الناقد اللبناني جهاد أيوب ل “الوفاق”: لا أعتقد بسينما الحقيقة، بل أطالب باهتمام السينما بالحقائق!

 

“إيران اليوم هي نقطة تواصل ما بين نجاح الثورة ولغة الابداع، والعالم يتطفل ليعرف سر هذه النقطة، والسينما باستطاعتها كشف ذلك، وسنشهد في السنوات المقبلة هرولات الغرب المريض بالافلاس الفني الإبداعي الابتكاري فكرياً خاصة بالسينما والتشكيل إلى إيران والشرق لدراسة ما سيكررون سرقته من بلادنا، وينسبونه لهم!”.

السينما في ايران دائماً لها نشاطات واسعة وهناك مهرجانات مختلفة تُقام فيها، ومنها مهرجان “سينما الحقيقة” التي نحن على وشك إقامته خلال الأيام القادمة، واستلمت الجمهورية الاسلامية الإيرانية طلبات قدمتها ۹۵ دولة للمشاركة في مهرجان الأفلام الوثائقية السينمائية الدولي الـ 16 والذي يقام في إيران تحت شعار “سينما الحقيقة”، حيث سيعرض في هذا المهرجان 1348 فيلماً وثائقياً لـ 95 دولة، منها 893 فيلماً قصيراً.

كما سيعرض 195 فيلما شبه طويل و240 فيلماً طويلاً، فعلى أعتاب إقامة هذا المهرجان اغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع ناقد وفنّان تشكيلي وإعلامي وصحافي من لبنان، وهو “جهاد أيّوب” الذي حصل على جائزة أوسكار لأفضل شخصية مؤثرة في الشرق الاوسط، وتم اختياره كأفضل إعلامي في الشرق الاوسط لعام 2018 و 2019 و 2020 من قبل اتحاد منظمات الشرق الأوسط للحقوق والحريات، ونال دكتوراه فخرية من الرابطة العالمية للإبداع والعلوم الإنسانية عام 2018 ، وكذلك دكتوراه فخرية من اتحاد منظمات الشرق الأوسط للحقوق والحريات – مصر- عام 2019.

“جهاد أيوب” ناقد متخصص في الدراما والسينما والمسرح والتلفزيون والتشكيل والثقافة، اعد العديد من الأفلام الوثائقية وعضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين، فيما يلي نص الحوار مع هذا الناقد الفني اللبناني:

 

* ماذا یعنی مصطلح “سینما الحقیقة” وما هي أبعادها العاطفية، السلبیة او الایجابیة على الجمهور؟

– أنا شخصیاً لا أتفق مع تسمیة “سینما الحقیقة” لأسباب علمیة وفنیة وواقعیة مرتبطة بالفن عبر التاریخ، ربما قصد سینما الخبري – أو الفيلم الخبري- أو السینما المباشرة – الفيلم المباشر… وهنالك اتهامات حول المسمى یقال انها سوء ترجمة من المصدر الغربي… وبما أننا قد وضعنا تسمیة لمحورنا الثقافي علینا القراءة المتأنیة، لربما مع الزمن تغیرت المفاهیم کما هو حال الثقافة والفن باستمرار!

صحیح أن السینما هي بانوراما التاریخ، وتؤثر بالشعوب لکونها تسجل التاریخ، ودائماً اعتبر السینما مکتبة التاریخ بتصرف، أقصد لا تستطیع السینما أو أي نوع من أنواع الفنون نقل الواقع کما هو، یعني لا تقدم السینما کل الحقیقة فهنالک الرؤیة الفکریة التي نکتب من خلالها القصة ومن ثم الحوار وصولاً إلى رؤیة المخرج، والأخطر کیفية تنفيذ هذه الرؤیة، وبعدها تنفيذ مطالب المنتج سیاسیاً وتجاریاً…کل هذا یؤثر بالحقیقة الکاملة، ویقدم الحقیقة ناقصة!
نحن نعلم أن الحقیقة تؤجل لظروفها، وقد تکتب لکنها لا تنتشر إلا بقرار الظرف والحالة الاجتماعیة والسیاسیة والدینیة على عکس الثورة التي تسرق وتزور، وفي التاریخ فقط الثورة الاسلامیة في إیران لم تسرق رغم تکالب الغرب وبعض دول تدعي الإسلام علیها!
ونقل الحقیقة کاملة في السینما دون البعد الدرامي والتدخل الرؤیوي یصیبها بالمباشرة، وبالعادة جمهور السینما لا یحب اللغة المباشرة!
کما علینا أن لا نتجاهل التأثیرات الجانبیة العمیقة والأساسیة لهذا الزمن في صناعة دنیا السینما… وهذا ما جعل السینما تتفوق على التلفزیون الذي اغرق بالمباشرة بحجة الحقیقة، مما انعکس على الحالة النفسیة والعاطفية للمتلقي سلباً أکثر من الإیجاب، ربما الخطاب السیاسي لمشروعه یعتقد أنه نجح بذلک، ولکن عبر الزمن أعماله تصبح مرفوضة!

أنا أؤمن بتقدیم الحقائق في السینما ولیس تقدیم کل الحقیقة، وهنالک فرق کبیر بین الحقائق التاریخیة، والحقیقة الواقعیة سیاسیاً واجتماعیاً، واتفق مع شعار “سینما الحقائق” أکثر!

 

* ما هو تفسیرکم للإندفاع الدولي للمشارکة في هذا المهرجان في إیران في هذا الوقت؟

– إن هذا الإندفاع لیس مستغرباً بعد نجاح الثورة الإیرانیة التي أصبحت حقیقة واقعیة رغم محاربة العالم لوجودها، ورغم الحصار استطاعت إیران أن تتفوق أولاً على إیران ومن ثم تنافس العالم علمیاً وفنیاً، وها هي الیوم، وبعد الصبر الکبیر تحصد بصیرة الجهود والحضور، ومن الطبیعي الإندفاع للمشارکة في مهرجانات إیران الثقافية خاصة الفنیة وبالتحدید السینمائیة وعلى أمل أن ینضم المسرح إلى المنافسة، وذلک من أجل قراءة البعد العمیق في ترکیبة المجتمع الإیراني، وفي حرکة تفکیر الفرد الإیراني بعد نجاحه في محاربة الصبر والحصار… السینما هي حضارة الشعب في الفن السابع، والمسرح واقع المجتمع والبلد في لعبة أبو الفنون، والافلاس فيهما یعني إفلاس الدولة وضیاع المجتمع!

إیران الیوم هي نقطة تواصل ما بین نجاح الثورة ولغة الابداع، والعالم یتطفل لیعرف سر هذه النقطة، والسینما باستطاعتها کشف ذلک… وسنشهد في السنوات المقبلة هرولات الغرب المریض بالإفلاس الفني الإبداعي الإبتکاري فکریاً خاصة بالسینما والتشکیل إلى إیران والشرق لدراسة ما سیکررون سرقته من بلادنا، وینسبونه لهم!

* هل الفن یخدم القضیة أم العکس صحیح؟

– بالتأکید الفن یخدم أي قضیة ترغب في حمل رایتها وانتشارها، أمیرکا احتلت العالم من خلال ما نشرته وسوقته لنا من أفلام هولیودیة محملة برسائل اجتماعیة وسیاسیة خطیرة، لا بل أصبحت حلم کل الشعوب إلى أن هاجرنا إلیها واکتشفنا زیف الحیاة فيها، وکذب أفلامها!

الفن قضیة، وقضیة من دون حریة لا تنجح، وحریة غیر مسؤولة لا تترک أي أثر فکري، بل تشوه الحقیقة وتزرع غریزة حمقاء، والأهم مواکبة تقنیة العصر في مخاطبة المتلقي مع المحافظة على تقدیم وجبات من الحقائق، والدلیل مسلسل النبي یوسف (ع) حیث عرض في کل العالم، وترجم إلى جمیع اللغات، وهذا العمل اعتمد في أحداثه على ما جاء في القرآن، وسوق حقائق مع أبعاد درامیة لا تعتمد على الحقیقة بل على خیال کاتب مخرج فني یؤمن بالحقائق وبلغة الفن بکل مسؤولیة.

 

* ما هو تعریفک للفن الملتزم مقارنة مع انواع الفنون المختلفة وما هو الهدف منه؟

– الفن هو فن، وما تفضلت به لا یعنیني بقدر ما یعنیني الانسان، وقیمة الإنسان في أي عمل فني… فن من غیر قیمة إنسانیة هادفة ثرثرات فارغة لا تعیش! عام ١٩٠٤ افتتحت اول سینما في ایران، الآن هناک عشرات الجامعات والمعاهد الرسمیة والخاصة في أنحاء إیران تدرّس فن صناعة الأفلام. رغم الحصار على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة والإضطرابات المفتعلة.

 

* ما هو دور الفنان أو المخرج السینمائي الإیراني في هذا الوقت تحدیداً؟

– أنا من المتابعین سابقاً للسینما الإیرانیة والفن التشکیلي بشکل جیّد، وبعد الثورة انقطعت عنّا هذه التجارب، ولکن على صعید التشکیل استطیع أقول أنه وقع باللغة المباشرة، وأصبح بوستر خطابي، وسمعت أنه تم الإنتباه إلى هذه العلة، ویوجد تجارب معاصرة مختلفة، لکنها لم تصلنا للأسف، ولم یعرف تسویقها!

في السینما، التجارب التي وصلتنا خجولة، ولا نسمح لأنفسنا التقییم، ومع ذلک کنا نقرأ هنا أو هناک عن تمیز هذا الفيلم الإیراني أو ذاک… وأخذت أتطفل لأجد أن الشباب الإیراني مختبر في السینما، ویحترم جهود من سبقه، وأعتقد أن السنوات المقبلة ستقدم مجموعة تجارب قد تحدث منافسة ومغایرة في فهم العمل السینمائي کما حال ما قدم من دراما تلفزیونیة مع ملاحظاتي الکثیرة علیها!

واستطیع القول أن السینما الایرانیة تختلف عن غیرها من خلال “العدسة الحادة”… أي تلتقط تفاصیل المشهد بمصداقیة عالیة، وهذا لم أجده إلا بما شاهدته في السینما الایرانیة… ولم أجده عند غیرهم!
الیوم یجب أن یکون للفنان الإیراني دوره في نقل حضارة بلاده، ومنجزات ثورته، ومعجزات صبره على حصار عالمي، وتقدیم طموحاته على خشبة خلاص الفيلم الإیراني… ادعوهم إلى کسر الخجل، وعدم الإکتفاء بالإنزواء مع إنهم یجربون ویعملون، ولا بد من هدم الحائط اللزج وطرح ما لدیهم بثقة!

 

* مدرسة الأفلام الوثائقیة مقابل مدرسة الأفلام التجاریة، أیهما یؤثر أکثر لدى الجمهور؟

– الأفلام التجاریة هي التي تؤثر على الجمهور لکونها تبحث عن الغریزة والإضحاک والتسلیة… هذه النوعیة إن زادت في تقدیم العباطة تصنع السذاجة!

 

* لماذا لم تأخذ صناعة الأفلام الوثائقیة حقها أو حصّتها من الإنتاج والتسویق في عالمنا العربي والإسلامي؟

– المشکلة في کیفية صناعة الفيلم الوثائقي، وعدم توفر المنتج المؤمن به، والإعتماد على مساعدة الدولة له أو مراکز غربیة تدعمه وتضع شروطها، والأخطر غیاب التسویق، والإعلان الذکي له.
الفيلم الوثائقي یبقى مع الزمن، لذلک أدعوا إلى الإهتمام به، وإلى البحث عن أسلوب او طریقة مغایرة ینفذ بها خارج الصورة والتعلیق… السینما أهم وأبعد من ذلک!

 

* هل حاجز اللغة یعتبر عائقاً أمام الأفلام المترجمة لدى المتلقّی وهل تصل الرسالة التي یریدها صُنّاع الفيلم کاملة؟

– في الفن لا تعتبر اللغة عائقاً، وکلما قدّمت عملک بجودة عالیة، وبسخاء إنتاجي مهم، وبرهافة واحساس ومصداقیة تصل رسالتک وعملک وفنک… أما أن نقدم فنوننا بأسلوب لا ینسجم مع تقنیات العصر بالتأکید لن یصل… في إیران یتنبهون لذلک، والکثیر من الفنون السمعیة تصلنا بثقة، ولکن الفنون البصریة لا تصلنا بشکل جید إلا ما هو قلیل ونقف عنده… اعتقد سوء التوزیع وتقصیر الإنتاج، وقلة المشارکات هي السبب!

 

* بعیداً عن المدارس الفنیة القدیمة، أو السردیة، ماذا ینقص إیران لإظهار الصورة الحقیقیة لدیها في کافة المجالات الثقافية من سینما وأدب ورسم وشعر؟

– ینقصها الثقة بما لدیها، والإیمان بأن المحلیة هي باب العالمیة بشرط أن تنفذ أعمالها بمسؤولیة، وتحمل المضامین الإنسانیة خارج المبالغات وصناعة الکذبة، وأکید بتقنیات العصر… الغرب أخذ بالأفول ثقافياً خاصة في هولیوود التي تکرر أفکارها بشکل مزعج، وتعتمد فقط على التقنیات المتطورة والعصریة، وهي غیبت الأنسنة في أعمالها… حان دور الشرق، دور إیران الجاد في تقدیم فنها الذهبي… أنا التقیت بکثیر من شباب الفن والإعلام والثقافة الإیراني، وشاهدت عن قرب علاقات متنوعة لجهود إیرانیة في أکثر من مجال إبداعي، وکانت النتائج ملفتة خاصة مع السینمائي الإیراني وتجارب دول محور المقاومة، وظهرت لنا مدى إمکانیاتها إما في مجال اعمال مشترکة او تمویل وغیرها… یوجد تجارب إیرانیة في صناعة الدراما مهمة یأتون بها للعمل خارج ایران، تلفتنا، تدهشنا، وعلینا أن نقدمها بما یلیق بها إعلامیاً… أنا عندي الکثیر من النقاط النقدیة بحق الإعلام الإیراني أو الذي یمول ایرانیاً لیس مجالنا هنا کي أسردها، وکتبتها في أکثر من مقالة لمن یرغب الإطلاع، وکل هذا الإعلام الإیراني هو مقصر بحق الإبداع والمبدع الإیراني!

 

* ما هو تقییمکم للمرحلة، واقتراحاتکم وتطلعاتکم على مستوى نقاط القوة والضعف للسینما التي تحمل أهدافاً سامیة في إیران أو في دول محور المقاومة أمام الهجمات الشرسة أو ما یعرف بالحرب الناعمة؟

– أشعر أن المرحلة المقبلة ستقدم الدراما التلفزیونیة الإیرانیة بشکل أوسع، وستحدث تأثیراً جیداً… أما على صعید السینما فأنا من خلال مشاهداتي المتواضعة أجد أن جیلاً سینمائیاً إیرانیاً مقبلاً بثقة بشرط أن لا یسمح لنفسه أن یقلد غیره، أن لا یسعى إلى تقلید فکرة الغرب مع السینما، أن لا یصاب بعقدة الخواجة، أن یتصالح مع محیطه تاریخه ثقافته، أن لا یخجل مما لدیه، أن لا یؤمن بالتقوقع بحجة اللغة والسیاسة، أن یجاهر بأفکاره التي تطور ولا تستهلک بسرعة فقاعات الصابون من أجل الشهرة الکاذبة والسریعة… أن یتمسک بفکرة أنه مختلف ولدیه ما یعطیه من اختلاف عن السائد، وأن لا یستخف بحاله وبالعلم وبما وصلت إلیه تقنیات السینما، والأهم أن لا یکون آلة بل هو من یشغل الآلة… أي لا یصبح أسیراً للعصر، بل هو من یؤثر بالعصر بما لدیه حتى ینجح ویختلف ویؤثر!

کل ما ذکرته لا قیمة له إذا لم یؤمن له مساندة الدولة دون تدخل بل وضع مصالح الوطن أولاً، وأیضاً الإنتاج السخي المغامر، والأهم الإعلان والإعلام والتسویق المدروس.

في إیران کوکبة من الفنانین ینافسون بکل جرأة عالمیاً ینقصهم الفرص المدروسة… إیران لا تقدم فناً استهلاکیاً، بل فناً عمیقاً ومسؤولاً… هذا ما شاهدته وتابعته لأکثر من تجربة ومحور إبداعي… المساندة والتسویق هو الحل!

 

* نشاهد نشاطاً إیرانیاً کثیفاً في العالم الإفتراضي تحدیدا صناعة الرسوم المتحرکة الإلکترونیة (أنیمیشن)، وهنالک متابعة جماهیریة واسعة للصناعةِ السینمائیةِ الإیرانیة، وبدأنا نلحظُ الناسَ یعبرون عن تأثرهم وعن تغییر حقیقي في أفکارهم بعد مشاهدة هذه الأفلام، ما الذي تقترحه للمخرجین والکتاب من أجل بناء أشمل حول المجتمع الإیراني؟

– نعم، لقد سبقتني في الإشارة إلى ذلک… هذه الأعمال تحصد تواصلاً کبیراً، وإعجاباً مهماً… هذه الأعمال تؤثر جداً بالمتلقي، لذلک لا بد من دعمها کمشاریع إبداعیة تقدم صورة حضاریة عن ایران التاریخ والحاضر والمستقبل، وإیجاد نظام التفرغ للمبدع في هکذا نوعیة،… بصراحة، وحتى لا اطیل، أشیر إلى أن الغرب بدأت تغیب الشمس عن فنونه وخاصة السینما فيه لآنه غیب الاخلاق، ویعیش من دون اخلاق رغم تقدیمه لخدمات اجتماعیة لدافعي الضرائب، وفي ایران وبعض الشرق لا تزال الأخلاق في ملعب إبداعاتنا وفنوننا وثقافتنا… هذا هو مفتاحنا لنقتحم به کل العالم… المهم کیف نقدمه لا أن نتغنى به بشکل مباشر دون الإیمان بجهود الشباب.

https://al-vefagh.ir/Service/18.html

شاهد أيضاً

عون التقى محفوظ في اليرزة

استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة رئيس عام الرهبنة اللبنانية …