” فتاة الخِدر ” كنزٌ من كنوز اللغة …

إعداد الكاتبة والشاعرة دلال موسى

 

هي إحدى قصائد العصرِ الجاهليّ ، كَتبها المُنَخَّل اليشكري للمتجردة ، وألقاها عام ٥٩٧ .
استطاعت أن تعيش في ذاكرة الشعر العربي على الرغم من أنها لم تكن من معلقات العرب ولا من حماستهم ومفاخرهم .
عُرفت هذه القصيدة أيضاً باسم  (فتاة القصر) أو (فتاة في القصر).

*من هو المُنَخّل اليشكري؟

هو عمر بن مسعود اليشكري من قبيلة بني يشكر من تهامة ، ولِدَ غرب مكة المكرمة بعدَ عام الفيل ب ١٠ سنوات ، وشبّ على دلالٍ وترف وكان من أجمل فتيان العرب وأكثرهم فصاحةً وهمّة .
أبحرَ في أهم السفن فهو ابن الشعيبة المتيّم بالبحر فعرفَهُ الكثير من التجّار في الحبشة وكان لهُ حضور في سوق عكاظ في الطائف ، لُقّب بالمنخّل لأنه كان ينخل الشِعر .


*مَن هي المتجردة؟

كانت المتجردة زوجة النعمان بن المنذر ملك الحيرة في العراق _ الذي كان قبيح الهيئة _
من أجمل نساء زمانها فكان زوجها يغار عليها كثيرا ، صادفها المنخّل عندما كان بصحبة زوجها في الخورنق ( قصر النعمان ) في المرة الأولى وانبهرَ بجمالها مع أنه لم يتمكن من التحديق بها كثيرا لأنها انحنت لتلتقط أزارها الذي سقط منها فكتب قصيدته المشهورة :
سقط النصيف ولم ترِد إسقاطه …

وقبل ان يفيق من سكرة الشِعر كان سيف النعمان يطلب رأسه
، فظل هارباً لِعشرات السنين ، وكتب اعتذارياته الشهيرة للنعمان حتى عفى عنه .

وبعدها أصبح من أحد ندمائه واستقر في الخورنق ، فصار يلتقي بالتجردة كثيرا إلى أن وقع في هواها
وتناثرت الروايات عن علاقة بين المنخل والمتجردة ، وكان ضيوف الحيرة ،
يتهامسون في حضرة النعمان بأن أولاد المتجردة من النعمان يشبهون المنخل
ووصلت الهمسات الى النعمان ، فقبض على المنخل وأمر باحراق جثته ، لكي لا يتعرف على قبره أحد ، وأيضا أمر بنفس الجزاء على كل من ذكر اسمه .
فتقول بعض الروايات الأخرى أنه أغرقه وربما دفنهه حيّاً أو أخفاه .

مناسبة هذه القصيدة

كتب المنخّل هذه القصيدة عند اقتحامه الخِدر أي مكان الستر ، على فتاته في يومٍ مطير لا يصلح للصيد ولا للقتال .
حيث أنه أخبرها بنزوته العارمة ورغبته بها وأكد لها أنها ليست متعة عابرة وأنها يُحبها ويعرف بأنها تحبه .
تألفت هذه القصيدة من ثلاثة أقسام تحت عنواين مختلفة :
شجاعة وكرم

ان كنتِ عاذلتي فسيري
نحوَ العراق ولا تحوري

لا تسألي عن جل مالي
وانظري كرمي وخيري

وفوارس كأوار حرّ
النار أحلاس الذكورِ

شدوا دوابر بيضهم
في كل محكمة القتيرِ

واستلأموا وتلببوا
ان التلبب للمغيرِ ….

أُحبها وتحبّني

ولقد دخلتُ على الفتاةِ
الخدر في اليوم المطيرِ

الكاعبِ الحسناء ترفل
في الدمقسِ وفي الحريرِ

فدفعتها فتدافعت مشي
القطاة الى الغديرِ

ولثمتها فتنفست
كتنفس الظبي الغريرِ

فدنت وقالت يا منخّل
ما بجسمك من حرورِ

ما شف جسمي غير وجدك
فاهدأي عني وسيري

واحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري …

خيالات النشوة .

يارب يوم للمنخل
قد لها فيه قصيرِ

ولقد شربت من المدامة
بالقليل وبالكثيرِ

فاذا انتشيت فإنني
رب الخورنق والسريرِ

واذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعيرِ

ٍيا هندُ من لمتيّم
.يا هندُ للعاني الأسيرِ ؟

ويُروى أن النعمان كان يمتلك قصراً آخر في الحيرة ” السدير ”
وكان بالقرب من الخورنق ، اتخذه النعمان الأكبر لبعض ملوك العجم .

في القسم الثالث من القصيدة كان المنخّل يصوّر حاله وقد تملكته نشوة الشراب بأنه النعمان ربّ الخورنق وصاحب السرير أي العرش وربما السدير _ كما ورد في رواية أُخرى _ ولكن عندما صحا عاد إلى صوابه فوجد أنهُ لا يملك سوى الشياه والبعير .

 

شاهد أيضاً

في ظلال طوفان الأقصى “62”

وقفُ الحرب وانتهاءُ العدوان ضماناتٌ واهيةٌ ونوايا كاذبةٌ بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي تدرك المقاومة …