاشت الشّام شامة الدّنيا، وتحيا سورية أبيّة عربيّة
كأنّي أحضنُ الدُنيا بكفّي*إذا صاح المُذيع: هنا دمشقُ

شاهد أيضاً

الفنان الفلسطيني سانت ليفانت يكشف عن أغنيته “قلبي ماني ناسي”

سانت ليفانت يقدم “قلبي ماني ناسي” بأسلوب موسيقي متنوع ومعقد رسالة عميقة ومؤثرة من خلال …