” الربيع الإيراني ” والرأس المكشوف !

كتبه -رجا إغبارية

تتعرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيام الثورة الإسلامية فيها وحتى يومنا هذا الى حصار امريكي أوروبي صهيوني عربي خليجي عميل ، تقف على رأسه السعودية ، التي تنفذ سياسات أمريكا في المنطقة ، مثلها مثل ” دولة الكيان الصهيوني – إسرائيل ” .

كل ذلك حصل بسبب اختيار الشعب الإيراني للثورة بأغلبيته الساحقة التي قادها الامام الخميني ضد الشاه، الذي جعل من ايران قاعدة صهيوامريكية في الخليج ، لا تختلف عن ” إسرائيل ” من حيث الدور المنوط بها .

حرضت أمريكا الرئيس العروبي صدام حسين وأوقعته في فخ تلك الحرب التي دمرت في نهاية المطاف العراق وليس ايران ، وكان ذلك خطأً جسيماً يسجل على صدام حسين ، صاحب الطموحات القومية العليا والتقدم التكنولوجي وخادم قضايا العروبة والإسلام وفلسطين ، الذي لم تسمح له أمريكا التي دفعته لتلك الحرب ان يبني دولة عربية قوية .. وحصل ما حصل …  وها هو الشعب العراقي” ينعم “بالديمقراطية الامريكية التي جاءت على ظهر دبابة احتلاله، فقسمت العراق الى طوائف ، جل قادتها موالين للإمبريالية الامريكية ، باستثناء بعض قوى المقاومة التي ما تزال مكبلة بفتاوى مشايخ طوائف نصبهم الاستعمار الأمريكي .. (للعبرة ) ..

إيران خرجت من تلك الحرب اقوى واشتقت طريق التطور العلمي، تحت مظلة نظام إسلامي لا يروق للأمريكان والأوروبيين الذين جعلوا من مواجهة النهج الإسلامي المحتضن شعبياً في إيران ذريعة لتدخلها في الشؤون الداخلية لإيران، الامر الذي لم تفعله مع السعودية الوهابية مثلاً. هناك الاسلام الذي يخدم الاستعمار حلال (كشير) وهنا الإسلام حرام.

الحقيقة ان السبب وراء هذا التدخل والعداء هو الموقف السياسي لإيران الثورة الإسلامية وليس العقيدة الدينية وحقوق الانسان والمرأة والحجاب او غطاء الرأس.. الامر الذي سأعالجه لاحقاً ..

ينجذب النيو ليبيراليين العرب والمسلمين الى موضوع حرية الافراد على أهميتها ليضعوها في المرتبة الأولى من اولوياتهم على حساب الوطن وسيادته ووحدته … ليجدوا انفسهم في خندق واحد مع أمريكا ضد ايران أو سوريا او ليبيا أو أي دولة فيها نظام قومي ، شاءوا ام ابوا ، ضد “ديمقراطية شمولية” ممتدة منذ أيام الاتحاد السوفياتي دون احداث تطوير على هذه الديمقراطية الوطنية المعادية للاستعمار ، وهذا صحيح ، لان الاستعمار نفسه لم يتح الفرصة لتطويره . لكنها دول رفضت ان تخضع للاستعمار، الذي يشكل بدوره العدو الأول والأخير للشعوب وحياة الافراد تحديداً وحريتهم الشخصية والاقتصادية والفكرية والايمانية بمنظور طبقي اممي … تماماً كما حصل في ليبيا والعراق وسوريا وما يحصل في اليمن ، حيث يشغل الحجاب كالغمامة على عقولهم عندما يتخذونه ذريعة  برؤيته على رؤوس النساء  ، في الحالة الإيرانية .

للتوضيح ، فان موقفي هو احترام حرية الفرد في أي مكان ، وكما نحن في فرنسا والغرب ضد حجب لبس الحجاب عن المرأة المسلمة هناك قانونياً ولم نستطع تغيير موقفهم ، ” تنفيذاً لنظامهم السياسي الاجتماعي”  الذي تبلور عبر مئات السنين ويسعون لفرضه علينا حسب قواعد الاستعمار للشعوب ولا “يمنحون” هذه الشعوب حق التطور الطبيعي الذي حصل في أوروبا ، حتى وصلت الى ما وصلت اليه . فإننا ايضاً بالمبدأ مع الحرية الفردية أينما كانت .. لكننا لا نقبل ان يستخدمونه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي  تحديداً ، ضد شعوبنا كأداة  للاستعمار العولمي النيو ليبيرالي الجديد .

فنحن مع حريتنا الفردية كما نراها نحن ولتكن خطأ حسب رؤيتهم ، لكنها صحيحة حسب واقعنا وتراثنا الديني والاجتماعي , والاستعمار هو السبب اصلاً في واقعنا هذا سواء التقدمي او المتخلف اجتماعياً . لكن هذه القضية تعتبر قضية مجتمعية طويلة الأمد والتطور الاقتصادي والاجتماعي ، وهي ليست أولوية الشعوب ، انما اولويتها بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يتلاءم مع عقيدتها ، والذي يصب في نهاية المطاف في مصلحة البشرية التي تعادي هذا الاستعمار وتمنعه من السيطرة على مقدراتها وتطورها العلمي والاقتصادي والسياسي والعسكري لحماية نفسها من هذا الاستعمار نفسه وانيابه في المنطقة ، مثلاً .

فايران الثورة الإسلامية التي استبدلت سفارة الكيان الصهيوني بسفارة للشعب الفلسطيني وتدعمه منذ ذلك الحين بكل ما اوتيت من قوة كي يتحرر من الاستعمار الصهيوني في فلسطين ، كل فلسطين ، هي بيت قصيد العداء الأمريكي صهيوني سعودي ومن لف لفهم ، وليس حجاب امرأه انتزع من قبل شرطي متعصب ، اعتذرت دولة كاملة عن تصرفه الهمجي . فلو تصرف العالم بهذه العدائية للشرطة الامريكية التي تقتل السود مع تصوير الكاميرات او الشرطة الصهيونية التي تقتل النساء والأطفال والشيوخ علناً بدون سبب حقيقي  .. لتوقعنا حرباً عالمية، بدل المعارك القانونية او المجتمعية  الداخلية وبدون تدخل اجنبي ، غالبه استعماري ..

ايران الدولة التي تقدمت علمياً وبنت المصانع النووية والعسكرية وانجبت العلماء ، هي بيت القصيد من وراء تحريك كل قوى الشر والعمالة في ايران والمنطقة ، دول الطوق لإيران ، وبقايا نظام الشاه العميل ، لنجد ان سبعة دول أوروبية تدرب هؤلاء العملاء من الإيرانيين وغيرهم ، تماماً كما حصل وما زال يحصل في سوريا واليمن وليبيا  ( غرف تجهيز الربيع العربي أتذكرون لتجزئة هذه الدول وتدميرها  ) .

هذه دول ترفض أنظمتها الوطنية ، قومية كانت ام دينية ، الخضوع للإمبريالية الامريكية ، تماماً كما هو المخطط لتقسيم روسيا النووية والتخلص منها في مواجهة هيمنة القطب الأمريكي الواحد على العالم ، ورفض أمريكا لمشاركة الشعوب في تطورها الإيجابي ، بدل نهب خيراتها والقيام بدور الشرطي الامبريالي على هذه الشعوب ودولها .

هو نفسه خطر التدخل الأمريكي ضد الصين التي تسعى لتوحيد دولتها وضم مقاطعة تايوان للوطن الام ، الامر الذي ينبئ بحرب قادمة اذا ما تدخلت أمريكا بهذا الشأن الداخلي الصيني ، وهي تعلن انها ستتدخل عسكرياً ..

انت تجد نفسك راضياً او مكرهاً امام تحديد الأولويات للشعوب ، اما التحرر من الاستعمار والعبودية للإنسانية جمعاء واما الوقوف الى جانب حرية رجل او مرأه او ديمقراطية – دكتاتورية البرجوازية التي ستخدم الاستعمار ، ام حرية شعب وشعوب ، والعراق وليبيا دليل  ساطع لا يقبل التأويل .

هذا نقاش ليس مع العملاء الذين باعوا انفسهم وشعوبهم للأمريكان ، انه نقاش مع الوطنيين أعداء الاستعمار وانصار النيوليبيرالية الامريكية  التي لا يرون بها اداةً استعمارية  .

الأيديولوجيا والمعتقدات المعلبة لم تعد وحدها الطريق الذي نواجه به الاستعمار، ولا تقولوا لي ان هذه الأنظمة هي التي أتت بالاستعمار ، بل الاستعمار هو من لاحق اسلاف هذه الأنظمة كي لا تتطور ديمقراطياً الى ما هو افضل . فهاكم واحة الديمقراطية من سعودية ومشيخات (شخاخات النفط) ، أصدقاء الاستعمار ، لماذا لا يدمقرطوهم على شاكلتهم ، ام ان عكاكيزهم هناك تؤمن سرقة نفطهم وثرواتهم ..  الشعوب منذ فجر التاريخ المادي للبشرية تخضع وتصارع القوة الأقوى، التي  تتحول الى مستعمر مباشر او غير مباشر عبر أنظمة العكاكيز  . انه صراع طبقي داخلي وخارجي بين الشعوب المقهورة والاستعمار.

فحماية قاعدة الاستعمار في المنطقة ” إسرائيل “وإقامة مستوطنات أمريكية في المنطقة والعالم ( أوكرانيا مثلاً )  تسمى دول على شاكلتها ، هو السبب الحقيقي في السعي برأس مكشوف  لتفتيت ايران وسوريا وكل الوطن العربي والإسلامي وامريكا اللاتينية وروسيا والصين المناهض للإمبريالية .

التهديد بقصف المرافق النووية في ايران لم ينجح ولم ينجح حتى الاتفاق النووي في منع ايران من التقدم النووي والتكنولوجي ، وصناعة صاروخ”  قادر 100 ” ، الباليستي الجديد  ، القادر على حمل  قمر صناعي ايراني الى الفضاء ، الذي بإمكانه ان يحمل قنبلة نووية ايضاً  كما تقول ” إسرائيل ” ، هو ما يجعلهم يهرعون لاستخدام  ذريعة  حجاب امرأة ( بغض النظر عن موقفي من هذه الحرية الشخصية )  سبباً لإثارة وتحريك كل عملاء أمريكا في ايران والمنطقة .

تزويد ايران لروسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في الحرب على أمريكا والناتو في أوكرانيا، ممنوع ، وهو ما يقلقهم ويقلق ربيبتهم ” إسرائيل ” وربيباتهم في السعودية والخليج . هم مسموح لهم السيطرة على البحر الأحمر وجزر اليمن ونفط اليمن وسوريا والخليج والعالم ، لكن ايران وروسيا والصين ممنوع . هل يوجد استكبار وعنجهية واستعمار اكثر من ذلك لهذا “الرجل الأبيض” المتجدد .

يقف العالم الآن على أبواب حرب شاملة في الشرق الأوسط وفي أوروبا الشرقية والصين وامريكا اللاتينية، حرباً عالمية ضد القطب الواحد الأمريكي ، حرب تعدد الأقطاب ، هي المعركة الجذرية التي تصب كل ايجابياتها مهما كانت تكلفتها ،  في صالح الشعوب والدول الضعيفة والمستهدفة  .

الاستعمار الأمريكي وحلفائه يخسرون ساحات الدول وساحات نهب الشعوب الضعيفة ، لذلك نراه يفتح الجبهة تلو الأخرى ولا يخرج من جسد الشعوب . انه صراع ازلي بين الشعوب واستعمار الشعوب . صراع متجدد يأخذ اشكالاً جديدة يصنعها الاستعمار نفسه في غرفه المظلمة التي تتدرب وتدرب اعوانها على اغتصاب الشعوب  وحرياتها وثرواتها . لماذا يريدون ان يصمموها على شاكلتهم! هل يسأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال . لماذا !

فمثلما سقط الربيع الأمريكي على أبواب دمشق سيقط ” الربيع الإيراني ” المفتعل،  في طهران الملايين التي نزلت الى الشوارع للدفاع عن سيادتها وتطورها ، وردت عليهم بتجربة الصاروخ الباليستي ” قادر 100 “الذي اقلق أمريكا وارعب ” إسرائيل “.

ومثلما أوقف بوتين المد النووي الأمريكي الناتوي على أبواب روسيا  ، ستوقف الصين المد الأمريكي في تايوان .. هذه هي المعركة المركزية للشعوب ، ولنستمر في النقاش الاجتماعي لاي عقيدة كانت ، دينية او علمانية ، شريطة ان تكون بوصلتها “السيادة الوطنية ومعاداة الاستعمار واعوان الاستعمار” كما قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .

شاهد أيضاً

شباب لبنان …شباب العلم

/ابراهيم ديب أسعد شبابٌ إلى العلياءِ شدّوا وأوثقوا وطاروا بأسبابِ العلومِ وحلّقوا وقد ضمّهم لبنانُ …